قررت الحكومة الموريتانية لأول مرة و بشجاعة سياسية ودبلوماسية كبيرة فاجأت الكثيرين وطنيا و عربيا و دوليا استضافة مؤتمر القمة العربي المقبل في أواخر شهر يوليو 2016.
وسأحاول توضيح دلالات انعقاد مؤتمر القمة العربي مكانيا و زمانيا قبل أن أستشرف بعض التوقعات بخصوص حجم و نوع الحضور المنتظر و النتائج التي يمكن أن تسفر عنها أعمال مؤتمر القمة العربية المرتقب.
فبخصوص دلالات انعقاد هذا المؤتمر فلعل من أبرزها:-
أولا: حاجة مؤسسة الجامعة العربية إلي التحيين و المراجعة:ذلك أن تَعثر انعقاد أهم هيئات الجامعة العربية (مؤتمر الرئاسة) و اعتذار بعض الدول عن استضافتها مؤشر واضح علي أن العمل العربي المشترك فقد ألقه و جاذبيته و أنه بحاجة إلي مراجعة تحقق المزيد من النجاعة و المقروئية و الإقناعية بالنسبة للرأي العام الذي لم يعد مقتنعا بالاجتماعات "عالية الروتينية" للرؤساء و الملوك العرب التي لا تتوج إلا ببيانات مكررة، "باردة" بل "مُثَلًجَةٍ" لا تعبر مثلا اتجاه مذلة مواصلة اغتصاب فلسطين الغالية إلا بالشعور بالقلق و الحزن فقط منذ قرابة سبعين عاما.!!
ثانيا: استعادة موريتانيا لزمام القدرة علي الفعل الدبلوماسي: فمن ما لا مراء فيه أن انعقاد مؤتمر القمة العربي بنواكشوط سيشكل نصرا دبلوماسيا للدولة الموريتانية عموما و سبقا سياسيا للنظام السياسي الحالي خصوصا ما سبق إليه أحد من الحكام السابقين. و لسوف ستشكل فضيلة إخراج البلد من "مجموعة الدول العربية القليلة التي لا تستضيف مؤتمرات القمة العربية" إضافة إلي الرصيد السياسي و الدبلوماسي للنظام السياسي الحاكم.!!
ثالثا:تحصين انتظام دورية و سنوية انعقاد مؤتمر القمة العربي: سيعزز انعقاد المؤتمر احترام الميثاق المعدل للجامعة العربية الذي يسد منافذ تأجيل مؤتمرات القمة العربية بذريعة "ملاءمة الظروف" و يشدد علي ضرورة احترام الدورية السنوية لمؤتمرات القمة العربية و علي انعقادها في دولة مقر الجامعة العربية كلما تعذر تنظيمها من طرف الدولة التي يقع عليها العبء الدوري للتنظيم ذلك أنه في الحد الأدني يعتبر اللقاء أفضل من "اللالقاء" مصداقا للأثرين القائلين بأن ما لا يدرك كله لا يترك جله و أن "شيئا" خير من "لا شيئ".!!
رابعا: بيان قدرة الجسم العربي علي الحركة رغم الجراح الغائرة: سيكون انعقاد مؤتمر القمة العربي ردا عمليا مؤكدا بعض عافية الجسم العربي و قدرته علي الحركة رغم جراح الحروب الأهلية و الاحتقان السياسي شديد قابلية الاشتعال وفي ذلك رسالة إزعاج و "لا طمأنة" إلي عدو العرب في المنطقة( الكيان الصهيوني) و إشارة تنبيه و توجيه إلي بعض الخلطاء من القوي الإقليمية "المنافسة" علي كسب أكبر نفوذ في المشهد السياسي بمنطقة الشرق الأوسط عالية التجاذب و الاستقطاب السياسي( و لا يحسبن قارئ أن المقارنة ممكنة بين الإزعاج و اللاطمئنان و التنبيه و التوجيه)!!.
