البحث الزراعي في موريتانيا ..بحث بلا باحثين..!.

جمعة, 2016-02-19 21:41
المهندس الهيبة ولد سيد الخير

يلعب البحث الزراعي دورا بالغ الأهمية في النهوض بالقطاع الزراعي، فهو احدي القوي الدافعة الرئيسية للتنمية الزراعية ،وشرط لا غني عنه لتحقيق الأمن الغذائي الوطني،فهو أحد أضلاع مثلث قاعدة التنمية الزراعية ،وبدونه لا يمكن للضلعين الآخرين أن  يستقيما ،فالتكوين والإرشاد يعتمدان علي مخرجات البحث، فإذا غاب البحث تعطلا، وتوقفت بذلك عجلة التنمية الزراعية ،لقد وعت السلطات العمومية أهميته مبكرا حيث أنشأت مركزا وطنيا  للبحوث الزراعية والتنمية الزراعية.

بدأت الإرهاصات الأولي للبحث الزراعي سنة 1949، ببعثة رصد فرنسية ،ليتم بعد ذلك إنشاء محطة بحوث كنكوصة  سنة 1952 ،لتقوم بعد ذلك مراكز بحثية فرنسية وعلي رأسها معهد البحوث الزراعية للمناطق المدارية بتنفيذ برامج بحث علي مدار عقد من الزمن.

في سنة 1970 تم إنشاء المحطة التجريبية في رينداو بكيهيدي ، لتتكلل الجهود بإنشاء المركز الوطني للبحوث الزراعية  والتنمية الزراعية سنة1974 ، لتناط به مهمة انجاز البحث الزراعي ونشر الابتكارات وإيجاد الحلول الناجعة للمنتجين الوطنيين.

 

عاني المركز الوطني للبحوث الزراعية  والتنمية الزراعية من اختلالات  هيكلية  ومؤسساتية تعود أساسا إلي:

  • غياب إستراتجية وطنية للبحث العلمي؛
  • عدم ملائمة الإطار القانوني؛
  • غياب وصاية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فوزارة الزراعة وحدها لن تستطيع تدبير مؤسسة بحثية؛
  • عدم تناسق ميزانية البحث الزراعي مع مساهمة القطاع في الناتج الوطني الداخلي؛
  •  عدم اقتناع صناع القرار بجدوائية البحث الزراعي والتعامل مع منظومة البحث بمقاربة <الرموز السيادية> فمجرد وجود مؤسسة تحمل اسم البحث الزراعي أمر يفي بالغرض.

 

واقع البحث الزراعي اليوم

يملك المركز اليوم ثلاثة مخابر و 10 محطات تجريبية في غورغول ولعصابة وترارزة ونواكشوط ،كما يزاول العمل فيه 114 موظفا ،يقول المركز أن 17 منهم ما بين فني وباحث.

لا تعكس هذه الأرقام للأسف الشديد حقيقة واقع المركز، فالمخابر لا تعمل لنقص التجيهزات، فميزانية المركز اغلبها يذهب لخدمة أجور العمال، وغرف التبريد الضرورية لحفظ البذور حرارتها هي حرارة كيهيدي ، والمحطات التجريبية  مجرد عناوين ولافتات باستثناء محطة رينداو ، والتي تضم أساسا أشجار مانغو ،تعود زراعتها لفترة السبعينات ،وهي منتجع اليوم لظلالها الوافرة أكثر من كونها محطة بحث.

أما الطاقم البشري فاغلبه لا يملك مؤهلات بسبب فوضي الاكتتاب، لكن الأمر الصادم هو عدم وجود باحث واحد  بمستوي دكتورة، بينما يقتصر طاقم البحث علي ثلاثة مهندسين ،أما بقية الطاقم فمشكل من الفنيين الباحثين!،كما أن المركز يفتقد إلي متخصص في المعالجات الإحصائية الشرط الضروري لأي عمل بحثي.   

يعكس غياب أسماء محلية لأصناف البذور المزروعة اليوم ضعف أداء المركز فكل الأصناف المزروعة أجنبية : Sahel ، وكريم، ومصر 1، وسقا، Blonde de Paris  Violet de galmi، Désiré  الخ.

إن عجز المركز عن إدارة برامج بحث حقيقية دفعه للقيام بادوار لا تمت للبحث بصلة ،كتأطير حملة الشهادات في روصو ،والإشراف علي انجاز مزرعة زراعة البطاطا في كنكوصة والتي لم تنتج حتي كمية بذار البطاطا التي استوردت لها .

يقتصر دور المركز اليوم علي حمل راية شعار البحث الزراعي ،دون أن يملك أية مؤهلات تمكنه من القيام بدوره ،حيث يكتفي المركز بلعب دور ضابط الاتصال مع المؤسسات البحثية الإقليمية والدولية .

إن بصمة المركز غائبة تماما ،لذلك فكل الحلول المطروحة  اليوم لمشاكل المزارعين تعالج بحلول أجنبية ،قد لا تتوافق مع السياق الوطني، مما يفقدها فعاليتها، فقد تكون العوائق ثقافية أو اقتصادية، فما ينجح في مصر أو فرنسا أو السنغال، قد لا يتقبل في بلادنا وهنا تظهر أهمية البحث الزراعي الوطني.

يفسر ضعف وهشاشة مركز البحوث الزراعية تعثر مسيرة التنمية الزراعية في بلادنا ،فغياب البحث ينعكس علي أداء منظومتي التكوين والإرشاد ،وبالتالي لا يجد المزارع حلولا لمشاكله ولا مبتكرات تحسن من أدائه فيظل حبيس معارفه وتجاربه الذاتية.

لن تلفح السياسات الوطنية المتبعة لتطوير قطاع الزراعة، دون الاهتمام بالبحث الزراعي ،وإعطائه المكانة التي يستحق ،وقد حان الوقت للاستفادة من الدروس والعبر وما أكثرها في مجال قطاع الزراعة الوطني.

  

المهندس:الهيبة ولد سيد الخير