ضيافة في مقام الرئيس سلام!..
لولا زحمة العمل لدى الإخوة في وزارة الخارجية الموريتانية الآن وهم يستعدون لاستقبال ضيوف موريتانيا من الإخوة الأشقاء العرب، وأنني لا أريد مشاغلتهم بما يشبه المماحكة الجانبية أو "البلاغ الكيدي" بالوكالة، لطلبتُ منهم استدعاء من يمثل لبنان في بلادنا على وجه الاستعجال، سواء أكان مقيماً أو غير مقيم، وتسليمه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة على ما يمكن اعتباره نوعاً من الجفاء والتشويه والتشويش على استضافة بلادنا للقمة العربية، استناداً إلى التصريحات غير الودية الصادرة عن الحكومة اللبنانية رسمياً، ممثلةً في وزير الشؤون الاجتماعية الدرزي وائل أبو فاعور.. الذي صرح رسمياً يوم أمس لقناة تلفزيون "الجديد" المملوكة للمتمول اللبناني تحسين خياط، بأن "مفرزة" بلاده التي ذهبت لمعاينة الترتيبات في العاصمة نواكشوط توصلت إلى عدم استيفاء المدينة للشروط المطلوبة صحياً ولوجستياً لإقامة الوفود فيها.
وكانت تسريبة قد صدرت أول من أمس في صحيفة "الجمهورية" اللبنانية المملوكة لآل المُر مؤداها أن دولة رئيس وزراء لبنان تمام سلام لن يبيت هو ووفده في نواكشوط، بل سيبيت في المغرب، لعدم استيفاء العاصمة الموريتانية للشروط الصحية.. وربما زاد محرر "الجمهورية" من عنده بعض "البهارات" على الخبر- التسريبة، بنَفَسٍ لا يخلو من استهزاء وازدراء، حين كتب -حتى لا أقول كذب- بأن الظروف في نواكشوط غير ملائمة صحياً على رغم كون الوفد سيذهب ببعض المبيدات والمواد الضرورية، وكأن دولة الرئيس تمام سلام ووفده الكريم ذاهبون إلى بؤرة حشرات، يُذهب إليها بما يناسب من المبيدات! وهذا التعبير قد لا يشفي الغليل وصفه بأنه غير مهني وغير دقيق، لما فيه من سفاهة وتفاهة ووقاحة وكذب صَفِيق.
قضية "الزبالة" وحرب الوكالة
وقد علقنا على هذا الإسفاف واللغو الرخيص في حينه بموقع تلك الصحيفة، أول من أمس، بما يتماشى مع أخلاقنا كعرب ومسلمين -والحمد لله- ورجّحنا أن يكون في تلك التسريبة الملغومة المزعومة دساً متعمداً للتشويش على مشاركة الرئيس تمام سلام في القمة، وزيارته الأولى لأهله وعشيرته في موريتانيا، وأن لذلك، على الأرجح، علاقة باصطفافات واستقطابات المشهد الداخلي اللبناني نفسه، على رغم صعوبة الدخول والوقيعة أصلاً بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية والرئيس سلام باعتباره أحد رموز الأسرة السُّنية اللبنانية! قلنا هذا وتركنا التسريبة العجيبة في سياقها الإعلامي، لا أكثر، ونبّهنا إلى أن الزبالة وتردي البيئة في بيروت، لا نظير لهما في نواكشوط ولا في عاصمة أي بلد آخر، لكون لبنان، هذا البلد الشقيق الجميل، المبتلى في بعض طبقته السياسية، قد يكون هو البلد الوحيد في العالم -للأسف- الذي تحولت فيه قضية تراكم الزبالة إلى قضية رأي عام، وعنوان سجال ونضال، مع ظهور حراك "طلعت ريحتكم"، وهو واحد من أهم الحراكات الثقافية -والمطلبية- التي عرفت بها بلاد الأرز في وسائل الإعلام منذ مطلع العام الجاري!
إساءة من مصدر رسمي!
