ﻻ يكون المرء هذه الأيام متنورا وﻻ تقدميا ما لم يسب الدين أو العادات أو الجيش..
ﻻ يخرج من بِرَكِ الخيانة والنتانة والتخلف والتملق إلى فضاءات الأنوار في أوربا والوﻻيات المتحدة إﻻ من تقرب إلى الشيطان بذم إمام أو داعية أو جنرال من موريتانيا..
ورغم ذلك فلكم مني كل التقدير والاحترام أيها الجنرال الذي وضع خطة تأمين القمة العربية المعقودة في بلدي موريتانيا...
الاحترام والتقدير لكم أيها الضباط وضباط الصف والجنود الرجال والنساء في الجيوش وقوى الأمن الموريتانية؛ فما حققتموه كان معجزة بكل المقاييس، مر بها إعلامنا الموقر الرسمي والخاص بلا مبالاة تدعو للتأمل، ومرغتها السلولية في الوحل وأنقعوها في الخمر والصديد ليُذهبوا ريحها، وعض عليها من بقيت في أفواههم أسنان الأصابع حسرة.
السيد الرئيس بدوي أصيل ورجل تقليدي للغاية، ولذلك عندما اخبروه أن المغرب اعتذر عن القمة واستفسروه عن مدى استعداد موريتانيا لاستضافتها وافق فورا.. نحن البدو نعتبر الاستنكاف عن الاستضافة مذمة.. لذلك ﻻ يفهمنا الحضريون وأذيالهم..
التحدي الأول بعد الموافقة لم يكن أبدا الاستعداد ولا البنى التحتية وﻻ التكاليف..
التحدي الكابوس كان الأمن وهو ما استوعبه بسرعة الضابط السابق رئيس الجمهورية.. والذي أدلى بخطابه الشهير الممعن في التحدي: سنستضيف القمة ولو تحت الخيام..
قيل في ولد عبد العزيز الكثير، وتعرض لأنواع القذف والتشهير الممنهج من طرف معارضيه والحاقدين عليه، لكن لم يحدث رغم اجتهادهم في هجائه أن وصفوه بالجبن، والحقيقة أن اتخاذه لقرار استضافة القمة كان قرارا شجاعا...
بدأت الأحداث؛ تتوالى فلأول مرة ستعقد القمة على أرضنا، ومتى؟ بعد ثلاثة أشهر..
الهاجس الأمني يتطلب من رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة الاتصال بصديقه ومحل ثقته الفريق غزواني قائد اركان الجيوش وشريكه في تطوير القوات المسلحة، وحسب معلومات حصلتُ عليها من جهة إعلامية طلبت التعامل مع المسؤول الأول عن الأمن أيام القمة أخبرتني أنها أحيلت إلى الفريق حننه سيد القائد المساعد للجيوش صديق الغزواني ومحل ثقته (ﻻ أعرف هل هو من وضع الخطة أم كلف بها أحد ضباطه والأقرب إلى المنطق انه هو من وضعها)..
إنها إذا دوائر ثقة مترابطة بين ضباط أعادوا للعسكرية شرفها الذي سرقه منها الطمع والتهافت على الشهرة الزائفة هذا الشرف الذي يحكم العلاقة بين هؤلاء الجنرالات صدم السياسيين أيام مرض الرئيس حيث ظل الفريق غزواني صامد كالصخرة دون صديقه وﻻ زال يصدمهم بسيزيفية مستفزة للجلد والأعصاب...
ﻻبد أنهم طلبوك أيها الجنرال لأمر مهم: ستعقد القمة العربية في البلد وعليك وضع خطة لتأمينها..هكذا ﻻ اعرف من وجه الامر هل كان رئيس الجمهورية ام رئيس الاركان العامة اعتقد ان الاثنين ﻻ يثقان في اي كان بسهولة...
قرأنا الخبر في المواقع الالكترونية .. الجيش يتولي تأمين العاصمة ... الجيش يضع خطة لتامين العاصمة ... والخ
وبطبيعة الحال تحركت اكثر من جهة لتحوز لنفسها هذا الشرف العظيم تحركوا علي الطريقة المور يتانية في ركوب الموجة وصناعة الوهم و خطف نجاحات الآخر ..
وبدأ اعلام الدفع المسبق والتوتير في حصد شيكات التدليس وهو ما يحصل عند مواكبة اي حدث هام سواء كان عرض عسكري او قمة او اشتباك خلف خطوط العدو تلك الشيكات تعرف طريقها جيدا الي التلفزيونات والاذاعات .. الي الصحف والمجلات الي المقدمين والمخرجين والمصورين والمخربين ...
