قامت وزارة الشغل منذ أيام بإرسال مفتشي شغل الى بعض المؤسسات الأجنبية العاملة في البلد في سبيل التحقق من احترام الأخيرة لقانون الشغل، ما استدى الوقوف على حقيقة هذه الخطوة المفاجئة حيث أن الدولة منذ عقود كانت تهمل الرقابة في مجل العمل و تتغاضى عن مخالفات المؤسسات الوطنية و الأجنبية العاملة في البلد. إن التفتيش بغية التحقق من احترام القانون أمر محمود و مطلوب، خاصة أنه يساعد على إرساء العدالة الاجتماعية و يحافظ على مصالح الموظفين الوطنيين و كذلك يضمن احترام القانون و يفرض هيبة الدولة، إلا أن هذا الاجراء المفاجئ جعلنا نتساءل عن سببه خاصة أنه استهدف شركتين فقط من بين المؤسسات العاملة في البلد و استثنى لحد الساعة مؤسسات وطنية و أخرى اجنبية عاملة في البلد تحتاج أغلبها للتفتيش و تخالف في غالبية الأحيان القوانين المعمول بها. فيا ترى ما السبب الذي جعل الدولة توقظ جهاز رقابة الشغل بين عشية و ضحاها و توجهه نحو مؤسستين بعينهما دونا عن بقية المؤسسات؟ يذهب البعض من المراقبين لهذا الموضوع أن الأمر له علاقة بالسياسة و أن الخلاف مع الجارة المغربية كان سببا وراء توجيه التفتيش لشركة موريتل ذات رأس المال المشترك بين الدولة الموريتانية من جهة و بعض رجال الاعمال الوطنيين و شركة المغرب للاتصالات من جهة أخرى، بيد أن هذه الفرضية كانت لتكون صحيحة لولا وجود مساهمين وطنيين في هذه المؤسسة. إن هذا الاجراء القانوني و الإداري جاء نتيجة لضغوط وشكاوى قدمها العديد من الفاعلين في هذا المجال إلى الجهات المختصة ما أجبر الدولة على التدخل. و المعلوم أن الأمر لم يكن صدفة، بل كان وراءه الكثير من المطالبات على لسان النقابات العمالية و مندوبي العمال على مستوى عديد المؤسسات و كذلك الإضرابات الكثيرة التي عرفتها المؤسسات الأجنبية و بعض الإجراءات التعسفية التي اتخذتها بعض هذه المؤسسات ضد العمال الموريتانيين في مخالفة صريحة لقانون الشغل و الاتفاقيات الجماعية و كذلك الفوارق الكبيرة ما بين رواتب الموظفين الموريتانيين و بقية الموظفين الاجنبيين الضروريين لهذه المشاريع في المراحل الأولى من عمل تلك المؤسسات. فقد وقعت كوارث كبيرة على المستوى الاجتماعي في هذا البلد بسبب غياب الدولة و أجهزتها الرقابية على مستوى الشغل، و كذلك بسبب بطء مراحل التقاضي ما جعل الكثير من الموريتانيين يفقدون الامل في استرداد حقوقهم من تلك المؤسسات ذات السطوة الكبيرة و الجرأة على استخدام نفوذها في سبيل تعطيل الإجراءات المتخذة ضدها، و كذلك بسبب تداخل السلطات في البلد و خاصة ما بين الجهاز التنفيذي و الجهاز القضائي. إن مسألة احترام قانون الشغل و الاتفاقيات الجماعية لها بعد اجتماعي و اقتصادي كبير غفلت عنه كل الأنظمة المتعاقبة على البلد ما أدى بكثير من أرباب العمل و مسيري المؤسسات إلى التعسف ضد العمال و الأطر و إتخاذ إجراءات داخل المؤسسات مست من كرامة الموظفين و جعلت تلك المؤسسات رهينة لرغباتهم و أفرغتها من محتواها فباتت بلا قيمة مضافة و لم تعد تساهم في بناء الوطن و انعاش الاقتصاد. لقد أصبح من اللازم إعادة النظر في طريقة التعاطي مع القضايا الاجتماعية و خاصة النزاعات بين المؤسسات من جهة و العمال من جهة أخرى ما يستدعي من الدولة اليوم أن تزيد من فعالية مفتشي الشغل و تحصنهم و ترفع من رواتبهم و تحدد لهم آليات قانونية من أجل تمكنهم من القيام بعلمهم على أكمل وجه و تراقب عملهم، و عليها كذلك أن تقلص مراحل التقاضي في المجال الاجتماعي، و تراجع كذلك قانون الشغل لتجعل العقوبات الرادعة للمخالفات متماشية مع الواقع و خاصة الغرامات المالية المنصوص عليها في الفصل الثالث من قانون الشغل و خاصة المادتين 434 و 449 التي تتراوح ما بين 10.000 أوقية و 200.000 أوقية، حيث ليس من المنطقي ردع مؤسسة ما بغرامات و عقوبات لا تتجاوز 200.000 أوقية. و في الأخير، نتمنى أن تطال هذه الحملة كل المؤسسات العاملة في البلد و خاصة قطاع المصارف لما نعرفه في هذا القطاع من مخالفات و جرائم يندى لها الجبين في مخالفة صريحة لقانون الشغل و الاتفاقيات الجماعية. و الله الموفق و هو المعين.
و الله الموفق و هو المعين.
محمد فاضل عبد الرحمن
ناشط سياسي / عضو بجمعية مسيري الموارد البشرية بموريتانيا