لم يقض السيسي على آمال المصريين في الديمقراطية وأحلامهم في الحرية والتنمية، بل حول كل شيء في أم الدنيا إلى مسخرة مبكية، وفي مقدمتها الإعلام المصري..
فمن يطالع تخاريف الإعلام المصري عن سبب تغيب السيسي عن قمة نواكشوط، يدرك مدى العبثية المقرفة التي وصلت إليها وسائل الإعلام المحسوبة على النظام المصري، حيث يتحدثون عن سيناريو لاغتيال السيسي في نواكشوط، والحقيقة أن "الرجل" لفرط جبنه وإسرافه في سفك الدماء البريئة، بات يرى مصرعه في حله وترحاله، ويموت كل يوم ألف مرة وبألف طريقة، ولشدة بلادة صفوته الإعلامية، حين أردوا سبك قصة "التغيب الجبان"، اختاروا جماعة تعتبر الأضعف في المنطقة والأقل عددا وعدة، ليتهموها بالتخطيط لاغتيال السيسي في نواكشوط بالتعاون مع من سموها دولة معادية لمصر، وهي جماعة "أبو الوليد الصحراوي" التي انشقت عن تنظيم القاعدة سنة 2015، وبايعت تنظيم الدولة الإسلامية، والحقيقة أن كل أشراط الكذب اعترت هذه النكتة السمجة التي تداولها الإعلام السيسي، فجماعة "أبو الوليد الصحراوي" منذ انشقاقها عن القاعدة قبل سنة ونيف، توقف نشاطها، ولم تنفذ أي عملية مسلحة مهما كانت، ولم تقم بأي نشاط، باستثناء بيان صادر عن أبي الوليد الصحراوي في شهر مايو الماضي، يدعو فيه إلى استهداف قوات "المينورسو" الدولية في الصحراء الغربية، بل إن معظم عناصر هذه الجماعة، ذابوا في بعض الحركات ذات البعد القبلي والوطني في أزواد، فضلا عن كون مناطق وجودها تنحصر منذ نشأتها في الجزء الشرقي من ازواد بمحاذاة الحدود مع النيجر (منطقة غاوا الكبرى ومنيكا)، وليست لها اهتمامات أو ارتباطات بموريتانيا ولا بالمناطق المحاذية لها، ولم تكن أصلا مهتمة بالعمل في موريتانيا أيام استهداف الحركات المسلحة للأراضي الموريتانية.
فلو أن القوم تحدثوا عن "إمارة الصحراء في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" أو "جماعة المرابطون" لسهل تصديق الكذبة، لأنهما الأنشط والأكثر احترافية بين الجماعات المنتشرة هناك، ولأن لهما تاريخ من الصراع الدامي مع موريتانيا، لكن حبل الكذب قصير كما يقال.
فالحقيقة أنه لم تسجل منذ خمس سنوات أي محاولة اختراق للحدود الموريتانية أو تنفيذ عمليات فيها من طرف التنظيمات الجهادية في المنطقة، (آخر عملية كانت اختطاف دركي من مدينة عدل بكرو نهاية عام 2011)، فقد كان الموقف الموريتاني الرافض للمشاركة العسكرية في الحرب الفرنسية بشمال مالي، حاسما بالنسبة للتنظيمات الجهادية، التي قررت بدورها تحييد موريتانيا عن قائمة أهدافها، اعتمادا على مبدأ "المتاركة" (إن تركتني تركتك) فكان أن نُظمت القمة العربية وانتهت في بقعة تقع على بعد مئات الكيلومترات من ساحة حرب حقيقية تخاض ضد التنظيمات الجهادية، دون أن تسجل أي محاولة للنيل من الضيوف أو المس من سكينة الحدث ووقاره، بل من الله على قمة نواكشوط بغياب السيسي عنها ـ فلله المنة والحمد ـ ليزيد ذلك الوضعَ وقارا وسكينة وطمأنينة.