انتهاء دورة لتدريب شعراء موريتانيا على إلقاء الشعر

أحد, 2016-08-21 09:54

(إيجاز صحفي)

اختتمت في العاصمة الموريتانية نواكشوط مساء اليوم السبت أول "دورة في فن إلقاء الشعر" تنظم في موريتانيا، وذلك بتوزيع الإفادات على المشاركين وأمسية شعرية وجلسة استراحة أعقبت نشاط اليوم الثالث والأخير لهذه الدورة.

ونظمت هذه الدورة، التي جرت بمشاركة عشرات الشعراء، واستمرت ثلاثة أيام، من طرف "بيت الشعر في نواكشوط"، وأطرها دكاترة وأساتذة مختصون.

وأكد الدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر في نواكشوط خلال الاختتام، فرحه بنجاح هذه الدورة، والإقبال الكبير الذي حظيت به، والمستوى العلمي الذي سجل فيها، والذي عبر عنه كم المعلومات والملاحظات، واتساع النقاشات التي أعقبت المحاضرات والعروض الصوتية المسجلة والمباشرة، التي قدمها مؤطرو هذه الدورة.
وقال ولد السيد "لا أخفيكم سرا أني كنت متخوفا من عزوف الشعراء عن هذه الدورة التعليمية، لأن الشاعر بطبعه يرفض سلطة الدرس والتلقين والتوجيه، وحتى الانضباط، وليس مؤهلا لقبول التعليمات من الآخرين، فهو من يسمو بمشاعره وشعره ويتيح للناس أن تعيش أجمل المشاعر وأطيبها".

وأكد ولد السيد أن هذه الدورة تأتي ضمن برنامج بيت الشعر في نواكشوط، والذي يستمر عطاؤه للشعراء وللنخبة الثقافية الموريتانية منذ انطلاقته، وذلك بفضل مبادرة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بافتتاح بيوت الشعر في الوطن العربي، وهي المبادرة التي تشرف عليها دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، مشيدا بالخصوص بدور رئيس الدائرة الأستاذ عبد الله محمد سالم العويس ومواكبته الدائمة لسير هذه العملية الإبداعية الكبرى من المحيط إلى الخليج.

ونوه ولد السيد إلى أن بيت الشعر في نواكشوط سيحتفل في الثالث من سبتمبر  المقبل بمرور أول عام على أنشطته، موضحا أن البيت منذ انطلاقته برنامجه الثقافي لم يستدع أي شاعر مرتين، وذلك مؤشر على كثرة الشعراء الموريتانيين ولله الحمد.

عبد الله السيد ذكر بأن "دورة فن إلقاء الشعر" هي ثمرة مشاورات مع كبار الشعراء الموريتانيين، وذلك للنقص الملاحظ بقوة لدى الشعراء الموريتانيين في فن الإلقاء والإنشاد الشعري، وهو فن رئيسي وحاسم وهام في توصيل الشاعر لرسالته الشعرية وكشف إبداعيته وتواصله مع الجمهور.

هذا، وكان اليوم الثالث للدورة قد شهد محاضرة قيمة ألقاها الشاعر الكبير الدكتور ناجي محمد الإمام تحت عنوان "الإلقاء والإنشاد" واختتم بإلقاءات شعرية استعرض فيها نموذجه في الإلقاء الشعري.

وكان ناجي الإمام قد أوضح في مستهل محاضرته أن "الإلقاء أو الخطابة هو إيصال نص مرتجل أو مكتوب إلى جمهور معيَّن ؛ و يختلف النص باختلاف الجمهور المخاطَب وهو ما عبرتْ العربُ عنه بالقول المأثور " لكل مقام مقال".

وأضاف "أما إنشاد الشعر فَفَن الفنون الذي فتحت له العرب الأسواق و تبارى فيه عباقرتها و خلدت فيه أيامها وخصته بتعبير "الإنشاد" و فرقت بينه وبين "الانشاء" فكأنه يوازيه إن لم يفُقهُ..

وفي العصر الحديث ،على مستوى الغرب، أصبح الإلقاء و منه الإنشاد مجالا واسعا للإبداع و أخذ مكانته المستحقة بين فنون الفرجة و الإدهاش.

أما على المستوى العربي فقد اقتصر الأمر على التأثر بما يجري في الثقافة الغربية و لم تتبلور مدارس تُنظّر لهذا الفن الرائع ، و ظل الإنشاد موهبة يتميز بها هذا الشاعر أو ذاك فيقتدي به و يقلده آخرون ، وظهر المنشد غير المنشئ بتأثير انتشار السينما ، كالفنان المصري محمود ياسين مثلا.

