قطاع الزراعة: جهود هائلة لكنها مشتتة /المهندس خطري ولد العتيق

ثلاثاء, 2016-03-22 22:41
خطري ولد العتيق/رئيس المجلس الوطني لنقابة المهندسين الزراعيين

يعتبر تطورالقطاع الزراعي أحد أبرز معايير النمو والازدهار للبلدان، فقد تربعت الولايات المتحدة علي عرش الاقتصاد العالمي  عندما كانت أول منتج للقمح و الذرة والصويا دون منازع،  وقفزت اليابان وألمانيا وبعض الدول الإسكندنافية في المراتب العليا في الاقتصاد العالمي لأن هذه البلدان حققت نتائج مميزة في مجال الإنتاج الزراعي.

في حين بقيت بلدان عديدة في أسفل الركب رغم تعدد مصادرها الطبيعية أما في حالتنا فلا نكاد نبين، إذ قلما توجد بيانات إحصائية متطابقة سواء تعلق الأمر بالإنتاج (كمَا ونوعا) أو بمبالغ الاستثمار وهذا هو مربط الفرس في هذا المقال.

ورغم تعدد التسميات التي مر بها القطاع " التنمية الريفية، ثم التنمية الريفية والبيئة، فالزراعة والبيطرة، فالتنمية الريفية والبيئة و المياه، ثم التنمية الريفية ، وأخيرا الزراعة . لم يتمكن القطاع يوما من وضع يده علي كافة المتدخلين، وبقي في جميع الحالات مرتعا لمجموعات متباينة الأهداف تسعي في أغلب الحالات إلي التكيف مع السياسات التي تنتهجها الوزارة بغية الاستفادة منها قدر الإمكان، من قروض ميسرة ودعم للمدخلات وتشريع عقاري لا يلتزم صاحبه بالنصوص المثبتة في دفتر الشروط. ومجموعات ضعيفة هشة لا تعيش إلا من الزراعة ولا تملك إلا الوسائل البدائية للإنتاج. كما أنها لا تلبي شروط القروض ولا تصلها التشريعات العقارية، والمجموعة الثالثة هي في الحقيقة كشكول متنوع يتقن مهنة التطفل ويستخدم التشريعات الخاصة بالتعاونيات كغطاء لتحقيق أهدافه إلا من رحم ربك.

 وبما أن سياسات القطاع سعت بطريقة أو بأخرى إلي مواكبة الجميع طيلة ثلاثة عقود دون انقطاع كان لزاما أن نجري عرضا بسيطا لنقف علي حال القطاع اليوم وما وصلت إليه الفئات المستهدفة.

فيما يخص حال القطاع فلا مراء في أن جهودا جبارة بذلت وأن مبالغ طائلة قد صرفت لتنميته والوصول به إلي الأهداف المحددة في الإستراتجية  الوطنية 2001ـ 2015. إلا أن النتائج وللأسف كانت هزيلة فبدون انخراط حقيقي للقطاع الخاص في تنمية الزراعة وعصرنة كل من البحث الزراعي والإرشاد الزراعي  وملاءمة منظومة القرض والتشريع العقاري لأنماط الزراعة المحلية، فإنه في الحقيقة لا يتوقع تحقيق نتائج ملموسة.  

ولكي لا يقال إننا متشائمون فإنه يجدر بنا أن نذكر أن منتوج الأرز قد قفز إلي مستويات معتبرة في السنوات الأخيرة.  إلا أن التكلفة كانت باهظة وعلي حساب خزينة الدولة، (كان دعم بعض المدخلات سخيا كما كانت القروض ميسرة وبفوائده مقبولة)  إلا انه لم تتوفر عوامل الاستدامة لذلك، وقد ظهر ذلك جليا في نتائج الحملة المنصرمة، فعندما رفعت الدولة يدها جزئيا عن تسويق منتوج الأرز وخفضت الدعم علي بعض المدخلات انقلب السحر علي الساحر وعادت حليمة إلي عادها القديمة.

 

فالقطاع اليوم في وضعية لا يحسد عليها مثل :

ـ ضعف قاتل علي مستوي المصادر البشرية ولا أقول نقص.

ـ عدم وضوح الرؤية في تنفيذ الإستراتجيات.

ـ تشتيت الجهود.

ـ عدم بروز نخبة وطنية من المستثمرين المحلين في القطاع رغم توفر التسهيلات

ـ استنزاف المصادر المتجددة (ألأراض الزراعية) وخروجها عن ملكية الدولة

أما ما يخص الفئات المستفيدة، فالبون شاسع جدا. فالطرف المعول عليه في تطوير الزراعة والذي اعتمد كقاطرة للقطاع (وأعني هنا القطاع الخاص)، فبقي عاجزا ومرتبكا في أغلب الحالات،حيث يقتنص الفرص ولا يريد أن يستثمر، لأن رأس المال جبان كما يقال. وإن كانت الظروف قد هيئت لذلك من إعفاء للديون، إلي فك العزلة، فالتشريع العقاري ثم دعم المدخلات إلخ.

أما الفئات الأخرى وهي المنضوية تحت الزراعة المطرية والتعاونيات وإن كانت محط رحال الكثير من القطاعات ومن بوابة الأنشطة الزراعة، كمفوضية الأمن الغذائي و وكالة التضامن، ومنظمات دولية عديدة لا تنسق مع القطاع ولا تتشاور معه فلم تتحسن وضعيتها، فنسبة الفقر فيها تتجاوز %60 ولا أري أن الإستراتجيات المتبعة من جميع تلك القطاعات قد غيرت كثيرا من حال تلك الفئات. إذا ما العمل والحال هذه؟

 

في الحقيقة لا توجد حلول سحرية ولا وصفات لعلاج المعضلات التي تواجه القطاع كرزمة واحدة. لكن مواجهة تلك المعضلات وتجاوزها ليس بالمستحيل إذا وجدت إرادة جادة تأخذ بالأسباب ولا تقبل تقاسم المسؤولية مع أي كان.

 أنا لن أتطرق إليها بشكل مفصل لكني سأحاول وضع الخطوط العريضة لبعض تلك الحلول ومن أهمها:

1 ـ مراجعة سياسات القطاع مع تحديد مسؤولية كل المنخرطين (القطاع الخاص بكافة أشكاله "تجار المدخلات والآليات، المزارعون الكبار،مؤسسات القرض الزراعي،أصحاب المصانع، أصحاب الزراعة المطرية، الروابط والتعاونيات، الموردون، المؤسسات العلمية ذات الصلة،إلخ، لوضع تشخيص دقيق لحالة القطاع الراهنة).

2 ـ تطبيق سياسة عقارية صارمة مبنية علي دفتر شروط يشمل التزامات تأخذ بعين الاعتبار إجراءات عقابية ملزمة.

3 ـ مركزة جميع الموارد المالية الموجهة للقطاع التابعة لوكالة التضامن وكذا مفوضية الأمن الغذائي في وزارة الزراعة،

4 ـ دمج قطاعي التنمية الريفية والمياه وصيد المياه العذبة في قطاع واحد يسمي "قطاع الزراعة".   

 

خطري ولد العتيق/رئيس المجلس الوطني لنقابة المهندسين الزراعيين