أحمد سالم ولد باب
ترى هل سيجد محمد ولد عبد الفتاح، بعد تعيينه أمس وزيرا للطاقة والمعادن؛ وقتا لممارسة ركوب الخيل؛ هوايته المفضلة، أم أن وقته سيضيق عن ذلك؟
الأيام القادمة كفيلة بالإجابة..
عندما طلبتْ "مراسلون" من الشاعر خديم رسول الله بن زياد أن يحدثها عن صديقه الملاطف؛ وزير الطاقة والمعادن الجديد، قال: أعتقد أن كلمتين تفيان بالغرض: العصامية والاستقامة!
ومن خلال شهاداتٍ متعددة - جمعتْها "مراسلون" من معارف الوزير وأصدقاءِ دراسته ومراهقته - تبين لنا كثيرٌ مما أجمله الشاعر في كلمتيه..
تعيينُ ولد عبد الفتاح اليوم تَوَّجَ مسيرةً من الكفاح الشخصي؛ امتدت لعقدين من الزمن: تقاسمتهما الدراسةُ والعملُ لحسابه الشخصي، قبل أن يلج المسؤولية العامة، لدى تعيينه مديرا لشركة "سوماگاز" في يناير الماضي..
طوال مسيرة بناء مجدِه الشخصي؛ لم يتسلق الرجلُ ظهرَ وسيطٍ ولا قريب، ولم يكن في محيطه الاجتماعي من يعين على ذلك..
وجُلُّ معارف الوزير الذين زاروه الليلة لتهنئته؛ يعلمون أنه بنى منزله الجميل - الذي استقبلهم فيه - قبل تقلده أَيَّ مسؤوليةٍ في الدولة..
لكن المقربين منه أيضا؛ يعلمون أن له منزلا آخر؛ بناه قبل ذلك في حي الشاطئ (سيتي بلاج)، أوقفه على الفقراء والمحتاجين بمقتضى عَقْد موثق.
ولد محمد ولد عبد الفتاح سنة 1977 في روصو، وانتقلت أسرته بعد ذلك إلى انواكشوط، حيث أقامت في حي الميناء، والتحق هو بالمدرسة رقم 10 الابتدائية.
وفي عام 1994 نجح متفوقا في الشعبة الفرنسية من الباكلوريا الرياضية، وتوّج ذلك بالفوز بمنحةٍ دراسية من التعاون الفرنسي..
تابع دراسته في مرحلتي اللصانص والمتريز في "نيس" و"ستراسبورغ"، ونال شهادة الدراسات المعمقة DEA في المعلوماتية في "باريس"، وتخصص - في مرحلة الدكتوراه - في "الذكاء الاصطناعي".
وأثناء تحضيره لشهادة الدكتوراه عزّز تكوينَه المهني بالعمل في شركاتٍ ومخابرَ جامعية، واكتسب اللغة الإنكليزية؛ لغته الثالثة بعد العربية والفرنسية.
في نهاية 2005 فاجأ زملاءَه بقرار العودة إلى موريتانيا، في وقت كانت أبوابُ النجاح مُشْرَعةً أمامه في فرنسا، كما يقول صديقُه المهندس أمانة الله..
وفي بداية 2006 افتتح مكتبَ دراساتٍ لنُظُم المعلومات في شركات النفط، إلى جانب عمله أستاذا بكلية العلوم بجامعة انواكشوط..
وقد أكسبته 9 سنوات من تقديم الخِدْمات والاستشارات لشركة "توتال" خبرةً جيدة في مجال الطاقة: تنقيبا واستخراجا وتسويقا، حتى إنه استطاع بسهولة كَسْبَ ثقةِ شركة "استرلينغ أنيرجي" البريطانية؛ فعيّنته ممثلاً لها في موريتانيا، وهو المنصب الذي تركه حين عُيِّنَ مطلع العام الحالي مديرا لشركة "سوماگاز"..
ما العلاقة التي تربط نُظُمَ المعلومات بالطاقة؟ يجيب صديقه المهندس أمانة الله: من حسنات مدارس المهندسين بفرنسا أنها تزود طلابَها - فضلا عن المناهج والنظم التعليمية - بالأدوات المعرفية، وطرق التفكير، والقدرة على التعلم، ومهارات القيادة وتسيير المؤسسات والأشخاص..
في 2010 تم اختياره عضوا في لجنة تسيير مشروع الحالة المدنية؛ كأحد الخبراء الموريتانيين القلائل في مجال التكنولوجيا البيومترية..
