في يومها الأول حصلت عدة أحداث أثرت في نفسي وحياتي كثيرا .
كنت قبلها لا أظن المدرس إلا حامل رسالة نبيلة أقف له و أوفيه التبجيل .
كانت صدمتي كبيرة لمجرد رؤية تلك السيدة و هي تدخل الفصل بهندامها اللاتربوي
كانت أستاذتي فارعة القامة تلبس ملحفة رقيقة ترى تنورتها القصيرة من تحتها أول ما يلفت النظر ساقيها الباديتين .
يصدق عليها قول الشاعرة :
مِنِي جِبْ بِحَمْدِ اللهِ أَصْبَحَ أَخْضَرَا *** وَعَـمَّـا قَـلِيلٍ سَوْفَ يُـصْبِـحُ أَحْـمَـــرَا
وَمَا زَالَتِ الْحَسْنَاءُ مَـيٌّ حَـرِيـصَـةً *** عَلَى رَفْـعِـه شِبْـرًا، فَـبَـاعًا، فَـأَكْـثَـرَا
وَمَا زَالَ يَعْلُـو فِي الْقَوَائِـمِ صَـاعِدًا *** "دُوَّيْـنَ الصَّفَا اللَّائِي يَلِينَ الْمُشَقَّـرَا"
وقفت أمامنا و نحن في الصف الثالث إعدادي وكان الطبشور بيدها المخضبة بالحناء لم تدرسني سيدة قبلها ولا بعدها ولم أعرف إلى زينة النساء سبيلا يومها .
يصدق عليها قول الشيخ حمدا في مضيفة الطائرة :
وقفت بين سائح و سياسي
ترشد الناس في خفيف اللباس
ورمتها العيون وهي تناجي
في هدوء مجموعة الأجراس
وأشارت أن المقاعد تحوي
سترة للنجاة عند الإياسِ
فوجمنا وقد بدت كلمات
لا تدخن، وألبس حزام الكراسي
فصعدنا وفى النفوس رجاء
والتجاءٌ لخالق الأجناس
واستوينا في الجو ثم شربنا
فترى القوم بين عار وكاسي
أتحفتنا بالحلويات جميعا
وبأكل يأتيك فى الأكياس
فنزلنا فشيعتها عيون
قطع الله وصلها بالمواسي
فأتم الشيخ عدود ذلك بقوله:
ليت هذي الفتاة كانت تراعي
حرمة الشرع أو شعور الناس
من حسن حظنا أنها جاءت قبل إضراب الخبز بما يقارب نصف الساعة فكانت حصة تعارف فكتبت اسمها اعل السبورة و طلبت من كل واحد منا أن يعرف بنفسه ما هي إلا دقائق حتى امتلأت الساحة هرجا و مرجا و خرجت الأمور عن السيطرة طلب منها رئيس القسم وكان شخصا مشاغبا لا يضيع فرصة شغب أن تجلس على قطعة خشب من طاولة أحضرها ليوصلها إلى إدارة الدروس فرفضت أولا لكنها سريعا ما استجابت للطلب فحملها المشاغبون إلى إدارة الدروس وهم يكرورن (عيش راحلة).
حاول أستاذ من الأساتذة أن ينقذها فباءت محاولته بالفشل فطفقته موجة بشرية إلى حيث تسير فكان يصرخ _10 لكل واحد منكم وكلما صرخ بذلك صرخت هي 0 لكل واحد منكم.
رئيس القسم بدوره يقول و بأعلى صوته( أنهار ماه انهارك زوز).
وفي هذه الأثناء كانت الشرطة و الدرك قد طوقتا بناية الإعدادية والثانوية ولم نكن نعلم بذلك .
كنا في غاية السعادة بهذا الإضراب الذي هز أركان المؤسستين و أخاف الأساتذة والإدارة على حد سواء وكنا نرشق بناية الإدارة بالحجارة لا أعرف لأي سبب .
حاول باص تابع للشرطة أن يدخل لكن منعه المتظاهرون من ذلك فجاءت الدرك من الخلف و رمت بيننا مسيلات الدموع و حاولت فض الجمع و كنت أحاول الفرار و بأخف الأضرار لكنني لم أسلم من هراوات الشرطة التي نهشت ظهري وتركت أثرها فيه لزمن طويل .
وقتها كنت أسمع صوت المدير العام يقول (أنصل يسو أكتلوهم إكصر أعمارهم)
ذلك الضرب المبرح كان كافيا لردعي عن المشاركة في الإضربات و حتى اليوم.
من صفحة البراء ولد محمدن.