ولد عبد العزيز والمرأة.. قراءة في المكاسب/ مريم منت الشيخ أحمد*

اثنين, 2016-08-15 20:01

يرى خبراء علم النفس الاجتماعي أن المقياس الأدق للمجتمع - إذا كان يسير نحو التكامل والرقي - هو موقع المرأة فيه، والعكس صحيح.

المرأة الموريتانية كمثيلاتها في العالم ناضلت - حسب تركيبة مجتمعها وبيئتها، والمنظومة الدينية والأخلاقية المسيرة للحياة اليومية في بلدها - من أجل حقوقها كمواطنة فاعلة ومؤثرة.

وبإلقاء نظرة عامة على مسيرة المرأة عالميا نحو النهوض؛ نرى أنها تأثرت كغيرها - وهو أمر طبيعي - بمسيرة الحركة (النسوية أو النسائية أو الأنثوية أو الجندر)[1] في العالم، التي انبثقت عن الثورة الفرنسية وشعاراتها المتمثلة في الحرية والعدالة والمساواة .

هذه الشعارات كانت الملهم الأساسي إن لم يكن الأول للنساء في العالم. فكتبت الفرنسية داجوجس بيانها الشهير1791، الذي كان سببا في شنقها، إعلان وثيقة حقوق المرأة وتوفير الالتزامات لها، وأصدرت البريطانية مارى ولستون كرافت 1792 كتابها المتحدي : "حقوق المرأة.. القيود السياسية والأخلاقية".

 ثم تتالى النشاط النسائي عبر العالم؛ فظهرت في أمريكا الداعية الحقوقية الشهيرة، والخطيبة المفوهة صاحبة "مجلة المرأة": لوسي أستون 1818- 1893، وظهر في فرنسا ما يعرف بثورة النساء 1831- 1848 المطالبة بحق الانتخاب والمشاركة الكاملة في الحياة السياسية - والذي كان له صدى عام في جميع أوروبا والغرب عموما - فَسُمح للمرأة بالانتخاب في نيوزلندا 1893 وأستراليا 1902 وفنلندا 1906 وأمريكا 1920 لتنطلق التشريعات الداعمة والمقرة لهذه المطالب ذات الصبغة الحقوقية.

كان لهذه الدعوات صداها وتأثيرها خارج الغرب فكتب رائد المبتعثين إلى الغرب رفاعة الطهطاوي كتابه: "المرشد المعين في تعليم البنات والبنين"، وهو يقصد طبعا التعليم العصري لأن المرأة كان لها حظ من التعليم قديما.

وتحت تأثير الانبهار بالغرب كتب قاسم أمين كتابيه المثيرين: "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة"؛ كتبهما تحت تأثير انبهاره بالغرب، الذي كان طالبا فيه في وقت كانت الحركة النسوية في أوج انبعاثها، وهو الشاب الصعيدي المتقد ذكاء والمتطلع إلى ما هو جديد.

أثار الكتابان وقتها شهية البعض وحفيظة الطرف الآخر، الشيء الذي جعل قضية المرأة وتصور موقعها في أجهزة الدولة محورا للكثير من التوجهات، سواء تلك التي تصف نفسها بالمستنيرة أو التي توصف بالمحافظة، فظهرت آراء وكتب أقربها إلى التوازن كتاب المرحوم الداعية محمد الغزالي: "قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة"، ولعل تأخره الزمني عن الكتابين السابقين وما صاحبهما من ضجة؛ مكنه من الاطلاع على جميع الآراء، وبالتالي أن يسلك طريقا وسطا في الطرح.

وبما أن الغرب هو المهيمن والمسيطر؛ انعكست هذه التشريعات على الدول التابعة، فكانت جيبوتي في الطليعة 1946، بعد فرنسا بسنتين، وسوريا 1948 وهلم جرا...

