ملاحظة: ورد المقال إلى بريد "مراسلون" تحت عنوان:
ثلاثة أمور ضرورية لإنجاح الحوار
عرفت الأسابيع القليلة الماضية بعض التطورات المهمة في الساحة السياسية الوطنية وبعض النجاحات التي حققها هذا الطرف أو ذاك في لعبة لي الأذرع الحالية بين الحكومة والمعارضة : توظيف خطاب النعمة للدلالة على عدم الجدية في الحوار (بشقيه السياسي والاجتماعي) عند الطرف الحكومي نظرا لورود بعض التصريحات التي اعتبرتها تلك القوى متناقضة مع الدعوة إلى الحوار وتوفير الظروف المناسبة لإطلاقه فيما نجح الطرف الحكومي بشكل كبير في تحويل الكرة إلى ملعب الخصم من خلال استجابته بشكل غير مباشر لأغلب مطالب المعارضة التي تضمنتها وثيقة الممهدات . والحال أن ذينك الصنفين من "النجاحات" لا يبرران الموقف الحالي لأي من الطرفين في عملية الحوار : فلا التصريحات في ذاتها يجب أن تكون عائقا في وجه الحوار لأنها أصبحت مألوفة وصارت للأسف جزءا من القاموس السياسي لدينا منذ بعض الوقت علاوة على أنها صدرت ولا تزال تصدر من جميع الأطراف وبذات الحدة ، كما أن الاستجابة للممهدات أو أغلبها على الأقل بهذه الطريقة لا تكفي لأسباب عديدة من أهمها أنها لم تأت في ظل اتفاق مشترك يشعر الطرف الآخر - مهما كانت مواقف الأغلبية منه - بأنه شريك كامل في العملية السياسية . فهذه الخطوات حملت في الواقع بعض الرسائل السلبية للمعارضة المقاطعة بأننا قادرون على إنجاز العمل بكم أو بدونكم وهو ما يتعارض بالفعل مع مبادئ الديمقراطية التشاركية .
هذا الأمر يدعونا إلى القول بأن الحوار في ظل الظروف الحالية لن يؤدي إلا إلى المزيد من التشرذم والانقسام وتعميق الأزمة سواء بين أطراف النظام السياسي (الأغلبية والمعارضة) أو بين السلطة وبين بعض القوى الفاعلة في المجتمع المدني (مثل ميثاق الحقوق المدنية للحراطين وحركة إيرا...إلخ ).
وفي تقديرنا أن ثمة بعض المسلمات أو المبادئ القبلية للحوار الحالي لا بد من الاتفاق عليها وقد يكون الجميع متفقون عليها بالفعل وهي :
* لا يمكن الانتظار إلى ما لا نهاية نظرا لحساسية الوضع الداخلي والإقليمي والدولي
* لا يجوز فرض الإجراءات الأحادية والحلول المنفردة من أي طرف فهي علاوة على أنها ليست ديمقراطية لن تؤدي إلى أي نتيجة.
* لا يجوز الإقدام على الحوار دون الاتفاق على المبدأين السابقين
إذا كانت هذه المبادئ أو اللاءات الثلاث مقبولة ومنطقية فإننا نحتاج لإنجاح الحوار إلى ثلاثة أشياء :
- الوقت
- الثقة المتبادلة
- التضحية وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية والحزبية.
على الرغم من أن عامل الزمن هو من الناحية النظرية أبسط العوامل المذكورة لأنه لا يتعلق مباشرة بالمواقف إلا أنه هو العامل الحاسم في العملية برمتها وهو الذي يسمح بالتفكير في العاملين الآخرين وبتغيير المواقف لصالح الحوار . فمنح الوقت الكافي لمشاركة الأطراف التي لا يزال لديها بعض التحفظ أعني المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة وحزب تكتل القوى الديمقراطية وهما لاعبان يؤدي تغيبهما أو تغييبهما عن الحوار الحالي إلى حرمانه من جزء مهم من مقومات النجاح والمصداقية لمخرجاته ويجعل نتائجه غير قابلة للتسويق محليا ودوليا وبالتالي يكون مجرد نسخة مكررة من الحوارات السابقة.
ومع أن سياسة الهروب إلى الأمام واستعمال الوقت بطريقة سلبية للتأثير على الأوضاع هي في الواقع سياسة سلبية تراهن عليها بعض القوى في المعارضة إلا أن من المؤسف في المقابل أن يصبح التسرع في الدخول في الحوار والحوار بمن حضر هو القاعدة الذهبية أو الطريق الملكي لدى بعض الأطراف في الأغلبية والكثير من القوى السياسية الأخرى المشاركة التي تعتقد أن حظوظها في "الكعكة" ستتضاءل مع مشاركة قوى مهمة مثل أحزاب المنتدى وحزبي تكتل القوى الديمقراطية وإيناد كل ذلك نظرا لطغيان المصالح الشخصية أو الحزبية الضيقة .
وبغض النظر عن أهمية الأطراف الغائبة بحكم أوزانها النوعية في الواقع أو بفعل الصورة التي اصطنعتها لنفسها في المخيلة لدى الرأي العام الوطني والدولي فإن مسألة تأجيل الحوار لا تصب في مصلحة السلطة الحاكمة فحسب بل في مصلحة النظام السياسي برمته أغلبية ومعارضة . بالطبع تلك الصورة المصطنعة أو الواقعية قد تتغير بتغير الخريطة السياسية التي ستفرزها انتخابات حرة ونزيهة ذات قاعدة كبيرة من المشاركة وربما تتفادى بعض الأطراف الدخول في الحوار خوفا من مواجهة هذه الحقيقة.
