المقال نُشر تحت عنوان : الصراع السعودي الفارسي في موريتانيا
أخيراً أطاح علي بحكم معاوية، كان هذا أبرز العناوين الصحفية في إيران حينما قاد العقيد إعل ولد محمد فال (كتبها صاحب المقال : علي ولد محمد فال) انقلاباً عسكريا أطاح من خلاله بحكم معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في الثالث من أغسطس 2005م، فلاشك أن الفكر المذهبى لدى العقلية الإيرانية حاضراً في تحليل أي مشهد سواء كان دينياً أو سياسياً أو تاريخياً، و لا أبالغ لو قلت حتى فى تحليل المشهد الرياضى الذي قد تكون أولى قواعده عدم إقحام السياسة أو التعصب الدينى بها حتى لا تتحول الرياضة إلى خصومة.
فبداية المد الفارسي في غرب أفريقيا عامة وموريتانيا خاصة كان في مطلع التسعينات عبر نشاط السفارة الإيرانية الملحوظ في ذلك الوقت سواء بخلق فرص للتواجد وظهور مرجعيات شيعية بالعاصمة الموريتانية نواكشوط مثل محمد على شريعتي ومحمد باقر الصدرة ومحمد حسين فضل الله أو عبر نشر العديد من الكتب الشيعية، و مع اندلاع حرب الخليج الأولى بين الجمهورية الإسلامية إيران والعراق وقفت موريتانيا بجانب العراق العربية، و هو الأمر الذي جعل العلاقات بين طهران ونواكشوط تتأزم حتى انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وبعد مرور أربعة أعوام على الحرب الإيرانية العراقية أي في عام 1984م، قاد العقيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع انقلاباً عسكرياً أبيض بعد أن قام بخلع الرئيس محمد خونة ولد هيداله ثم فوز معاوية ولد سيدي أحمد الطايع في أول انتخابات رئاسية بموريتانيا في ديسمبر 1992م بعد إعلان موريتانيا نظامها التعددي عبر دستور يوليو 1991م، و هو الأمر الذى اعتبره خبراء السياسية بطهران ورجال الدين بمدينة قم نذير شؤم حتى علّق وقتها المتحدث باسم الحكومة الإيرانية بأن اسم الرئيس الموريتانى الجديد لا يبشر بالخير.
و ظلت العلاقات بين طهران و نواكشوط طوال فترة حكم معاوية ولد الطايع فاترة تغلبها القطيعة إلى أن قاد مدير الشرطة الوطنية وأحد أقرب معاونى معاوية ولد طايع العقيد علي ولد محمد فال انقلاباً عسكرياً أبيض أنهى من خلاله حكم معاوية ولد الطايع فى 4 أغسطس 2005م، و كتعليق على أطاحة علي فال للرئيس السابق معاوية الطايع جاءت أبرز مانشيتات الصحف الإيرانية وقتها بعنوان “أخيراً أطاح علي بحكم معاوية”.
وبنهاية نفس العام من تولي العقيد علي ولد محمد فال زمام الأمور بموريتانيا وبالتحديد في ديسمبر 2005م التقى الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد بالرئيس الموريتاني الجديد علي ولد محمد فال على هامش المؤتمر الإسلامي بمكة المكرمة ثم عادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مرة أخرى ثم تم افتتاح سفارة لكل بلد فى عاصمة الأخرى، و من هنا عاد التوغل الفارسى مرة أخرى سواء عبر السفارة الإيرانية بنواكشوط، أو عبر نشاط رجال دينها المتواجدين بداخل موريتانيا، أو عبر الموريتانيين العائدين لنواكشوط من غرب أفريقيا بعد تشيُّعهم و أغلب هؤلاء كان يعمل بالتجارة والاستثمار في دول غرب أفريقيا، هذا بجانب استغلال إيران للصوفيين بموريتانيا والتقرب منهم خاصة أن في نواكشوط العديد من الطرق الصوفية المتعلقة بحب آل البيت والرسول صلى الله عليه و سلم.
ثم أزداد التواصل والإعجاب بإيران وسياساتها الخارجية بعد حرب تموز 2006م، وهي الحرب التي تركت إعجاباً شديداً بشخص الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لدى الجماهير الموريتانية، ومن بعد عام 2006م فتحت طهران علاقات اقتصادية جديدة وعملت على دعم بعض القطاعات بمؤسسات الدولة كالنقل وغيرها، وفتحت باب المساعدات المادية لها، خاصة بعد إعلان موريتانيا قطع العلاقات السياسية والاقتصادية بالكيان الصهيوني بعد أن كانت تل أبيب تموّل تلك القطاعات بمساعدات مادية ضخمة.
والآن تعيد طهران رؤيتها لخريطة غرب أفريقيا مجدداً وتصيغ سياساتها من جديد تجاه أنظمة وحكومات دول غرب أفريقيا بعد أن انضم العديد منها للتحالف الإسلامي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وبعد أن صارت الكلمة الأولى بتلك البقعة بالقارة السمراء لسلمان الحزم والعزم.
*الباحث و المحلل السياسي بشؤون الشرق الاوسط