والواقع أنه منذ 1776 وحتى 1944 تعرض حقُّ المرأة في التصويت والانتخاب والإدارة لعدة تقلبات انتهت بانتصاره أخيرا وتفعيله بصفة دائمة.

هذه المطالب الحقوقية رافقتها تنظيرات وإيديولوجيات تؤسس لثقافة هذه الحقوق، وسبل ترسيخها، وتغيير الصورة النمطية السائدة حول المرأة. وفي نفس الوقت تُعَدِّدُ المعوقات التي تقف حائلا بين المرأة والوصول إلى آخر الطريق، والمرأة ومعرفة حقوقها.

ففي سنة 1949 صدر للكاتبة والمفكرة الفرنسية سيمون دي بوفوار كتابها الشهير: "الجنس الثاني"؛ حللت فيه أسباب قهر النساء. ثم صدر في أمريكا 1963 للناشطة الحقوقية، مؤسسة المنظمة القومية للمرأة بيتي فريدان كتابها الشهير: "اللغز الأنثوي".

بصدور هذين الكتابين بلغ النضال النسوي - في الغرب ومن تأثر به - ذروته ونضجه، ليتشكل وعي دولي حول القضية؛ أبعدها من الطرح القطري بمسوغاته - وهو ما تسميه الدكتورة السودانية فاطمة محمود بابكر في كتابها عن نساء إفريقيا: "نقد النظريات وتعديلها ومواءمتها مع الظروف الخاصة لكل مجتمع" - إلى الاهتمام العالمي بفضل وسائط الإعلام الحقوقي الدولي.

طبعا تتفاوت الحقوق والمطالب والدوافع حسب كل قارة ودولة وبيئة ومجتمع, كما تتباين سرعة التعاطي الإيجابي معها من نظام لآخر.. وهذا ما نلاحظه في الطرح المغاير، والمعالجة الواقعية لقضايا المرأة عند هند نوفل المصرية في مجلتها: "الفتاة" 1892، وكذلك السورية جميلة حافظ في مجلتها: "الريحانة"، وكذلك جريدة: "المصرية" الصادرة عن اتحاد النساء المصريات 1925.

فالكثير من العوائق والإشكالات، التي كانت الدافع وراء ظهور الحركة النسائية في الغرب، لم تكن موجودة في العالم العربي والإسلامي، مثل المساواة في الحقوق (المواطنة)، والتملك، وممارسة التجارة وغير.. وغير..

فالآية 195 من آل عمران توضح بعض تلك المعالم: (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخنهم جنات تجرى من تحتها الانهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) صدق الله العظيم.

حصلت المرأة الموريتانية على حق الانتخاب عام 1961 وهو تاريخ تأسيس الدولة الواقعي، الأمر الذي يحسب لها من ناحية النضج السياسي، ومن ناحية الاستعداد الفطري للمشاركة في البناء الوطني؛ إذا نظرنا لدولة في طور النشأة تنتقل من بداوة صرفة لها تقاليدها الصارمة، إلى عالم التمدن بمتطلباته، وما يقتضى ذلك من تغير في البنية والشكل.

لعبت المرأة دورها، وشاركت بفعالية جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل في بناء الدولة، وترسيخ قيم المواطنة والانتماء الروحي والجسدي للوطن.

 لمعت وجوه - سياسية واجتماعية وثقافية وكذلك وزيرات وإداريات - نسائية بارزة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مثل المغفور لهن إن شاء الله: مريم منت سيد المختار - عيشة امباركة منت اسويدات - امباركة منت الشح-  تاكو صل سي ... وغيرهن، والمرأة الرائدة في القيادة والإدارة، مثل: فيفي منت افيجي - الناها منت سييدى - توري عيساتا كان... مد الله في أعمارهن... آمين.

بعد الانقلاب الأول تراجع دور النساء، وهي حالة طبيعية، فكلما تعطلت السياسة التشاركية تعطلت بعض قوى المجتمع، وسيطر الترقب والانتظار بدل المبادرة والتفاعل.