وكان من اللافت أن موقعاً يبدو كما لو كان محسوباً على وزارة الإعلام اللبنانية أعاد نشر كلام مصدر تسريبة المبيدات والزبالة -هل أقول والنذالة؟- الذي تحدث إلى صحيفة "الجمهورية"! وقد اعتبرنا هذه أيضاً سقطة من محرر موقع وزارة الإعلام في بيروت لعدم مهنيته، أو عدم كياسته، أو هما معاً. ولكن تقرير قناة "الجديد" اللبنانية أمس قطع الشك باليقين وقطع قول كل خطيب، بشكل عجيب غريب، لأن الوزير أبو فاعور ما زال حتى تاريخه مداوماً على رأس عمله في الحكومة اللبنانية، وقد ذكر بلسان فصيح -فسيح- أن مفرزة استطلاع رسمية لبنانية توصلت إلى هذا التقييم بعدم استيفاء العاصمة الموريتانية للشروط الصحية والبيئية التي تسمح باستضافة وفود القمة، وقد عبر عن ذلك بطريقة دبلوماسية فجة تخلط السم بالعسل، أو بالأحرى تصب العسل على البصل، معتبراً أن العرب قصروا مع موريتانيا كدولة فقيرة، فلم يساعدوها في استيفاء شروط استضافة وفود القمة! بل إنه جعل نفسه ناطقاً باسم الوفود الأخرى وليس وفده فقط، فقال إن معظم الوفود لن تقيم هي أيضاً في نواكشوط لعدم ملاءمتها لذلك. تماماً مثلما جعل مفرزة بلاده تتولى أحد اختصاصات أمانة الجامعة العربية، وهو تقييم مدى جهوزية الدولة المستضيفة! وكان من اللافت رد الصحفي الشيعي آدم شمس الدين، صاحب التقرير، في خلفية الخبر، على صلف وغرور حديث الوزير الدرزي الشاب أبو فاعور، وأعضاء مفرزة الاستكشاف التي نسب إليها التقييم، وذلك بسؤاله الذكي في الأخير عما إن كان لبنان أيضاً يستوفي الشروط الصحية والبيئية لاستضافة القمة، أو حتى للإقامة؟ وإن لم يجب في النهاية فلعل لسان الحال يغني أصلاً عن كل سؤال!
أبناء الزهرة.. وأبناء المريخ
وحتى أكون صريحاً، وعلى رغم مرارة ما أستشعره، كمواطن موريتاني، من إهانة وعدم أمانة في التقييم اللبناني، إلا أنني شخصياً ما زلت أعتقد أنه لا توجد رغبة رسمية مبيتة في لبنان في التحامل على موريتانيا أو التنقّص منها، بشكل متعمد، لعدم وجود سابق علاقة صعبة أو قضية عالقة بين البلدين.. ولعل هنالك فقط اختلافاً ثقافياً عميقاً بين الجانبين يعبر عن نفسه بطرق مختلفة، منها افتراق رؤية الموريتانيين واللبنانيين، كلاً على حدة، لأمور كثيرة من الحياة أدى إلى ظهور نوع من سوء الفهم أو التفاهم فيما بينهم بصددها.. وأيضاً لشدة تباعد تقاليد وثقافة البلدين واستراتيجيتهما في تسمية العالم ككل وتمثله وفي الحكم عليه.. والتباعد هنا قد لا يكون فقط في التاريخ والطوائف والأعراق، وإنما هو في الجغرافيا والأخلاق والأذواق.. فالموريتانيون وكل البدو كأبناء الزهرة، طباعهم حارة، ويحبون بعمق وصدق ويتعاملون مع الآخر المتخيل أحياناً بشيء من المجاز والمزاج وببساطة تحرق المراحل وتخترق الأزمنة والأمكنة ويكفي أنه عربي وانتهى وكفى. وكثير من المشارقة كأبناء المريخ، فطباعهم؛ كحضر؛ وأحكامهم براغماتية في الغالب، وقد يحتفظون في موقفهم للآخر العربي بخانة مرجعية ومكانة ذهنية وترسانة من الصور النمطية، لا تخلو أحياناً من مسبقات وتوصيفات وتصنيفات مستمدة من أوهام وتراتبيات المركز والهامش. وهي توصيفات مترسخة في المخيال الجمعي لكثير من شعوب المشرق العربي بصفة عامة، ويتم وضع العرب وفقها في ثلاث خانات، لا تعدم هي أيضاً خلفيات وإحالات ثقافية، إذ كانت العرب قديماً تقسّم إلى: عرب بائدة، وعرب عاربة، وعرب مستعربة! فجرى إسقاط ذلك التصنيف الآن في أذهان كثير من حضر المشارقة بصفة عامة، وعند بعض اللبنانيين بصفة خاصة، فصارت العرب اليوم في أذهانهم في ثلاث خانات: عرب النفط وهم مقدّرون لمالهم. وعرب الفكر وهم الوحيدون المقبول منهم الإبداع والتنظير والتفكير. وعرب الفقر وهؤلاء يقول المرء عنهم في التلفزة ما يشاء، لانعدام الطمع في نفطهم، أو الخوف من مكرهم وفكرهم ولكسوفهم الإعلامي وانكشاف ظهورهم لكل طارق أو طارئ. وغني عن التذكير أن الموريتانيين يوضعون في هذه الخانة الأخيرة. وإن وضعنا المسألة في هذا السياق الثقافي فقد نضع أيدينا على عناصر مفيدة لفهم شدة تباعد عقليات العرب من أبناء الزهرة وأبناء المريخ، من البدو الموريتانيين والحضر اللبنانيين.