أما في ما يتعلق بتوقعات سير و نتائج الدورة السابعة و العشرين لمؤتمر القمة العربي فيمكن إجمالها في ما يلي:-
1- احترام الأجل المحدد للمؤتمر:تؤكد كل المؤشرات علي أن مؤتمر القمة العربي سيلتئم في التاريخ المحدد له نهاية يوليو المقبل و ما يشاع عن إمكانية تأجيله غير وارد بالنظر إلي عاملين اثنين أولهما اعتبار الحكومة الموريتانية تنظيمه في الأجل المحدد و في أحسن الظروف تحديا استراتجيا و ثانيهما تمسك الأمانة العامة للجامعة العربية بعدم تأجيل مؤتمرات القمة و احترام دوريتها السنوية؛
2- تمثيل متوسطٌ عددا مقبولٌ نوعا لوفود الدول العربية : من المحتمل أن تمثل أغلب الدول العربية في المؤتمر المقبل بَيْدَ أن حضور الملوك و الأمراء والرؤساء و رؤساء الحكومات قد لا يكون بعيدا من خط المقبول لكن ذلك لا يعد حدثا غير طبيعي ذلك أن "سجلات حضور" العديد من مؤتمرات القمة العربية العادية و الطارئة تبرز غياب غالبية المسؤولين السياسيين العرب من الدرجة الأولي لأسباب سياسية أو شخصية أو صحية أو"خارجة عن الإرادة" ؛!!
3- حضور بعض رؤساء دول الجوار الإفريقي: من الوارد أن توجه الحكومة الموريتانية الدعوة لبعض رؤساء الجوار و العمق الإفريقي كالرئيس التشادي "إدريس دبي"،الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي ورئيسي جمهوريتي السنغال و مالي المجاورتين لحضور الحفل الرسمي لافتتاح القمة العربي دليلا علي مؤازرة الحكومة الموريتانية عبر تحية ضيوفها من الملوك و الأمراء و الرؤساء العرب.؛
4- مقاطعة بعض الدول و تمثيل دون المتوسط لدول أخري: من غير المستبعد أن تقاطع بعض الدول العربية و أن "تُخَفِضَ" دول أخري مستوي تمثيلها لأعمال مؤتمر القمة العربي المرتقب تضامنا مع النظام السوري أو حذرا من الاصطفاف داخل التحالفات العربية الجديدة التي اتضحت أكثر بعد الحربين الأهليتين بسوريا و اليمن.
5- تحقيق"مناصرة دبلوماسية" للاقتصاد الموريتاني: قد يشكل مؤتمر القمة العربي فرصة لمناصرة الملوك و الرؤساء العرب للاقتصاد الموريتاني و ذلك من خلال ملاحظاتهم الميدانية لحاجيات الاقتصاد الموريتاني الكبيرة و اطلاعهم علي ماضي "شبه تقصير "الدول العربية اتجاه هذا القطر العربي القصي الذي يحتاج إلي لفتة تضامن اقتصادي من طرف الأشقاء العرب!!
6- توفير فرصة "للتسويق الإعلامي" و السياسي للبلد الموريتاني: يتمني العديد من الحادبين علي الوطن أن يتم و بإحكام و جودة و إتقان تنظيم بعض المناشط العلمية و الثقافية الموازية يوما أو يومين قبل موعد القمة كتنظيم "مخيم للمحظرة الموريتانية" و "مخيم للشعر" و "مخيم للتنوع العرقي و الثقافي" و "مخيم للحريات العامة و الديمقراطية"و ذلك ضمانا لتوفير مادة فكرية و ثقافية و سياسية تنفع الضيوف الإعلاميين و "الاستراتجيين"و تحقق مزيد التعريف اإيجابي بالبلد عطاء علميا و تنوعا ثقافيا و تقدما سياسيا،...
المختار ولد داهي،سفير سابق.