أنتقل إلى عفو الله ورحمته ـ بإذنه ـ أستاذي وزميلي عبد الرحمن ولد بلال ولد أعمر صالح فجر اليوم رحمه الله برحمته الواسعة..
كان عبد الرحمن نموذجا في كل شيء: في الأخلاق التي تسع من جاء إلى وكالة الجمهورية بنواكشوط على مدى أكثر من عقدين من الزمن..
في المواظبة على العمل والتفاني فيه حتى بإهمال صحته وشؤونه الخاصة، تتصل عليه في وقت متأخر من الليل وقد استدعيت إلى عمل مستعجل فتجد هاتفه مفتوحا، ولا يزيدك على القول: "في الطريق إليك" وإذا كان الأمر يتعلق بتقرير مستعجل سيتم إرساله يقول لك: "آخر رقم في سجل الإرسال هو كذا وأنا قريب"..
يضبط بشكل يومي في ذهنه آخر رقم للبريد المرسل العادي، والبريد الخاص، وكل التصرفات التي وقعت على الملفات اليومية، ويكفيك مجرد اتصال عليه ليعطيك المعلومات التي تحتاجها..
يضبط النظام، ويضبط التنظيم، ويمتص غضب المغاضبين، وتشنج المتشنجين، في هدوء دائم، ووجه واحد يلقى به الجميع..
كسب تجربة لم تتوفر لغيره على مدى عقود من العمل في النيابة العامة وفي تسيير السجون، فكانت خبرته من خيرة خبرات القضاة، وكان أستاذا للقضاة وكتاب الضبط، ومرجعا للجميع..
يراقب بدقة وبنكران للذات وتواضع جم كل تصرفات القضاة، وعند ملاحظة خطأ في التكييف أو نصوص المواد يأخذ الملف على خفية ويأتي إلى القاضي المعني به ويخاطبه بأدب ولياقة: لعلكم نسيتم كذا.."..
عفيف كريم خرج من "الحفرة" كما نسميها نظيفا يسترضي بعض الناس حتى بدفع النقود إليهم من جيبه، ويتنازل عن نصيبه أحيانا من المصاريف المقررة لإرضاء البعض..
ماذا يمكنني أن أقول فيه؟؟..
صحبته ثماني حجج، ما رأيت منه إلا استقامة ونزاهة وإيمانا بالشيء العام، وتفانيا في الخدمة وأمانة في العمل، وحفظا للسر..
يقولون في الغرب الموريتاني إن من لم يدرس النحو على العلامة يحظيه ولد عبد الودود أو على من درس عليه فاته كثير من النحو، وأعتقد أن من لم يتدرب من القضاة وكتاب الضبض على الأستاذ عبد الرحمن ولد بلال أو على من تدرب عليه فاته كثير من القضاء..
أعجزتني الكتابة عنه، وكنت إخالها لا تعجزني، فما أعرفه فيه من جميل الذكر، وكريم الخصال وافر ومتكامل، وطويل وبقية بحور الخليل..
أعزي فيه نفسي ومرفق القضاء، وهو أحق بالتعزية فيه قبل الأهل، ثم العائلة الكريمة عائلة أهل أعمر صالح، ووحيده بارك الله فيه وجعله من الصالحين، وقرة عين لا تنقطع..
أسأل الله العظيم أن يغفره ويرحمه وأن يعيذه من عذاب القبر وعذاب النار، ويدخله الجنة، ويجازيه عنا بأحسن الجزاء..
وإذا "نزلت مليكة" الكتابة بعد الصدمة رجعت له..
القاضي أحمد عبد الله المصطفى