صحيح أن بين من الأمور التي دفعت السلطة إلى البحث عن وسائل لإطلاق الحوار في الوقت الذي تحضر فيه لقمة هي الأهم في تاريخ البلد هو التأكيد على أن المصالحة الوطنية وتمتين الجبهة الداخلية لا تقل أهمية عن النجاحات الدبلوماسية والعلاقات الخارجية بل قد تكون بعدا مهما من أبعادها لكن لما كان التأجيل إلى ما لا نهاية غير ممكن من الناحية الدستورية وغير عملي كان لا بد من وضع جدول زمني محدد لإطلاق الحوار مع استمرار المساعي لتنقية الأجواء خاصة من جانب الحكومة .
وفي تقديرنا أن إجراءات بناء الثقة الضرورية لإنجاح الحوار المقبل تتمثل في الخطوات التالية :
1- إعلان الحكومة عن تعليق الحوار إلى ما بعد القمة العربية لإفساح المجال لمشاركة الأطراف التي لم تعلن مشاركتها بعد (المنتدى وتكتل القوى الديمقراطية وإيناد وبعض منظمات المجتمع المدني الناشطة في مجال الحقوق السياسية والمدنية).
2- بادرة حسن نية تتمثل في دعوة كريمة من جانب رئيس الجمهورية في هذا الشهر الكريم لقادة المنتدى وحزب تكتل القوى الديمقراطية وإيناد إلى مائدة رمضانية لبحث موضوع الحوار بشكل مباشر وبدون وسطاء: موضوع الدعوة هو تنقية الأجواء والتشاور في شأن تحديد الشروط الضرورية لمشاركة جميع الأطراف في الحوار. وينبغي أن تكون تلك الدعوة مناسبة للم الشمل واعتذار الجميع للجميع عن تأثير التصريحات والتصريحات المضادة التي أدت شئنا ذلك أم أبينا إلى توتير الأجواء بين مختلف الأطراف وخلق حواجز نفسية قوية جعلت من الصعب التوصل إلى أي نوع من التفاهمات ما دامت تلك الحواجز النفسية قائمة .هذا اللقاء لا يحتمه ضعف الثقة لدى بعض القوى في الطيف المعارض ببعض الوسطاء في عملية الحوار بل تحتمه كذلك ضرورة التأكيد من جانب رئيس الجمهورية شخصيا على جدية بعض المواقف المهمة التي تم الإعلان عنها مثل التعديلات الدستورية وعدم الترشح لمأمورية ثالثة . وفي تقديرنا أن زحزحة مواقف بعض الأطراف المعارضة يحتاج في هذه المرحلة على الأقل إلى العمل بدون وسطاء وخاصة من الأغلبية الذين بات البعض منهم للأسف جزءا من المشكلة وأدى تعددهم إلى إرباك المشهد السياسي وتعدد فحوى "الخطابات" والرسائل التي يحملونها . ونعتقد أن الأمور ستظل على حالها ما لم نأخذ هذه المسألة بعين الاعتبار .
والواقع أن هذا الأمر يدعونا إلى إشراك وسطاء محايدين . لذلك لا بأس أن توجه الدعوة الكريمة لحضور المائدة الرمضانية للحوار والتفاهم كذلك إلى بعض الهيئات الدبلوماسية المهمة العاملة في البلد كالممثلين المقيمين للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وسفير الولايات المتحدة الأمريكية والسفير الفرنسي وممثلي الجامعة العربية والاتحاد المغاربي والاتحاد الإفريقي وبقية الهيئات الإقليمية والدولية العاملة في بلادنا ليكونوا شهداء على حسن النية والجدية في الحوار على الأقل من جانب النظام .
وفي اعتقادنا أن النجاح سيكون حليف هذه المبادرة الرمضانية المباركة لأنها لن تخرج عن أحد الاحتمالات التالية :
* فإما أن ترفض القوى المقاطعة الدعوة فإنها في هذه الحالة لن تسلم من الحرج أمام الرأي العام الوطني والدولي وهذا نجاح في حد ذاته لأنه بالفعل دليل على صحة النهج الحالي (الحوار بمن حضر) .
* أن تقبل الدعوة مع الاستمرار في وضع العراقيل والمطالب غير الواقعية هذا الأمر سيعرض تلك القوى للحرج أيضا لأنها ستكون هي الجهة التي تضع العراقيل أمام الحوار وليس السلطة
* أن تقبل الدعوة وتقدم بعض الشروط الواضحة المتبقية في نظرها لإطلاق الحوار فهذا موقف إيجابي يجب على السلطة أن تتعامل معه وأن تعبر بوضوح في حضور الشركاء عما يمكنها أن تقبله منه وما لا يمكنها أن تقبله
وإذا ما تكللت هذه الخطوة بالنجاح يمكن القيام بخطوة مماثلة تستهدف بعض المنظمات الناشطة في المجتمع المدني (المرخصة وغير المرخصة) للتحضير لجزء آخر من الحوار لا غنى عنه للحوار السياسي هو الحوار الاجتماعي الذي يرى الكثيرون أنه أهم بالفعل من الحوار السياسي.