" لايعيشُ المرءُ بالخبز ولكن بالثقافة أيضاً" هكذا قال المفكر الراحل موتودو، و هكذا عاش عمرهُ العريض، ظلّ الفقيدُ فيهُ يحمل وطنهُ و لغته الأم إلى كلّ المنافي التي شربتهُ فيها الأيام، من سينلوي حيثُ خرج أول مرة بلدهُ المُرتجل لينهلَ من المعرفة، ولم يكتفي بذلك، بل ناضل هناك أيضاً، وهوّ في عشرينات حياتهِ الثمينة، حيثُ التحق بصفوفِ الحزب الإفريقي للإستقلال الذي كان مقرهُ في سان لويس و أمضى فيه وقتاً طويلاً، وكانت البلادُ حينها مستعمرة مرتين، و لما قررت فرنسا الرحيل و حدثُ ما يعرفُ بالإستقلال عاد موتودو إلى وطنه و أكتُتبّ ضابطُ صف في إدارة الجمارك، و شمال الروح، في إنواذيبو ناضل مع إبراهيم ولد حيمودة عن حقوق عمال ميفرما الذين غدر بهم المختار و جنده الظالمين.
موتودو نفسهُ طويلٌ في الكتابة و النّضال، فلم يكتفي بهذه الفوضى الفاتنة التي خلف في البلد الوليد، فقد ذهب لموسكو 1966 و قد كان فاعلاُ في إحداث مايو التي هزت أوروبا الرأسمالية. و في عام 1973 إستأنف الفقيدُ غربتهُ و انتقل لكييف عاصمة أوكرانيا و منها لباريسّ بول فاليري و باهي محمد و أحمد باب ولد أحمد مسكة، و قد استقر هناك لبعض الوقت و من جامعة السوربون العريقة و باريس الثامنة حصل على دكتورا في العلوم السياسية كما حصل على ماجستير في علم المصريات.
إنّ إسهامات هذا الرجل العظيمة لا حصر لها ولا حدود، محاضرات، كتب و ترجمات لم تلقى العناية الكافية وقد لا يكون ذلك غريباً في زمان أدو ولد بنيوك، قناة شنقيط و الجنرال عزيز فالإحتفاءُ و التخليد في هذا البلد لونيٌ حتى أخر الأشياء.
لقد كتب مورتودو الشعرُ بالفرنسية و البولارية، وقد نبهني شيخٌ وقورُ مرةً في أقاصي كيهيدي إنّ موريتانيا بحاجة ماسة لشعر مورتودو في الثمانينات و التسعينات.
لقد ترجم الفقيدُ القرأن الكريم إلى البلولارية، وكتب عن نظرية تشكيل الكون منذ الإنفجار الكبير و البحث العلمي و الوصول إلى معرفة الله (300 صفحة) ولمحة موجزة عن تاريخ الزنوج الهالبولار مهمشي اليوم. الوافدين على رأي البيظان.
موتودو السياسي كأن أسطورة أيضا سمراء وتمشي، فقد عرفته سجون الأبرتايد المعاصر، زعيما يكافح عن حقوق الزنوج المحطمين منذ حتى ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا. ولعل ذاكرة رمضان لا تزال تحتفظ لنا بمذابح إبريل 89 و الإعدامات الشهيرة 92.
لقد كان الفقيد شخصا نادراً، ميز مسارهُ الصدق و الإخلاص و الصمود، فرغمُ المرض الشديد، ظلُ يناضل حتى هو على سرير الرحيل في المشتشفى الوطني الذي يموتُ فيه العظماء في صمت، عكس مستشفيات باريس التي تحتضن أراذلنا من تجار المخدرات و الضمائر و المبادئ و ناهبي المال العالم حتى إذا ماتوا وهُم يتداوون على نفقة "الدولة التنين" نكست الأعلامُ و إمتلأت الجرائدُ بأسمائهم و ألقابهم.
الفقيد خدم أزيد من 13 عشرة سنة في الجمارك، وظلُ يحملُ راية هذا المنفىُ ، حتى ألقى زفيرهُ الأخير و عبر في خميس مشهود، مع ذلك لم يطلق إسمهُ على ساحة و لا شارع، و قد يبدو لنا هذا الأمر عاديا جداً، فمدير الأمن السابق الشاعر جبريل زكريا صال منع من جواز سفر بل و تم التشكيكُ في وطنيته، ولن نفيق قريباً من هذا السبات المقيت، و نعي قيمة رجالنا و نسائنا الذين قدموا لهذا البلد الكثير مما لا يستحق بطبيعة الحال.
لقد عاش الفقيدُ في اللغة، وظلت اللغات الوطنية بالخصوص تؤرقهُ فرغم البولارية التي تسكنهُ و ترافقهُ في منافيه البعيدة وإسهاماته الكبيرة فيها، ظل يدعو إلى ترسيم اللغات الوطنية كلها، إن المشاعر التي يحملُ تجاه البولارية يكنها أيضاً للغات الأخرى، وكذلك كان مثقفوا الزنوج، أمثال عثمان موسى موسى دياكانا و جبريل همت لي حريصون بشأن هذه المسألة تحديداً، فقد حمل العربيون كلّ الشوفينية ولم يتركوا منها شيء.
لقد كان حريا بالدكتور بدي ولد ابنو وهو يعتزم تخليد ذكرى هذا الرمز الخالدة ان يخلدها على نحو لامع عكس هذه الارتجالية التي طبعت هذه الفعالية التي نظمت ولم يحضرها أكثر من عشرة أشخاص، فرجال مثل المرحوم موتودو يجب لا تمر ذكراهم بصمت