بدأ الجدل على صفحات الفيس بوك حول اعتزام بعض القنوات الموريتانية بث مسلسل ''يوسف الصديق'' على شاشتها خلال شهر رمضان الكريم.
وفيما رأى البعض أنه لا يعدو تدارس سيرة النبي يوسف عليه السلام، وتمضية للوقت بما يفيد عبرة وعظة، بدل الانشغال بمسلسلات مليئة بالتبرج والمعاصي في غرة الشهر المبارك؛ رأى آخرون أنه عمل غير جائز شرعا، وانبرى آخرون يربطون بينه ومصدره الأصلي "إيران".
وبث المسلسل منذ سنوات على قنوات إيرانية وقناة المنار اللبنانية، وأثار بثه جدلا واسعا في البلدان العربية، وهو الجدل الذي يبدو أنه وصل إلينا متأخرا.
"مراسلون" تعيد نشر مقال حول ذلك الجدل بعنوان "لماذا يظهر يوسف الصديق في ايران فقط؟" نشر في الدستور سنة 2010 التي بلغ فيها الحوار الساخن حول القضية ذروته، وفيما يلي نص المقال:
إذا كتب أحدهم اسم «مصطفي زماني» على المحرك البحثي الشهير «جوجل»، سيفاجأ بمئات الصفحات وعشرات الصور والتعليقات المنبهرة التي تتحدث عنه، بما قد يوحي للبعض بأن شعبية ذلك الفنانالإيراني الوسيم، قد تخطت بمراحل شعبية فنان وسيم آخر لكنه تركي وعرف في مصر باسم «مهند»، المفارقة أن المصريين عرفوا زماني عبر تجسيده لشخصية النبي يوسف عليه السلام، أي عبر شخصية دينية بحتة، فيما عرفوا مهند في دور رومانسي جدا.
دخلت الدراما الإيرانية لتوها على خط المنافسة الساخن مع الدراما التركية عبر ذلك الباب السحري «الدبلجة»، ومثلما أثارت الدراما التركية جدلا اجتماعيا اشتبك فيه علماء الدين إلى حد إطلاق فتاوي تحرم مشاهدته وعلى الأخص نجومها من الجنسين مثل مهند ونور ، طالت الدراما الإيرانية سهام الانتقاد الديني أيضا، علي خلفية تجسيدها للأنبياء بما يشكل صدمة لأتباع المذهب السني ورموزه الذين لديهم رأي قاطع في ذلك الشأن يقضي بتحريم تجسيد الأنبياء علي الشاشة.
بين مؤيد ومعارض ومعجب ومتشكك في النوايا، صارت الدراما الإيرانية جزءا من المعادلة، ورغم كل شيء سيظل المشاهد وحده هو الذي سيحدد مصيرها.. إما الاستمرار والانتعاش وإما التراجع إلي الخلف.. والشواهد تقول إن الخيار الأول غالبا هو الذي سيتم.. لنر.
المهتمون بالسينما خارج الحدود المصرية قد يعرفون أن إيران تنتج ما يقرب من 70 فيلما سنويا تقريبا، لكن تنامي شعبية الدراما الإيرانية في مصر والعالم العربي رغم أنه لم يصلنا منها سوي الدراما التاريخية الدينية فحسب دون الاجتماعي منها الذي بدأت قناة أي فيلم الإيرانية المدبلجة إلي العربية في عرضها منذ أسابيع يؤكد أن إنتاج الدراما التليفزيونية في إيران نوع من أنواع «الصناعات الثقيلة» هناك، حتي أنهم ينتجون نحو ألف ساعة من الدراما التليفزيونية سنويا.
دخلت الدراما الإيرانية علي خط المنافسة الساخنة مع الدراما التركية في المنطقة العربية، ذلك هوالخبر الجديد، تزايد نسبة مشاهدة مسلسل يوسف الصديق الذي بثته قناة «ميلودي دراما»، والبحث المحموم عن صور وأخبار أبطاله الإيرانيين علي الإنترنت، والعديد من الصفحات التي تتحدث عن تنزيل حلقات مسلسل إيراني ناجح آخر عن السيدة مريم عليها السلام، تؤكد أن الدراما التاريخيةالإيرانية المتقنة أعطت كتفا للدراما التركية الرومانسية.