واستعرض ناجي من اعتبرهم من وجهة نظره من أبرز الشعراء العرب المنشدين، وقال "لقد تربع على فن الإنشاد العربي بدون منازع الشاعر العراقي العظيم مظفر النواب الذي كان حضور أماسيه النادرة يوازي وقد يتفوق على كثير من حفلات فناني العرب الأُوَّل".

وقال "فضلا عن تاريخه العجائبي... خلق لنفسه طقوساً و"تجليات" تبدأ ، مثلا ، بتناوله القهوة العربية على المنصة فوق المسرح ولا تنتهي بغناء مواويل و مقام عراقي قبل القصيد و منه وقد يصحبه عزف منفرد، أما المتفرِّد المرحوم محمد الفيتوري: أكاد أجزم بأنه يزاحم النواب في روعة الإلقاء و الإنشاد و لكن ميزة ساحر إفريقيا اقتداره على الإمساك بتلابيب مستمعيه و كأنما على رؤوسهم الطير بحيث تكاد تسمع دبيب النمل عندما يلقي درره".

وأضاف "إن فصاحته الأسطورية وتمكنه من اللغة صرفا و نحواً و صيغا و اطلاعه المبهر على الموروث عربيا والمعاصر عالميا... وإيمانه المطلق بالعروبة الحضارية ، أعطاهُ تفرُّده واقتداره ، الذي لا مثيل له، على استخدام صوته الرخيم /الأجش/ الأرق/الأجهر/ الهامس/ الواعظ/ الرافض/ الصاعق/الهادئ /الرزين/ المُتعالي/ ...ليصنع الدهشة و الفرجة و السمو...".

ويضيف ناجي الإمام "شاعر العربية الكبير محمد مهدي الجواهري... لا أعتبر إلقاءه متميزا ولكن جاذبية الرجل العظيم جعلت إنشاده يستقطب معجبيه".

وقال "بعد هذه الأسماء ذات الحمولة الأسطورية يتعين الإقرار بعدم وجود ما يمكن أن يسمى إلقاء أو إنشادا في بلاد شنقيط الأمس ولا في موريتانيا اليوم ، ذلك أن الإلقاء عمل منبري مديني لا تتوافر متطلباته في المضارب و المخيمات و قُرى عبور القوافل ، ولعل انشغال المتعلمين عندنا بالإنشاء الشعري الإتباعي وتأخر التواصل مع التجديد الأدبي و الفكري مع بقية العالم عربيا كان أو أجنبيا، جعلنا لا نتقن أو لا نهتم أو هُما مَعاً ، بالكتابة النثرية و الخطابة الأدبية والإنشاد الشعري و نكتفي بنظم النص الوافد ،غالبا ،وشرحه تارةً ، و"تطريره" نادراً".

وخلص في هذا الإطار إلى القول "في هذه الدائرة المغلقة التي لا مجال فيها للتواصل مع الإبداع المنبري ، و ما قد ينجم عنه من تداول و انتقاد و محاجة، سادتْ القراءة الفردية والانطباع الشخصي أو/ و الشللي".

وقدم ولد الإمام بعد ذلك تعريفا لفن الإلقاء بأنه "وسيلة التواصل مع جمهور المتلقين تعبئةً وإبلاغا و إدهاشا و فرجةً.

وعدد أدوات فن الإلقاء في: "فصاحة اللسان، رباطة الجنان، امتلاك ناصية اللغة، التماهي مع النص بالجوارح و اللسان، استبطان النص حتى يكون صوتُ المنشد تمثيلا متقنا للحالة بتماهٍ مطلق مع الإيماء الجسدي لأن لكل نص شعري حالته".

واعتبر أن هناك أمورا تجب مُراعاتها "فمن المستحسن عدم إنشاد النص النثري رواية و قصة و قصيدة نثرية، ومراعاة علامات التنصيص في الشعر الحديث لتقنين حالة النفَس و النبرة لأنه بمثابة إشارات المرور التي تنظم النص، وتحبذ مصاحبة المنشد بآلة وترية تُكثف الحالة الشعرية".

هذا، ونظم بيت الشعر على هامش محاضرة اليوم، أمسية شعرية شارك فيها عدد من الشعراء البارزين والشعراء الشباب، الذي شاركوا في فن دورة إلقاء الشعر. وبينت هذه الأمسية تجارب متعددة في فن إلقاء الشعر، وبما يسمح بالقول إن لكل شاعر فنه في الإلقاء.

...........................................................................................