أبناء الخيمة.. وأبناء الضيعة
وأستسمح هنا أيضاً في الاستعانة بمثال آخر لتوضيح فكرة افتراق ثقافة الموريتانيين واللبنانيين، وهي فكرة تبدو مع ذلك غير عصية على الفهم ولا صعبة المنال، فمشاهد الصحراء وكثبانها وشساعتها وعوالمها اللامتناهية التي تطالعك من نافذة الطائرة فوق نواكشوط كانت وستبقى دائماً مصدر إعجاب وإلهام بالنسبة للموريتانيين كعرب وبدو، في حين أنها رمز للوحشة -وربما الوحشية- والتيه والفقر بالنسبة للبنانيين الفلاحين، ولعل هذا هو ما سماه الوزير اللبناني -ومفرزته- بـ"الظروف المزرية". فما يعتبر مصدر فخر واعتزاز هنا يعتبر نصدر استفزاز واشمئزاز هناك. والخيمة -التي ستقام فيها القمة- وقد ضرب الوزير أبو فاعور بها مثلاً كدليل على عدم جهوزية موريتانيا، ترمز هي أيضاً في المخيال الجمعي الموريتاني -والأنسان البدوي ابن الخيمة- للأصالة والكرامة العربية، وهي دليل عزة واحتفاء وجهوزية يرفع الرؤوس ولا يطأطئها، وفق هذا التمثل العربي الأصيل الأثيل. وهذه المعاني والمجازات قد لا تكون حاضرة في ذهن اللبناني الفلاح وابن الضيعة!
وفوق هذا وذاك فالثقافة الشعبية في موريتانيا، بحكم الأصل البدوي والموقع الطَّرَفِي على الخريطة العربية، تستبطن عادة كل معنى جميل عن العرب والعروبة ويسكنها الشوق والتوق لاحتضان كل ما يرمز للعرب، في حين أن "العرب جرب" في الثقافة العامية الحضرية اللبنانية حيث يُمحض العرب أحياناً كل أشكال الاستهزاء والثلب والقَدْح والتجريح والازدراء، في أمثال ومأثورات الثقافة السائدة هناك. وكلنا يعرف ما قاسته وتقاسيه مخيمات اللاجئين الفلسطينيين -والآن السوريين- في لبنان، من أنواع النبذ والهجاء وشلالات الكراهية والعنصرية المتدفقة من السماء! هذا مع أن اللبنانيين والسوريين شعب واحد، وهم والفلسطينيون كلهم شوام، وأسرة بعضها من بعض!
وبحكم الانفتاح -الفينيقي- للثقافة العامة اللبنانية على قارات العالم أجمع، وخاصة أن عدد لبنانيي الدياسبورا يفوق عدد لبنانيي الوطن الأم بعشرة أضعاف على الأقل، فهي ثقافة تستهجن في بعض الأحيان ثقافة العرب والعروبة وكل ما له صلة بالبدو والبادية، على رغم وجود تيار عروبي عريق في بلاد الأرز، وإن طغت عليه مع مرور الوقت النزعات الانعزالية والشعوبية التي طفت وطفحت هي أيضاً الآن كما طفت وطفحت المجاري والزبالة والهويات المستعارة بالمراسلة أو بالوكالة!
الثقافة اللبنانية والمسألة العنصرية
وفيما يتعلق بنفَس العنصرية، الذي كثر الحديث عنه مؤخراً في الصحافة اللبنانية نفسها وخاصة ضد اللاجئين السوريين، لا أريد هنا الانسياق كثيراً وراء ما يستثيره البعض أحياناً عن وجود عنصرية فاشية في شرائح محسوسة في لبنان.. وقد سمعتُ هذا مرات عديدة منذ زمن بعيد وخاصة لدى بعض أشقائنا السودانيين، الذين يشتكون عادة لطوب الأرض مما يعتبرونه "عنصرية لبنانية" مزمنة تجاههم، إلى حد أن اللبنانيين هم الوحيدون من العرب الذين يسمون الفول السوداني بـ"فستق العبيد"!
