تعقيبا على بعض المواقف السياسية والإعلامية الصادرة بشأن حادثة < كزرة لكصر> حيث تم الاعتداء على فرقة من الشرطة الوطنية حضرت بشكل روتيني لتأمين عملية ترحيل <الكزرة> المذكورة إلى قطع أرضية مستصلحة وممنوحة من طرف الحكومة في حي< دبي> بمقاطعة <توجنين>،وواقعة رمي ناشط شبابي لحذائه في وجه وزير الثقافة الناطق الرسمي باسم الحكومة خلال مؤتمر صحفي داخل مبنى الوزارة،يبدو أن حلقة جديدة من مسلسل محاولات استجلاب واستنساخ حالة موريتانية من فتنة الفوضى المهلكة المنتشرة عبر العالم يراد لها أن تفجر الآن بشكل سريع ومفتعل ومنفصل تماما عن قدسية الزمان ومعطيات السياق السياسي والاجتماعي والتاريخي للبلد،ومع أن هذه المحاولة اجهضت بسرعة رسميا وشعبيا لله الحمد وله المنة إلا أن بعض ما صدر بشأنها من مواقف وكتابات يلح علينا بضرورة إثارة جملة تساؤلات حول سياقها علنا نفهم مراميها وأهدافها أملا في أن يراجع البعض ما صدر عنه من أقوال وكتابات أقل ما يقال عنها أنها لا تنسجم مع هويته ولا تلائم الظرف الزماني ولا السياق السياسي والاجتماعي للبلد مساهمة في ترشيد الأقوال وتصويب الأفعال خدمة لموريتانيا التي نردد جميعا أنها فوق كل الاعتبارات والتي يطمح كل واحد منا أن يتعزز داخلها بناء دولة ديمقراطية واجتماعية قوية و قادرة على ضمان حياة العزة و الكرامة لكل أبنائنا وأحفادنا في إطار من الأخوة والانسجام بين مكونات شعبنا.
سياق المحاولة : ضمن أجواء رمضانية هادئة استغلها السياسيون لتنظيم حفلات إفطار جماعي تداعت لها مختلف أطراف الطيف السياسي،لإذابة الجليد بينها،مما أعطى الانطباع بأن قادتنا السياسيين لا يضحون بحميمية الإفطار العائلي إلا ليتخذوا من وجبات الإفطار الرمضاني مقبلات تحضيرية للالتقاء بعد الفطر على حفل تذوق طبق الاتفاق السياسي الذي يطبخ منذ فترة داخل كواليس اللقاءات السياسية على نار هادئة بعيدا عن الفضوليين من هواة التسميم والصيد في المياه العكرة ، ومن أجل الاستفادة من روح التسامح الرمضاني لدفع النسور داخل مختلف أطراف المشهد السياسي الوطني لقبول الإعلان عن خريطة الاتفاق السياسي المأمول وتقديمها من طرف جميع الكتل للشعب الموريتاني كأهم<عيدية> يمكن أن تقدم له عبر تاريخه السياسي.
وسط هذه الأجواء جاءت جميع الأفعال والتصريحات والبيانات والكتابات والتدوينات المشكلة لمحاولة التأزيم الأخيرة خلال العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم الذي نصومه جميعا ونعمل جهدنا على أن نصونه امتثالا لنهي الرسول صلى الله عليه وسلم القاضي بأن<من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه>،
كما أن تلك المحاولة تأتي شهرا واحدا بعد إطلاق سراح رئيس حركة إيرا ونائبه و إنهاء آخر ما كان يعتبره البعض ملفا حقوقيا،وتصريح الأخير بأن الحركة بصدد التحضير للدخول في العمل السياسي الحزبي .
من جهة أخرى تتزامن محاولة التأزيم السابقة مع حملة شعبية مكثفة تستحضر قيم الضيافة العربية الموريتانية الأصيلة ومصالح بلدنا المستقبلية لضمان حالة انسجام شعبي شاملة تؤازر وتكمل الجهد الرسمي لتخصيص أروع استقبال لضيوف موريتانيا من أشقائنا العرب الذين سيشرفون بلادنا خلال فعاليات القمة العربية ال 27 التي ستنعقد في بلادنا لأول مرة في 25 يوليو الجاري.