لم يكن «يوسف الصديق» هو أول الأعمال الإيرانية الدينية المستوحاة من القرآن الكريم التي حققت نجاحاً كبيراً تجاوز حدود إيران، بل سبقه في ذلك مسلسل «مريم المقدسة» الذي روي في 12 حلقة جانبا من سيرة السيدة مريم العذراء عليها السلام، ولم يعرض المسلسل مدبلجاً إلي العربية إلا علي قناة المنار اللبنانية قبل عام، وربما هذا أمر لم يساعد علي أن يكون له تأثير كبير لدي المشاهد المصري بخلاف مسلسل يوسف الصديق والمثير أن شركات إنتاج خاصة في إيران هي التي أغلب هذة المسلسلات وليس تليفزيون الدولة بمفرده، ويوسف الصديق وأهل الكهف نموذجاً علي ذلك.
أما مصطفي زماني دون جوان الكثير من المراهقات الآن فهو من مواليد 1982، ودوره في مسلسل «يوسف الصديق» هو الأول له في الدراما الإيرانية علي الإطلاق، وقبل هذا كان يعمل محاسباً في إحدي الشركات الخاصة بإيران إلي جانب دراسته للإدارة في جامعة أهلية،وشارك في بطولة المسلسل بعدما تقدم للاختبار لتجسيد دور النبي يوسف عليه السلام وتم انتقاؤه من وسط 3000 فتي إيراني يتصفون بالوسامة التي يتطلبها في المظهر تجسيد شخصية النبي يوسف عليه السلام، قرأ السيناريو قبل تجسيد دوره 13 مرة، وخضع للتدريب علي التمثيل والفروسية لستة أشهر، وكان أول مشهد يقوم به في المسلسل في السجن عندما أمرت زليخا زوجة عزيز مصر كما هو معروف في القصة القرآنية الشهيرة بحبسه.
أما زليخا فقد جسدت دورها الممثلة الإيرانية المخضرمة كتايون رياحي المولودة في طهران والتي بدأت مشوارها بالكتابة للأطفال ثم اتجهت إلي السينما مع أول أفلامها (الخريف) شاركت في العديد من الأفلام السينمائية منها: اللحظة الأخيرة، سفينة انجليكا، ودورها في يوسف الصديق كان الأول الذي تدخل به عالم الدراماالإيرانية التاريخية الدينية.
ورغم أن صدي مسلسل يوسف الصديق لم يصل إلي مصر إلا في الأسابيع الأخيرة لكن المسلسل من إنتاج 2008 واستغرق تصويره ثلاث سنوات وتكلف إنتاجه 7 ملايين دولار، وتمت كتابته في أربع سنوات كاملة بمشاركة 20 باحثاً وخرج السيناريو الخاص به في 1800 صفحة، وبحسب مخرجه «فرج الله سلحشور» تمت الاستعانة في كتابته بالتفسير السني للقرآن الكريم والتفسير الشيعي ذلك لأن «المفسرين الشيعة يهتمون بالوصف والكلام والاستدلال، والمفسرين السنّة يهتمون بالحكايات والتمثيل والإشارات» علي حد قوله.
وليس «يوسف الصديق» هو أول أعمال «سلحشور» الدينية التاريخية، إذا سبق له إخراج مسلسل آخر يحكي قصة النبي أيوب عليه السلام، كما أنجز مسلسلا مهما عن قصة أهل الكهف في 18 حلقة بعنوان «أصحاب الكهف»، وقبل إنجازه لمسلسل يوسف الصديق في 45 حلقة، كان ينتوي إخراج مسلسل عن النبي يونس عليه السلام، لكنه وجد نفسه غارقا في تفاصيل قصة النبي يوسف، والآن هو يستعد لكتابة وإخراج مسلسل عن قصة النبي موسي عليه السلام، وهو مسلسل يتوقع أن يثير الكثير من الجدل خاصة من جانب اليهود الحاليين.
قام بدبلجة «يوسف الصديق» إلي العربية مجموعة من الممثلين اللبنانيين وليس السوريين كما يظن البعض، وعرض لأول مرة باللغة العربية علي قناة الكوثر وهي قناة شيعية تبث علي النايل سات والعرب سات والهوت بيرد ، ثم بثته فضائية حزب الله «المنار» في رمضان 2009، وكانت قناة ميلودي دراما أول قناة مصرية تعرضه مدبلجا إلي العربية قبل أيام قليلة.