وعلى ذكر ما يُزعم من "عنصرية" لدى شرائح، كبيرة أو صغيرة، من اللبنانيين، سأسرد واقعة شهدتُ عليها أنا شخصياً، فقد لفت نظري ذات مرة إعلان في صحيفة دولية عربية عن مسابقة صحفية لبنانية، تدعى "جائزة سمير قصير للصحافة العربية" وهي تحمل اسم الصحفي اللبناني الشهير سمير قصير، الذي اغتيل بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري رحمه الله. ولم يكن في نيتي المشاركة كصحفي، ولا عندي أصلاً يومها مادة تلائم تلك المسابقة، ولكن شد انتباهي فقط بالصدفة وجود قائمة بأسماء الدول العربية المسموح لصحفييها بالمشاركة، وكانت كل الدول العربية موجودة باستثناء موريتانيا والسودان والصومال وجيبوتي وجزر القمر! على أن هنالك "دولة" أخرى غير عربية مسموح لصحفييها بالمشاركة، هي ما يسمى بإسرائيل!
وقد راسلت في تلك الساعة القائمين على الجائزة أستفسر منهم عن سبب استثناء دول أعضاء في الجامعة العربية من مسابقة صحفية عربية، في حين يسمح للصحفيين الإسرائيليين بذلك، متمنياً أن يكون في هذا خطأ طباعي من الصحيفة التي نشرت الإعلان! وقد جاءني الرد دون تأخير من سكرتيرة الجائزة يقول بالحرف إن هذه الدول المذكورة بالاسم هي وحدها المسموح لصحفييها بالمشاركة، وإنه ليس هناك أبداً خطأ في الإعلان! وبالنسبة لما يسمى إسرائيل قالت إن المقصود هم الصحفيون الفلسطينيون الذين يحملون جنسية إسرائيلية! وبعد مراسلات عديدة معها توصلتُ إلى قناعة بأن سبب استبعاد تلك الدول الخمس لوني عنصري، بالمختصر المفيد، وإن كانت أمانة الكلمة تفرض عليّ أيضاً أن أعترف هنا بأن السكرتيرة لم تقل لي ذلك، لا تلميحاً ولا تصريحاً، بل تذرعت فقط باعتبارات بيروقراطية وترسانة من قرارات لجنة إدارة الجائزة، دون خوض في الحيثيات أو الخلفيات!
لبنان الصغير.. طويل وعريض
والشاهد في هذا الاستطراد المتموج، وربما المزعج، أن لبنان الصغير، طويل وعريض، وفيه من المواقف والطوائف والطرائف ما قد يفوق الخيال ولا يخطر على البال.. فهذا البلد الشقيق، الذي لا تصل المسافة بين أكثر مكانين فيه تباعداً إلى طول المسافة بين نواكشوط وبوتلميت، تصطرع داخله فسيفساء من اللامتخيل المذهبي والطائفي والعرقي، وتتزاحم تحت سمائه القريبة الحانية خرائط سائلة من الملل والنحل والأحزاب والطوائف والحركات والمليشيات والحكومات الفاشلة! ويكفي أن هذه الدولة العريقة في ثقافتها وديمقراطيتها تعيش الآن للعام الثالث على التوالي دون رئيس جمهورية، وجيشها أضعف بكثير من بعض المليشيات المتنمّرة، وحكومتها مرتهنة للاصطفافات والتوازنات والمحاصصات وحروب الوكالة الإقليمية وغير الإقليمية!
طبعاً لا عــتـب علـى لـبـنـان
ولذا إن أنصف اللسان والزمان، فلا عتب أبداً على لبنان، فلبنان العربي مختطف ومرتهن ومسلوب الإرادة والإدارة، وبعض من يتحدثون على لسانه ويتهاترون على المنابر باسمه هم صبيان ممثليات العمالة وولاءات الوكالة، الذين يُحرَّكون من وراء الستار كالدمى على طريقة مسرح العرائس! وهؤلاء سواء جاؤونا مستطلعين في "المفرزة" أو طالعتنا تصريحاتهم بلغتهم الخشبية على شاشة التلفزة، وفي مواقع صحف الصرف الصحي، لا يمثلون لبنان، ولا يمثلون حتى أنفسهم، وهم الأولى بالحجر الصحي والبيئي عليهم، والأحرى بأن يحصروا ويُعزلوا قبل مخالطة الناس أربعين ليلة وفق تقليد "الكارتينة" الشهير الذي كان يُتبع مع القادمين في السفن، وما زال أحد أحياء العاصمة بيروت يحمل اسمه حتى الآن.
