كاتب يتذكر دور أحد الراحلين في انعقاد أول مؤتمر لوكالات الأنباء في موريتانيا "مقال"

أربعاء, 2016-07-20 12:54

في أجواء القمة العربية: المرحوم محمد ولد حمادي وتنظيم أول مؤتمر لاتحاد وكالات الأنباء العربية في موريتانيا - محمد الحافظ ولد محم.

في الوقت الذي ينشغل فيه كل المهتمين بالشأن العام بانعقاد أول قمة للجامعة العربية في بلادنا، تذكرت أحد الغيورين على سمعة

هذا البلد الساعين إلى عزته وكرامته.. تذكرت المرحوم محمد ولد حمادي وكيف استطاع بقوة عزيمته وإخلاصه للوطن وحنكته وخبرته في التسيير أن ينظم في سنة 2003 أول مؤتمر ينعقد في بلادنا لاتحاد وكالات الأنباء العربية الذي يضم جميع وكالات الأنباء الرسمية في دول الجامعة العربية.

كان المرحوم محمد ولد حمادي حينها مديرا عاما للوكالة الموريتانية للأنباء – التي تولى إدراتها من سنة 1997 إلى وسط 2003-، وكنت حين انعقاد هذا المؤتمر مديرا للشؤون الإدارية ومديرا للعلاقات الخارجية، وتشرفت بأن كنت من الطاقم الذي اختاره المرحوم محمد للإشراف على تنظيم هذه التظاهرة العربية المهمة.
*بدائل مهمة*
وكانت إقامة الوفود هي أكبر التحديات التي واجهتنا، فنحن نستقبل (22) وفدا.. ومن المفترض أن نوفر لكل رئيس وفد جناحا في فندق من خمسة نجوم، ونوفر لبقية أعضاء الوفد غرفا عادية.. هذا هو ما جرت عليه العادة في مؤتمرات اتحاد وكالات الأنباء العربية، وسبق أن حضرنا عدة مؤتمرات لهذا الاتحاد.
ويومئذ لا يوجد فندق واحد من خمسة نجوم في نواكشوط، وأفخم الفنادق: فندق مرحبا، وحينما زرنا غرفه كلجنة تنظيم شعرنا بالصدمة، وكذلك زرنا جميع الفنادق الموجودة في نواكشوط.
وبعد الكثير من التحري والاستشارات تبنى المرحوم محمد ولد حمادي بدائل كانت موفقة في النهاية ،على الرغم مما طرحت من صعوبات تنظيمية، فقد كان الهدف هو ضمان أحسن استقبال وأكرم ضيافة لهؤلاء الضيوف الذين يمثلون قمة الصحافة في بلدانهم.
تمثلت هذه البدائل في اختيار إقامات سياحية بها شقق فاخرة، وكان الهدف أن توفر شقق راقية ومماثلة للمديرين العامين في ظل انعدام أجنحة في الفنادق الموجودة في ذلك الوقت (لم يكن فندق اطفيلة قد افتتح في تلك الفترة)..
وأتذكر أننا اخترنا "إقامة سمير اميس"  - قبل أن تتحول إلى فندق - لمقام أربعة من المديرين العامين هم: المدير العام لوكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، وهو أكبر الجماعة سنا، والمدير العام لوكالة الأنباء اللبنانية، وهو مسن كذلك، والمدير العام لوكالة الأنباء القطرية وهو الرئيس الدوري لاتحاد وكالات الأنباء العربية ويسمى عبد الله الحمر وهو صديق للمرحوم محمد ولد حمادي، والمدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء (المغربية)، وهو أصغر الجماعة سنا، لكنه أكثرهم دماثة خلق، ولا زلت أتذكر عباراته الرقيقة وانطباعاته الحسنة التي كتبها في السجل الذي وفرناه لكل رؤساء الوفود، وقد استشهد فيها بأبيات من الشعر منها:
ولو نعط الخيار لما افترقنا *** ولكن لا خيار مع الزمان
ويسمى ياسين المنصوري، وقد عين بعد ذلك على جهاز الأمن الخارجي في المملكة المغربية الشقيقة.
وقد اخترنا لمقام مجموعة أخرى إقامة قرب فندق العزيزة، واختار بعضهم هذا الفندق خاصة الدكتور فريد ايار الأمين العام لاتحاد وكالات الأنباء العربية، لأنه فضل أن يقيم مع طاقم السكرتارية - الذي جاء معه من لبنان.. ومن ضمن هذه المجموعة المدير العام لوكالة الأنباء الجزائرية ويسمى: ناصر مهل وهو خبير دولي معتمد لدى اليونسكو، وصديق شخصي للمرحوم محمد ولد حمادي، وقد عين بعد ذلك وزيرا للإعلام في حكومة الجمهورية الجزائرية الشقيقة.
وتم استغلال إقامات أخرى لرؤساء الوفود، وأقام العديد من أعضاء الوفود في الفنادق التي تم حجز غرف فيها.
*مستلزمات الضيافة والنقل وتنظيم القاعات والهدايا*
لكن إقامة هذه الوفود في هذه الشقق وفي الفنادق التي لا توجد بها مطاعم تطرح مشكلة توفير مستلزمات الضيافة (من طعام وشراب).
