/ سيد أعمر ولد شيخنا
بعد مضي شهر على الاعتقالات التي بدأت في الرابع من مايو 2003م، وبعد أن أكملت إدارة أمن الدولة تحقيقاتها مع جميع الموقوفين من علماء وأئمة ودعاة وسياسيين، بدأت إجراءات إحالة الملف إلى القضاء.. وفي أحد الأيام الأولى من شهر يونيو لاحظنا في الصباح الباكر وجود عدد من سيارات تويوتا "لاندو كريزر" جديدة وغير مطلية بأي ألوان مميزة.. جاء إلينا عدد من عناصر أمن الدولة وطلبوا منا الاستعداد للانتقال من المعتقل، وبدأت إجراءات استعادة المحتجزات من هواتف وأوراق وما تبقى من نقود.
لم يخبرونا بالوجهة القادمة هل هي قصر العدل أم مكان آخر. كان الأستاذ حبيب ولد حمديت (مدير المكتبة الوطنية حينها ووزير الشغل لاحقا) من بين المعتقلين، وكان يتخوف بعفوية وروح دعابة من هذه السيارات العابرة للصحراء والجديدة وغير المطلية بألوان الشرطة (يا لطيف هذه سيارات ليست للشرطة.. لو كان الأمر مجرد إحالة للقضاء لاكتفوا بباصات أو سيارات الشرطة العادية، ولكن سيارات عابرة للصحراء وجديدة.. أمر مريب، وأظن أن جهتنا القادمة هي: تيشيت في عمق الصحراء)!
بعد مضي وقت قصير أمرنا بالصعود إلى السيارات وتم تخصيص المقاعد الأمامية للمشائخ (العلامة الشيخ الددو، أمير جماعة التبليغ المصطفى ولد أحمدو، القاضي الجليل التقي ولد محمد عبدالله رحمه الله، السفير المختار محمد موسى وغيرهم...). وركبت المجموعات الأخرى في الأحواض الخلفية المكشوفة. وقبل الانطلاق وقف إلى جانبنا ضابط صف من أمن الدولة يسمى (أدو) كان هو من تولى عملية القبض على عدد من الأئمة بطريقة ذكية (حيث كان يتأكد من هوية الإمام من خلال طرح سؤال فقهي، وعند الإجابة يسأله: "إذن أنت هو إمام المسجد؟"، فيرد الإمام بعفوية نعم، فيقول له: "تعال معي").. وقف المساعد "أدو" إلى جانب السيارات، وقال بأدب: (اسمحولنا)، فبادرت بالقول: (أصل مان سامحين لك).. الأمر المؤسف أن الرجل توفي بعد ذلك بأيام قليلة في حادث مؤلم نسج حوله سكان العاصمة قصصا من وحي الخيال، والحقيقة أن الرجل طيب ووفق لطلب السماح ولم تكن بيننا معه مشكلة فهو مجرد موظف بسيط مأمور، وليس هو من اعتقل الشيخ الددو ،وأنا الذي أجابه بتلك الإجابة القاسية ليست لدي معه أي مشكلة، ولم يكن هو من اعتقلني أصلا وحتى الذي اعتقلني، وهو من سكان مدينة شكار، فقد أصبح صديقا وفيا أعتز بصحبته، فرحمة الله على المساعد (أدو) وتغمده الكريم المنان بواسع رحمته، وقد سامحه جميع الأئمة بعد علمهم بنبأ وفاته.
انطلق الموكب بهدوء عبر الطريق الرابط بين مدرسة الشرطة والبنك المركزي، وعند وصولنا إلى كرفور مخبزة حلويات الأمراء تعطل السير الطبيعي للسيارات بفعل حركة المرور، فانتهزنا هذه الفرصة للتكبير وترديد شعارات مناوئة للسلطة وسط ذهول المارة وأصحاب السيارات، وهي الشعارات التي بقينا في تردديها حتى الوصول إلى قصر العدل، حيث كان الأهالي والأنصار يتجمعون هناك للاحتفاء بنا وسط هتافات قوية ودموع حارة.
المصدر صفحة : سيد أعمر ولد شيخنا