من جاءنا لقي مبتغاه.. ومن ذهب حياه الله
إننا في موريتانيا لا نرد الإساءة بمثلها، ولا ندعي أننا دولة غنية، ولا دولة سياحية، ولا نتكفّف مع الأولى، ونتعفّف بشرف عن الثانية! وحين تصدّينا لاستضافة القمة العربية فعلنا ذلك بعدما اعتذر الأشقاء في المغرب، وكان الوقت المتبقي على موعد انعقادها أسابيع ثلاثة لا غير، ومُدِّد التاريخ مع التأجيل إلى ثلاثة أشهر لا أكثر، وهو زمن غير كافٍ لترتيب كل شيء بالنسبة لدولة كثيرة الريْع والعوائد أحرى دولة محدودة الدخل والموارد. ومع هذا آثرت حكومتنا ضيوفها على مواطنيها، وازّينت العاصمة نواكشوط، واستعدت لاستقبال الأشقاء في أبهى مظاهر الاحتفال والاحتفاء. وكنا نعتقد أن همّ وهمة القادة العرب موجهان الآن لاجتراح حلول للأزمات الطاحنة والتوصل إلى قرارات جريئة في القمة. ولم نتصور أبداً أن الهمم يمكن أن تنصرف إلى سفاسف وشكليات الإقامة والفنادق والشراشف والملاعق.. وهي كلها موجودة مع ذلك بوفرة وكثرة في عاصمتنا لمن كان هذا همه ومبلغ غايته من القمة، وإطلالتنا الأطلسية أسطورية، وفنادقنا راقية، ووفق المواصفات العالمية!
مرحباً بكم في أرض تحبكم
وحتى لو ظهر الرئيس سلام شخصياً في التلفزيون وأعلن أن عاصمتنا لا تستوفي معايير استضافة مقامه، وحاشاه من قول أية عبارة مسيئة أو بذيئة، فلن يستخفّنا ذلك أبداً أو يخرجنا عن طورنا، لأن ثقافتنا العربية الأصيلة تجعلنا نستقبل الضيف في كل الأحوال، ومن جاءنا فليبشر بنيل مبتغاه ومن ذهب أيضاً حياه الله. وحين قررنا استضافة القمة وضعنا في الحسبان كل المواقف المجاملة، وكل المواقف المتحاملة، وحسَبنا لكل شيء حسابه، ووزنا الأمر ونصابه، ولم نترك شيئاً للصدفة! لأننا نرى أن من واجبنا رد جميل أشقائنا الذين يستضيفوننا في عواصمهم في القمم العربية منذ 33 سنة.
ومرحباً بمن أتانا، وسيبقى ضيفنا طيلة وجوده في بلادنا معززاً محترماً مكرماً، على الرأس والعين، وهو صاحب البيت ونحن الضيوف طيلة فترة إقامته.. وهذه هي تقاليدنا الأصيلة، وعاداتنا القبلية والعربية الجميلة، لا يزعزعها لغو أو إسفاف كلامي ولا إرجاف إعلامي.. وسيكون عندنا في القمة من الضيوف كثير من الملوك والرؤساء والأمراء والقادة وأصحاب المعالي والسعادة، ما شاء الله.. وليست عندنا أيضاً مشكلة مع مَن شاء المبيت عند الأشقاء في المغرب، فنحن والمغرب اسمان لمسمى واحد، وشعب واحد في بلدين شقيقين بل توأمين، ومن بات هناك فكأنه بان هنا عندنا.. وليس في علاقتنا بالمغرب أبداً ما يحتمل الهمس والهمز والغمز في القناة والإلغاز، ولا التوسع في إحالات التجريح والتلميح والمجاز.
وأخيراً نقول للوفد اللبناني ولكل أشقائنا العرب ضيوف القمة مرحباً بكم في بلادكم شنقيط، منارة الإسلام والعروبة وأرض الرجال وموطن العلم والمروءة والنخوة والرجولة والبطولة، وأهلاً وسهلاً بكم في عاصمتكم نواكشوط، عاصمة كل العرب من الخليج إلى المحيط.. وصلتم ونزلتم أهلاً وسهلاً، وحللتم مرحباً بكم بين أهلكم وذويكم، وفي أرض تحبكم، ومدينة عزيزة تلهج في استقبالكم بأرق وأرقى مشاعر المودة والمحبة الصادقة الصادرة حقاً وصدقاً من شغاف القلب والعقل والوجدان وليس من طرف اللسان.
.......................................
|