ورغم بعض المحاولات المتمثلة - من وقت لآخر - في الدفع بوجه نسائي في تشكيلة الحكومة أو اللجنة العسكرية؛ إلا أن المحاولات لم تتناسب وما كان حريا بالمرأة أن ترقي إليه.

لكن المرأة - وإن كان من طبيعتها التحمل - من طبيعتها أيضا النضال، والبحث عن الحلول الأمثل للوصول، ولو تطلب ذلك وقتا.

بعد انقلاب 2005 وبداية النظر في تجديد وتطوير الهيكلة الشاملة للإدارة لتتلاءم والنظرة الحديثة للدولة كما يريدها ويتصورها قادة الانقلاب، كان موضوع المرأة ومشاركتها وحضورها في التسيير والتشريع، وبرأيها واقتراحها أولوية الأولويات في الأيام التشاورية, فظهر نظام "الكوتا" ليؤكد دور المرأة المشرِّعة (البرلمان- الشيوخ)، والمرأة المسيرة (البلديات) والمرأة القائدة (الوالي والحاكم)، وزادت نسبة النساء في الوزارة، وهو تشجيعٌ للمرأة السياسية، لتظهر أول مرة المرأة السفيرة.

لكن دور المرأة لم يتم بشكل فعال وملموس إلا في الدور الثاني المكمل للهيكلة الحديثة للدولة التي بدأت 2005، المتمثل في الحركة التصحيحية 2008 والمعروفة بـ"ـإعادة توجيه المسار".

بعد 2008 تم النظر لعمل المرأة، ليس من باب الحقوق والتشجيع، بل من باب المواطنة.. وهي النظرة التي شجعت ظهور مبادرة مناصرة المرأة بطابعها المستقل، والجامع للمرأة من حيث هي امرأة، لا من حيث الأحزاب والجمعيات والإيديولوجيات، وكذلك الفريق البرلماني لدعم قضايا المرأة بتركيبته، التي لم تراع الجنس ولا الانتماءات أيضا.

هذه الحركية المتسارعة، فيما يوصف بقضايا المرأة، فرضتها النظرة الجديدة للرئيس تجاه المرأة، وهي بالتالي تجاه المواطن، من حيث هو مواطن ذو كفاءة، لتبلغ نسبة النساء في البرلمان 19 في المائة، وفى الشيوخ 17 في المائة، وفى البلديات 30 في المائة، وفى مجلس الوزراء 29 في المائة.

إن ولوج المرأة لوزارات مثل: الخارجية والأمانة العامة للحكومة والزراعة والشباب والرياضة والبيطرة والبيئة، وسفارات مثل فرنسا وبلجيكا وسويسرا وإيطاليا؛ يؤكد أنه لا مجال للمقولات الفارغة (ما يناسب وضعها وغير ذلك من المثبطات)، ورسالة واضحة للوطن والمواطن وللتنمية البشرية وتجسيد لما بعد حقوق المرأة .. إنه توجه جديد: المواطن الكفء...

 تغيير 2008 ثورة نوعية في قضايا المرأة والشباب في البلد.. والمسيرة متواصلة إن شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النسوية، النسائية، الأنثوية، أول من أطلقها الفرنسية هوبرتين أوكلير بداية الثمانينات من القرن التاسع عشر (المرأة المواطن)، وهذه التسميات ترمز لعدة تيارات لكل منها رؤيته لقضايا اضطهاد المرأة محللا بها أسبابها ومحددا نتائجها, ويمكن أن نلحق بها: "الجندر" ويقصدون به "نوع الجنس" (= يعني المصطلح دراسة المتغيرات حول مكانة كل من المرأة والرجل و غيره من الهويات الاجتماعية في المجتمع، بغض النظر عن الفروقات البيولوجية بينهما).

*اقتصادية، مهتمة بشؤون المرأة وقضاياها.