ملاحظة :نشر المقال في موقع " موريتانيا المعلومة " و ذكر المعني ذلك على صفحته على لفيس بوك
كيف يلتقون في عاصمة الحوض الشرقي : طارق بن زياد..ديكول..عبد الناصر.. و عزيز ؟
تحت عنوان " خطاب النعمة تأسيس لموريتانيا الجديدة"، قدم أحد المتابعين عن قرب للشؤون السياسية في البلد مقاربة توصل فيها إلى ربط صلة وثيقة بين قادة تفصلهم مسافات الزمان ومسافات المكان والفروق الشاسعة بين البئات التي عاشوا فيها. عير أن الوقع القوي والأثر التاريخي والدور البارز الدي سجله كل منهم في عصره رغم ما تعرض له من صعاب وتنكيل ـ كل هذه العوامل تجمعهم اليوم. و في مقاربته التاريخية اتخذ الكاتب نموذجا من خطاب الرئيس محمد ولد عبد العزيز ألاخير في عاصمة الحوض الشرقي واصداءه و ما يحويه من رسائل واعدة و ما تعرض له احيانا من تأويلات خاطئة ومن وتحريف متعمد. وقد بين اوجه مقارنة واردة بين هذا الخطاب مع مسار زعماء تاريخيين شهيرين مثل طارق بن زياد..ديكول..عبد الناصر..حيث كان على هؤلاء أن يتحلوا بشجاعة فذة وبإرادة قوية لمواجهة التحديات الجسام التي اختاروا لانفسهم مقارعتها في سبيل اهداف سامية جعلوها نصب أعينهم.
" خطاب النعمة تأسيس لموريتانيا الجديدة
حين عبر طارق بن زياد بجنوده المضيق الذي يحمل اسمه حتى اليوم، ألقى فيهم خطابا، لا يزال نصه محفوظا، بعث فيهم الحماس وروح التضحية فانتصروا في معركة لا تكافؤ فيها بين شرذمة أحرقت من خلفها جميع مراكبها، وبين جيوش امبراطورية. أسس ذلك الخطاب لقيام الدولة العربية الإسلامية في الأندلس. وحين سقطت فرنسا تحت الاحتلال النازي استسلم الشعب لحكومة فيشي حتى سمع خطاب المقدم ديغول عبر أثير إذاعة لندن يحرض على المقاومة ويعد بالنصر فألهب فيه الحماس وانطلقت المقاومة المسلحة التي ساهمت في تحرير فرنسا وإقامة الجمهورية الخامسة. ومثل خطاب المقدم جمال عبد الناصر في الإسكندرية معلنا تأميم قناة السويس استكمالا للثورة المصرية بالسيطرة على أهم مورد اقتصادي، وطرد آخر المستعمرين. ولا يزال السود الآمريكيون يطاردون "حلم مارتن لوثر كينغ" بسيادة الحقوق المدنية، والقضاء على العنصرية.
لم يكن أي من هؤلاء الخطباء باحثا عن مجد شخصي؛ فقد كان ابن زياد جندي في جيوش الفتوحات الإسلامية، وترك ديغول السلطة بعد أن أرسى قواعد الجمهورية الخامسة التي فصلها على مقاسه في زعم معارضيه، لكنهم حين وصلوا إلى السلطة "تطاولوا" ليناسبهم نفس المقاس (ميتران: الانقلاب الدائم). وظل السد العالي قائما يسقي مصر ويطعمها بعد رحيل عبد الناصر، وتطبيع السادات، واستقالة مبارك، وتنحية مرسي... ولم يكن لوثر مثقلا بالديون ليحلم بالكنوز... ولم يكن ولد عبد العزيز، حين حمل ورفاقه، الذين لم يتنكر لهم، ولم يخوّنهم، أرواحهم على أكفهم، باحثا عن مجد شخصي لذلك أيقظ عقيدا يغط في نوم عميق ليسلمه قيادة الانقلاب بعد أن تأكد من نجاحه. وحين عاد ليقود عملية التصحيح لم يكن المدنيون ولا العسكر يتدافعون لحكم بلد على شفى الانهيار يضرب فيه الإرهاب بأطنابه وتطلق شرطته النار على جياعه في استعادة لمذبحة ازويرات، وسجون الثمانينيات.. ومن ثم فإن خطاب النعمة في الثالث من مايو يندرج ضمن تلك الخطب التاريخية التي غيرت مصائر الشعوب، وأسست الدول. فقد قدم الرئيس رؤية واضحة، واقترح نقاطا محددة دعا المعارضة إلى الحوار حولها بغية الوصول إلى إجماع وطني، لإدراكه أن القضايا الوطنية الكبرى تتجاوز الخلافات السياسية حول إدارة الشأن العام. لقد حدد الرئيس المقدسات التي لا تقبل المساس بها؛ ديننا الإسلام، ووحدتنا الوطنية، وهو في ذلك منسجم مع الدستور نصا وروحا. واقترح إلغاء مجلس الشيوخ لتحل محله مجالس جهوية تنظم إعادة توزيع الثروة لتحقيق تنمية شاملة متحررة من سلطة مركزية كدست الموريتانيين في أحياء الصفيح في نواكشوط ونواذيبو وروصو. كما حدد بشكل واضح هوية الدولة التي ظلت مثار جدل بين مترجمي همزة الوصل، ومستلحقي الجر بالإضافة.
إن الحوار الوطني الشامل الذي دعا إليه فخامة الرئيس يهدف إلى إشراك الطيف السياسي دون استثناء في عملية إعادة تأسيس الجمهورية على قواعد متينة بدل تلك التي أقيمت عليها بشكل ارتجالي عند النشأة. قواعد تأخذ في الحسبان كافة التطورات التي عرفها المجتمع الموريتاني على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وإذا كان فخامة الرئيس قد أعطى أجلا محددا لانطلاق الحوار بمن حضر فإن ذلك يعود إلى وعيه بأن الوطنيين الشرفاء لن يتأخروا عن المشاركة في وضع لبنات الكيان الوطني الجديد.. أما اللاهثون على هوامش الوطن، الذين يوحى إليهم زخرف القول من الضفة الأخرى، "فسيان إن حضروا وإن هم غابوا".
اللاهثون على هوامش الوطن إياهم هم الذين ألحدوا في حواف الخطاب وأعرضوا عن لبابه. فحين تحدث الرئيس عن التفكك الأسري الذي يعانيه المجتمع بكل شرائحه وفئاته، حرفوا الكلم عن مواضعه لإثارة الفتن والإضرار بالوحدة الوطنية. وحين عرض على الموريتانيين تنظيم استفتاء لحذف المواد المتعلقة بمجلس الشيوخ تهامس المرجفون أن الهدف أبعد من ذلك، يلمزون الرئيس، تماما كما كانت حكومة فيشي تصف ديغول بالضابط المتمرد، وينعت المستعمرون عبد الناصر بالكولونيل الفاشستي... سقطت حكومة فيشي، ورحل المستعمرون الغزاه.. وبعد ثلاثة أسابيع سيجلس الموريتانيون الشرفاء على طاولة الحوار ليحددوا معالم موريتانيا الجديدة تاركين المخلفين في الكتلة المهملة، وممتهني السطو على الزعامة يتيهون في السياسة أربعين مأمورية...
الدكتور محمد إسحاق الكنتي"