تعيد حادثة الاعتداء الآثم، الذي وقع مساء اليوم بالقرب من الحرم النبوي، إلى الأذهان قصة احتلال مُدَّعِي المهدوية "جهيمان العتيبي" للحرم المكي قبل 36 سنة من الآن.
بداية الأحداث
وقد بدأت أحداث هذا الاحتلال فجر اليوم الأول من محرم سنة 1400هـ، الموافق 20 نوفمبر 1979، حين استولى أكثر من 200 مسلح على الحرم المكي، مدعين ظهور المهدي المنتظر، وذلك إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز.
حركت الحادثة بسرعة مشاعر المسلمين، وعم الغضب أرجاء العالم الإسلامي، وشجب المسلمون العملية بشدة وأنكروها ووقفوا ضدها.
خلفية الأحداث
استندت حركة جهيمان العتيبي في هجومها الآثم على الحديث الذي رواه أبو داود في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللهَ يَبعثُ لهذِهِ الأُمَّةِ على رأْسِ كلِّ مِائةِ سنةٍ مَنْ يُجدِّدُ لها دِينَها"، وعلى ما ثبت عند جمهور أهل السنة من خبر المهدي الذي يبعث آخر الزمان، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، ومن أوصافه أنه ينتسب إلى آل بيت رسول صلى الله عليه وسلم، وأن اسمه محمد المهدي.
ولذا فقد وجد جهيمان العتيبي أن الفرصة مواتية لِتَحَقُّقِ هذه النبوءة، فصهرُه ورفيقُه يدعى "محمد بن عبد الله"، وقد أَظَلَّ الأمةَ قرنُها الخامس عشر، فضلا عن أن "الفساد" مستشر، و"البعد" عن الصراط المستقيم ظاهر.
بداية الهجوم
كانت ساعة الصفر التي اتفقت عليها الجماعة هي بعد صلاة الفجر في أول أيام القرن الهجري الجديد، الموافق 20 نوفمبر 1979، حيث تمكنوا من تهريب الأسلحة إلى داخل الحرم الشريف في توابيت؛ ادعوا أنها تحتوي على جثامين موتى ينوون الصلاة عليها.
وقف العتيبي في قلب الحرم المكي، وأعلن مبايعة صهره محمد بن عبد الله القحطاني على أنه المهدي المنتظر.
وبحسب أحد الحجاج الموريتانيين، تحدث إلى "مراسلون"؛ فإن المصلين والطائفين سمعوا آنذاك من يصرخ عبر مكبرات الصوت عقب صلاة الفجر مباشرة: الله أكبر، ظهر المهدي!
وقام المئات من أتباع جهيمان باستخراج كميات كبيرة من الأسلحة من التوابيت، وتمكن المسلحون من إغلاق الأبواب وسَدِّ منافذ الحرم والتحصن داخله، وأخذوا المصلين الذين تصادف وجودهم داخل الحرم كرهائن.
بدأ أتباع جهيمان بإطلاق النار؛ فأردوا بعض حراس المسجد الحرام الذين حاولوا منعهم من إغلاق الأبواب، ثم تحصن قناصة منهم في مآذن الحرم، واستخدموها لإطلاق النار على القوات التي حاولت تحرير الحرم.
وضاعف من صعوبة الموقف عدم قدرة القوات السعودية على استخدام أسلحة ثقيلة للرد على القناصة؛ خوفا من إلحاق الأذى بالحرم الشريف، أو قتل مئات الرهائن الذين تحصن أتباع جهيمان بهم.
تدخل القوات السعودية
في العاشرة صباحأً من يوم الثلاثاء 14 محرم 1400 هـ الموافق 4 ديسمبر 1979 وبعد انقضاء أسبوعين على الحصار، بدأ هجوم قوات الحرس الوطني السعودي على محتلي الحرم، واستمر حتى حلول المساء.
وبحلول المساء تمكنت القوة السعودية من الاستيلاء على الموقع وتحرير الرهائن والقضاء على القناصة المتحصنين في المآذن ثم تطهير الحرم من باقي المقاتلين الذين تحصنوا داخل بئر زمزم.
وانتهت معركةٌ تركت وراءها نحو 28 قتيلاً من الإرهابيين وقرابة 17 جريح من قوات الأمن والمصلين.
تم أسر من تبقى على قيد الحياة ومن بينهم جهيمان العتيبي، في حين كان محمد بن عبد الله القحطاني بين القتلى.
ونفذ في الناجين حكم الإعدام في 9 يناير 1980، بعد أن قسموا إلى أربع مجموعات، أعدم أفرادها في ساحات أربع مدن رئيسية في البلاد.