تساؤلات حول أهداف ومرامي المحاولة:أخذا بعين الاعتبار لمعطيات السياق السابق فإن الملاحظة الأولى أن محاولة التأزيم تلك منبتة تماما من سياق الحرمة والتقديس الذي يتفق المجتمع على منحه لشهر رمضان،فما الذي يدفع مسلما موريتانيا صائما في رمضان وفي حالة توازن نفسي أن يصدر عنه ما اكتنف محاولة التأزيم السابقة من أفعال وكتابات وأقوال-امتنع قصدا عن ذكر أمثلة منها رغبة في نسيانها إلى الأبد - دون أن يعيش في أتون حرب مستعرة مع ضميره،الأمر الذي لابد أن يقوده إلى مساءلة نفسه:كيف أرضى أن أكون أداة لانتهاك حرمة شهر رمضان من خلال المساهمة في محاولات لزعزعة الأمن؟،وما معنى أن نمارس كمواطنين العنف المادي واللفظي اتجاه كل من الشرطة الوطنية وهي تؤدي واجبها الوطني والوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة وهو يطلع الرأي العام على القرارات الحكومية المتعلقة بمختلف جوانب حياة الشعب ؟ ألا تجمع القوانين والشرائع على أن الواجب الأول للسلطة المخولة أن تعيد الأمن العام وتفرضه بالقوة مهما كانت النتائج ؟، هل حسبنا بدقة مصيرنا ومآل شعبنا في خضم العنف الأعمى حين يدخل بلدنا –لا سمح الله- في فتنة الفوضى المهلكة التي أحالت دولا قوية عريقة إلى مجرد خبر في النشرات الإعلامية الدولية ومزقت شعوبها لتحولها أمواجا بشرية هائمة عبر العالم ، من لم تبتلعه مياه المحيطات يجد نفسه محاصرا بالأسلاك الشائكة لأوروبا ، وهو يضرب أخماسا في أعشار ويعض أنامله ندما على اليوم الذي انخدع فيه بدعايات خوارج العصر أعداء الحياة الإنسانية. اللهم إننا لا نتشفى ولكن نصف من أجل أن نتعظ بغيرنا ونحمد الله على نعمة الأمن والعافية.
ومن الواضح كذلك أن محاولة التأزيم السابقة تشكل قطيعة تامة مع معطيات الحراك السياسي والحقوقي الجاري ، فحين يتفق أطراف المشهد السياسي على تحضير الظروف الملائمة لإطلاق الحوار الوطني الشامل،فماذا يجني مواطن موريتاني من محاولة عبثية للتشويش على أجواء التحضير للاتفاق السياسي الوطني؟،أولا نعي أن سلوكنا في الحاضر هو صورة مصغرة لمستقبل بلدنا ؟
من جهة أخرى ألا تشكل محاولة التأزيم السابقة سلوكا نشازا على إجماع الموريتانيين وهم يستقبلون ضيوف القمة العربية على تأجيل مسلسل المزايدات وشد الحبال بين السلطة والمعارضة وحصر جميع الجهود الرسمية والشعبية للتحضير لتشكيل أحسن صورة تستقبل بها موريتانيا ضيوفها الكرام ، باعتبار أن تلك الصورة لا تخدم الحاضر فقط وإنما تؤسس لآفاق المستقبل،لذلك لا يسمح لأي مواطن أصيل بالتخلف عن المساهمة في تشكيل تلك الصورة النموذجية عن بلدنا أحرى أن يحاول خدشها،فمن منا يسمح لنفسه بالتشاجر مع أخيه والأسرة تتفنن في ابتكار أروع أشكال الحفاوة والترحيب بضيوفها المميزين؟
من أجل موريتانيا علينا جميعا أن نعمل وفق مقتضيات الحديث النبوي الشريف الذي يؤكد<أن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها>،فكيف لا تكون مصلحتنا أفرادا وجماعات ودولة في أن لا نتركها نائمة؟،ومن منا يتجرأ على التعرض لوعيد البعد من رحمة الله؟
الأستاذ/محمد سالم ولد بمب