لم يعد خافيا علي الجميع مدى قدرة وسطوة وتأثير الإعلام في عالمنا المتغير هذا، وما صاحب ذلك من مفردات هي نتاج وإبداع التقانة المعاصرة أو ما تم التواتر على تسميته بثورة المعلومات والاتصالات أو بتسميات مجازية أخرى ، من قبيل ثورة وسائط التواصل الاجتماعي أو المصطلح الجديد الذي
كثر استخدامه وهو صحافة المواطن التي تعتمد الصورة والتعليق بشكل أساسي ، وهى الوسائط التي قلبت المشهد والأنظمة والمفاهيم و طبعت العقول بمنطق جديد يضع حدا في المستقبل القريب للممارسة التقليدية للإعلام.
لقد أبدعت ثورة التقانة الجديدة عصرا رقميا متفاعلا أنتج بدوره فاعلين جدد يتقدمهم العاملون في مجال تقنية المعلومة والمواطنون الصحفيون الجدد المهتمون بإنتاج الصورة وصناعة مشهد إعلامي ذاتي وجيز وسريع، يلعب فيه السباق نحو توجيه الرأي العام لموقف ما الدور الأبرز والكبير ويخترق حالة تجاذبهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
إننا بهذه الإفرازات ندخل عصر التفاعل عصر التأثر والتأثير عصر التحريض والاستقطاب الذي يحدد مستوى الانتشار و القوة والقدرة على التعاطي والأخذ بزمام الأمور وتحديد البوصلة، إنه عصر المتمكنين العالمين بمفاتيح المارد التكنولوجي والتقني المعاصر والمتسارع الذي يخترق الحواجز بين الدول والمجتمعات ويسعى إلى فتح الحدود على مصراعيها بل ويحول الكرة الأرضية بشكل ملموس إلى حارة كونية صغيرة تحولت بدورها إلى سوق مفتوحة يلعب فيها المتمكنون من فك رموز الوسائط الدور الحاسم والفعال.
ان تغييرا كبيرا قد حصل في نمط الإنتاج التقني التواصلي وفى مجال تداول المعلومة بشكل خاص، لم يعد فيه من دور للممارسة التقليدية للإعلام، بفعل تفوق وتطور عصر الآلة الذي أنتج بدوره عصر الصورة وعصر فلتان أدوات المعلومة التي مكنت كل فرد بفعل برمجة هاتفه الصغير من المشاركة في صناعة المعلومة وفق المنطق الذي يريد، بعيدا عن ضوابط استخدامها وهو ما خلق مستوى متقدما من أنماط التأثر والتأثير علي مستوى التفكير و مستويات النشاط البشري في مجمله.
فكل من يسعى إلى ولوج الصدارة أو إلى التغيير الإستيراتجى الفعال أصبح لزاما عليه أن يكون حاضرا وبقوة في فضاء الوسائط الحديثة لقوة تأثيرها وانتشارها ولمساهمتها الفاعلة في الحسم والدعاية والتحريض ولقدرتها على تحديد مستوى الهيمنة والاستخدام في الوقت المناسب، إنها تلعب دور جيش بكامل عتاده ، إنها تشكل تعبيرا واضحا عن دخولنا فى عالم لم تعد الطائرات النفاثة ولا الدبابات ولا كل أنواع الأسلحة من يحسم فيه فقط ، بل أصبح للإعلام والاتصال عبر الوسائط المفتوحة دورا فى الحسم كذلك، والدليل على ذلك ما ساهمت به وسائط التقانة المعاصرة من إفشال للعملية العسكرية الانقلابية في تركيا.
*الأستاذ محمد سالم ولد الداه مدير المركز العربى الإفريقى للإعلام