كم مرة ظلمنا جيشنا كم مرة اسأنا وبحقارة لضباطه .. الاعلام في الغرب صنع مونتغمري ورومل وباتون وعندما لم يجد في الواقع صنع من الخيال رامبو لان الامم بحاجة الي الابطال ... حتي المليشيات تصنع لها ابطال فعزرائيلي للحشد الشعبي وهالك للجيش الايراني .. اما نحن فلا زلنا ننبح مع كلاب العشيات :يسقط حكم العسكر .
كانت العناوين كثيرة حتي اعلام الدول الاجنبية تحدث عن تسليم الرئيس العاصمة للجنرالات و عن احتمال شل الحركة فيها نهائيا ايام القمة او ترحيل ساكنتها !!!
عندما تقرأ ما سطر تحت العناوين فانك تلمس مدي جهل اعلامنا الموقر بالامور الامنية او مدي تجاهله لها : وضع خطة لتأمين العاصمة هذا العنوان ليس خبرا نمر عليه او نمرره كما لو اننا نخبر اهل الحي ان العجول رضعت ما بضروع البقرات الليلة .. وضع خطة تأمين عاصمة دولة يعني تحريك جيوش باكملها وفي حالة العاصمة انواكشوط اثناء القمة كانت بجعل النظام كله يدور بالقوة القصوي .
ﻻبد انك سيدي الجنرال عندما جلست علي مكتبك شرعت فورا في ترتيب الأفكار المتدافعة في ذهنك المبدع (بالمناسبة اسمح لي بمخاطبتك بهذه الرتبة واعتبرها من الشعب الموريتاني) طبعا لقد جاهدت في طرد فكرة ان تأمين القمة بشكل تام مستحيل.. وشرعت في وضع الخطة.
في نفس الوقت كان ضابط كبير يدخل علي جنرال أخر في مكان ما ليخبره ان القمة ستقام في موريطانيا..
وتحت شجرة في مكان ناء بالصحراء الكبرى أثارت تويوتا عابرة للصحراء دوامة من الغبار وهي تقف في حضرة مقاتل حاد الملامح كث اللحية يحتضن رشاش اكلاشنكوف لينزل منها مقاتل آخر ﻻيختلف عنه في المظهر ويخبره دون مقدمات أن جنرال صديق من الكفار اخبره أن القمة ستعتقد في انواكشوط وعلينا الإعداد للاستفادة من ذلك ..
وقبل ان تشرع في كتابة افكارك الاولية عن الخطة كانت عشرات الأجهزة الاستخباراتية والمنظمات المقاتلة تدرس انجع السبل للاستفادة من التشويش علي هذا الحدث الهام ابتزازا لموريتانيا التي جعل رئيس الجمهورية وقائد أركانه أمنها بين يديك ..كنت يا سيدي الجنرال هناك وحيدا في مكتبك تضع خطة لمواجهة ضباع العالم ..وكل ما فعلناه نحن الإعلاميون هو كتابة عناوين علي شاكلة الجيش يضع خطة لتأمين العاصمة !!!.
في الوقت الذي كان الرئيس غارقا مع جهازه الحكومي في معركة إعداد العاصمة للقمة في مهمة شبه مستحيلة كنت أنت علي وشك إنهاء الخطة لعرضها للنقاش ..
لكن أليس الإنذار الكاذب بوجود قنبلة في فندق كفيل بإلغاء حفل خيري كان سيحضره الرئيس الأمريكي ..أليس صراخ احدهم بوجود مسدس لعبة علي متن طائرة كفيل بنزولها اضطراريا في أقرب مطار، حتى ولو كان في إحدى قرى الموزمبيق..
ألم يكن انفجار أصبع ديناميت واحد في بير أم اكرين كفيل بإفشال الخطة الأمنية في دولة لم يبخل عليها المزاحمون على موائد النفط بأنواع التلفيق والكذب، وشماعتهم كانت: الأمن.
طرحت النظريات والفرضيات، لكن الخطة الخطة كانت محكمة، وكل شيء فيها محسوب بدقة، فالرياضيات أنجع بين يدي جنرال، ومعادلاتها وزمرها أكثر مردودية منها بين يدي أستاذ يوظفها في الخيال.
وعقدت القمة ولم يستطع الجن الأزرق أن يخترقها، رغم أن لا خطة دفاع عصية على الاختراق، لكن العبرة في النتائج..
نجحت الخطة، ولم يستطع أي كان ابتزاز موريتانيا.. ولم يرحل سكانها لتأمين الضيوف، بل ولم تتعطل حتى حركة السير، وانضاف لرئيسها مكسب جديد، ولقائد جيشها إنجاز جديد، وعدتم أنتم يا سيدي في اليوم الموالي إلى مكتبكم، وما تزحزحت أرتال جيشنا قيد أنملة، وما زالت عيون الصقر تمسح أرضنا من لكويره إلى سنت لويس، ومن انواكشوط إلى تنبكتو.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*صحفي بقناة الموريتانية.