وتم التغلب على هذه المشكلة باختيار أحد المستثمرين في مجال السياحة وتولى بجدارة هذه الضيافة التي كانت ممتازة بحسب شهادة الضيوف ولجان التنظيم.
هذا مع أن اليومين المخصصين للمؤتمر نظمت فيهما حفلات عشاء وغداء على شرف الوفود..
ونظرا إلى أن إقامة الوفود في أماكن متفرقة، وتنظيم المؤتمر خارج أماكن الإقامة (قاعة مجلس الشيوخ) ،- لم يكن قصر المؤتمرات قد افتتح في تلك الآونة -، نظرا لذلك طرحت مشكلة النقل، حيث لم يكن بالإمكان توفير باصات للوفود كما يجري في مثل هذه المؤتمرات.. وكان الخيار الأمثل هو تخصيص سيارة لكل وفد..
وتشكلت فرق للتنظيم من موظفي الوكالة الموريتانية للأنباء سهرت على إكرام ضيافة هذه الوفود، وضمنت تنظيما محكما نال رضى الجميع..
ولا يقتصر أمر التنظيم على الإقامة والضيافة والنقل، فهناك استقبال الوفود وتوديعهم ومتابعة حجوزاتهم، وهناك إعداد قاعة المؤتمر ووضع الأعلام الصغيرة والكبيرة للدول وتوفير لافتات الوفود (توضع أمام كل وفد) وضمان تسميع جيد وإنارة جبدة، وتنصيب مركز للانترنت والمكالمات الدولية، وتجهيز قاعة للسكرتارية: أجهزة المعلوماتية، وآلات السحب والاستنساخ والحبك..
كل ذلك تم بجهد كبير من طرف الفرق التي أسندت إليها هذه المهام، وبمتابعة دقيقة من طرف المرحوم محمد ولد حمادي الذي وزع المهام ووفر الوسائل ورعى كل ذلك بحكمة ومسؤولية.
وقبل مغادرة الوفود طلب المرافقون من رئيس كل وفد أن يكتب انطباعاته عن مقامه في موريتانيا وكانت انطباعاتهم كلها جيدة، خاصة أن العديد منهم يزورون بلادنا لأول مرة، وتمثلت الهدايا التي سلمت لكل واحد منهم في سجادة من صناعة مركز الزرابي الموريتانية، وتحملت الوكالة الموريتانية للأنباء تكاليف شحن هذه الهدايا حتى تصل إلى بلدانهم.
وقد حدثني الدكتور فريد ايار الأمين العام لاتحاد وكالات الأنباء العربية في نوفمبر الماضي (2015)، وكنا نحضر المؤتمر الـ 40 للاتحاد بالكويت، قال لي: إن السجادة التي في بيتي الخاص ببيروت أهداها لي محمد ولد حمادي، وأثنى عليه وقال أنه خلف سمعة طيبة في هذا الاتحاد.
*احتضان القمة العربية شرف لموريتانيا*
لقد أردت أن أتحدث عن تجربة تنظيم أول مؤتمر ينعقد في بلادنا لاتحاد وكالات الأنباء العربية وآخر مؤتمر حتى الآن، وذلك في الوقت الذي يجري فيه التحضير لانعقاد أول قمة عربية في موريتانيا.
وانه ليشرفني ويشرف كل غيور على سمعة هذا الوطن أن تنعقد هذه القمة  في بلادنا ، فهي خطوة في الاتجاه الصحيح بكل تأكيد؛ فنحن جزء من هذه الأمة التي شرفها الله بأن أرسل منها أفضل رسله محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وجعل لغتها لغة أهل الجنة، فقد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: "أحبوا العرب لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة عربي" وقال صلى الله عليه وسلم: "فمن أحب العرب فبحبي أحبهم ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم"..
نعم! نريد أن يسجل التاريخ أننا احتضنا قمة عربية، وأن الزعماء العرب تنادوا إلى موريتانيا، أقصى نقطة في غرب الوطن العربي، لبحث الهموم العربية في هذا الزمن الصعب الذي تداعت عليهم فيه الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها..
ونرجو من الله أن نوفق في إكرام ضيافة هؤلاء الأشقاء الأعزاء علينا، فذلك همنا الأول، وأن نوفق في تنظيم هذه القمة تنظيما جيدا، ونرجو من الله أن يلهم قادتنا السداد والرشاد ويوفقوا إلى ما يخفف من  معاناة الإنسان العربي والمسلم عموما ويعيد لهذه الأمة عزها ومجدها بوصفها خير أمة أخرجت للناس..
ولقد تذكرت المرحوم محمد ولد حمادي بهذه المناسبة، وأرجو أن تتاح لي الفرصة للكتابة عن تجربته المهنية وعلاقاته الإنسانية، فلقد كان يسعى إلى عزة ومجد هذا البلد، رحمه الله رحمة واسعة.
أملي أن يحقق الله نجاحا باهرا لهذه القمة على مستوى الضيافة، وعلى مستوى التنظيم، وعلى المستوى السياسي فنجاحها نجاح لموريتانيا
والله الموفق
محمد الحافظ بن محم


انواكشوط 19 يوليو 2016