في العاشر من يناير الماضي عُيِّن مديرا لشركة "سوماگاز"، وبحسب مصادر في الشركة فإنه ساهم إلى حد كبير في إعادة الثقة فيها كمؤسسة وطنية ذات بعد اجتماعي، ووصلت نسبة التوزيع والتغطية مستوياتٍ قياسية..
يقول شريكه في العمل المهندس سيد أحمد إنه يتميز بشخصية قيادية حازمة، وبقدرة على الإقناع.. يستشير في الصغير والكبير.. يغدو إلى العمل مبكرا، ويروح متأخرا..
وبكثير من الإعجاب؛ يذكر أحد أقارب الوزير - ويكبره سنا - أن إقامته الطويلة في فرنسا لم تؤثر على استقامته والتزامه الديني؛ رغم أنه غادر البلاد وهو في الـ18 من عمره، وأمضى أكثر من 11 سنة في الغربة.
وَلَجَ ولد عبد الفتاح بابَ السياسة في عباءة التكنوقراط، فكان عضوا في إدارة حملة ولد عبد العزيز، وإليه يرجع الفضل في إعداد البرامج التي تعالج المعطيات الانتخابية، ويبدو أنه في تلك الفترة نال إعجاب بعض المقربين من الرئيس..
ورغم أن مجموعته الاجتماعية لم تحظ بوزير في الحكومات المتعاقبة؛ إلا أنه من الصعب عليها أن تعتبره وزيرَها، لأنه لم يمارس السياسة أبدا في إطارٍ قبلي..
عُرِف ولد عبد الفتاح - في محيطه الاجتماعي - بتشجيع التمدرس؛ فهو يقيم حفلا سنويا لتكريم الناجحين في المسابقات الوطنية، ويتحمس لمساعدة الطلبة الراغبين في إكمال دراساتِهم في الخارج.
ويصفه أحد أفراد عائلته بأنه "فتى الكهول"؛ لأنه استطاع مصادقةَ رجالٍ في عمر والده السبعيني، وهو ما يراه محدثُنا دليلا على رجاحة العقل وكماله..
ورغم النجاحات التي أحرزها في مسيرته المهنية؛ فإن بساطتَه وتواضعَه لم يفارقاه أبدا.. وحسب أصدقاء مراهقته؛ فإنهم لم يلاحظوا تغيرا في سلوكه تجاههم، فضلا عن أن يفقدوا صداقته..
ويحدثنا خديم رسول الله أن الوزيرَ محمد كان شغوفا بالأدب بشقيه: الفصيح والشعبي، وأنه كان يطرب كثيرا لمديحية الشيخ الرضا "بانت سُليمى"، ويستعيدها كثيرا، ومطلعها:
بَانَتْ سُلَيْمَى فَهَاجَ البَينُ أَحزَانَا ** وَقُطّعَ الوَصْلُ حَتَّى كَانَ مَا كَانَا
كَيفَ التَّلاَقِي وَلاَ بِالغَوْرِ مَسكَنُهَا ** هَيهَاتَ أَمْ كَيْفَ نَلقَاهَا وَتَلقَانَا
أَمْ هَلْ تُعَلِّلُنَا وَصْلاً عَلَى مَهَلٍ ** تَشْفِي بِهِ مُستَهَامَ القَلْبِ صَدْيَانَا
حُيِّيتِ سَلْمَى فَلَيْتَ الدَّهْرَ يَجْمَعُنَا ** وَلَيْتَ طَيفكِ بَعْدَ النَّومِ حَيَّانَا
مَا أَنْسَ لاَ أَنْسَ أَيَّامًا لَنَا سَلَفَتْ ** طَابَ الوِصَالُ بِهَا شَرْقِيَّ حَوْرَانَا
هَاجَ الغَرَامَ سُحَيْرًا ذِكْرُ غَانِيَةٍ ** تَخَالُ فِي ثَغْرِهَا رَوْحًا وَرَيْحَانَا
حَورَاءُ فِي دَعَجٍ كَأَنَّ رِيقَتَهَا ** خَمْرٌ مُعَتَّقَةٌ مِن خَمْرِ بَيْسَانَا
وقد أَسَرَّ إلينا أحد أصدقائه أن له محاولاتٍ في الأدب الشعبي، لكننا فشلنا في الحصول على نموذج منها..
يحب محمد الاطلاع على مستجدات الاقتصاد والسياسة الخارجية..
وفي أيام الدراسة كان لاعبا ماهرا لكرة القدم كما يقول أصدقاؤه، أما الآن فهو يمارس رياضةَ ركوب الخيل، ويُحِبُّ أن يخلوَ بنفسه - على الشاطئ أو في ضواحي العاصمة - ممتطيًا صهوة جواده..