القدس العربي تكتب عن : موريتانيات يعانين العنف

أحد, 2016-02-14 23:29

«القدس العربي»: ليس العنف ضد المرأة سلوكا خاصا في مجتمع بعينه، فظاهرة تعنيف المرأة ومعاملتها بالقسوة واستغلالها في الأعمال الشاقة واغتصابها، ظاهرة اجتماعية شاذة وقديمة قدم الإنسان.
وقد عرّفت الأمم المتحدة العنف الممارس ضد المرأة بأنّه «كل فعل عنيف تدفع إليه عصبية الجنس ويترتب عليه، أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة، سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية، بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة».
ويندرج ضمن هذا التعريف العنف الممارس من قبل الشريك المعاشر ضمن علاقة معاشرة أو من قبل شريك سابق يتسبّب في حدوث ضرر جسدي أو جنسي أو نفسي، بما في ذلك الاعتداء الجسدي والعلاقات الجنسية القسرية والإيذاء النفسي وسلوكيات السيطرة.

تحديد للمفهوم

يشمل العنف الجنسي كل علاقة جنسية، أو محاولة للحصول على علاقة جنسية، أو أيّ تمهيدات جنسية، أو أعمال ترمي إلى الاتجار بجنس الشخص أو أعمال موجّهة ضدّ جنسه باستخدام الإكراه يقترفها شخص آخر مهما كانت العلاقة القائمة بينهما وفي أيّ مكان، كما يشمل العنف الجنسي الاغتصاب.
ويستخدم تعبير «العنف ضد المرأة» للإشارة لأيّ أعمال عنف تمارس بشكل متعمّد تجاه النّساء.

التعريف الأممي

وتم تعريف العنف ضد النّساء من قبل الأمم المتحدة بأنّه اعتداء وممارسة عنيفة مبنيّة على الجنس، ومن الممكن أن يكون الإيذاء جسديا أو نفسيا مثل التهديد، أو الحرمان، أو تعطيل الحريّات. 
وهذا النوع من العنف قد يتم ارتكابه من قبل الجنسين، من داخل الأسرة أو الدّولة، وهناك العديد من الجمعيّات و المنظّمات حول العالم التي تسعى جاهدة للحد ولمنع العنف ضد النّساء. 
وتم تخصيص يوم 25 من شهر كانون الثاني/يناير كيوم عالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.

الحالة في موريتانيا

تعاني المرأة في المجتمع الموريتاني كغيرها في مجتمعات العالم الأخرى، من ممارسة العنف بمختلف أشكاله رغم درجة الوعي الكبيرة.
وقد اشتكت منظمات موريتانية عديدة في تقارير سنوية وخلال ندوات متخصصة عديدة، من المستوى الخطير الذي وصل إليه العنف ضد المرأة الموريتانية.
ودقت حركة «النساء الموريتانيات لترقية حقوق المرأة» مؤخرا ناقوس الخطر لما تتعرض له المرأة الموريتانية من عنف متكرر يصاحبه إفلات مرتكبي جرائم العنف من العقاب.
وأكدت زينب بنت الطالب موسى رئيسة الرابطة الموريتانية لصحة الأم والطفل «أن العنف ضد المرأة الموريتانية وصل إلى مستوى لا يحتمل، ولا أحد منا في مأمن منه فكلنا ضحايا للعنف في الحاضر أو مشاريع لضحاياه المستقبل، فالوضع أصبح لا يطاق».
وأضافت بنت الطالب موسى «لقد قررت النساء الموريتانيات هذا العام تجاوز خلافاتهن وضم جهودهن لجهود الرجال لإسماع صوتهن للسلطات العمومية وللرأي العام».
وأوضحت أن «الموقف يتطلب تحسيس الرجال بخطورة العنف الممارس ضد امهاتهن وزوجاتهن وأخواتهن»، مبرزة أنه «بدون مشاركة الرجال تبقى معركة إيقاف العنف الممارس ضد النساء دون نتيجة تذكر». وأضافت «لقد قررت كافة الجمعيات النسوية الموريتانية التنسيق في إطار حركة واحدة من أجل تحقيق هدف واحد هو كسر جدار الصمت بخصوص العنف الممارس ضد النساء».

قوانين غير مجزية

وتوقفت حركة النساء الموريتانيات لترقية حقوق المرأة مطولا أمام النقص الكبير في ترسانة القوانين الخاصة بالمرأة وحمايتها ضد التحرش والعنف، كما أكدت «وجود تقصير كبير في تطبيق المعاهدات الدولية الخاصة بالمرأة والتي انضمت إليها موريتانيا في السابق». ونددت الحركة «بحماية مرتكبي أعمال العنف ضد النساء الذين غالبا ما يفلتون من العقاب والمساءلة القانونية». 
وطالبت الحركة «المجتمع الموريتاني بالوقوف في وجه مرتكبي جرائم العنف والاغتصاب والتحرش ضد النساء والفتيات، كما طالبت السلطات بتحمل ضحايا العنف وبالتطبيق الصارم للقانون».
وشددت الحركة على تعامل بعض القضاة مع حالات العنف والاغتصاب التي يبلغ عنها أحيانا حيث يتهم هؤلاء القضاة النساء المغتصبات بارتكاب الفاحشة بدل أن ينصفوهن من المجرمين.

كسر جدار الصمت

وأعلنت حركة النساء الموريتانيات لترقية حقوق المرأة عن توجه جديد يقضي بضم جهودها لجهود المنظمات الوطنية والدولية من أجل كسر جدار الصمت في حالات ارتكاب أعمال عنف ضد النساء.
ونددت بانعدام الأمن الملاحظ في موريتانيا وبخاصة في العاصمة نواكشوط والذي تعتبر النساء ضحاياه في المقام الأول.
وأكدت «عدم تنفيذ أي من توصيات لجنة القضاء على التمييز ضد النساء الخاصة بالحالة الموريتانية»، داعية السلطات العمومية إلى مضاعفة الجهود للوفاء بالتزامات الدولة الموريتانية للجنة القضاء على التمييز وذلك بسن ما يلزم من تشريعات وقوانين لحماية المرأة وتأمينها وضمان معاقبة ناجزة لمرتكبي جرائم العنف ضد النساء.

أرقام مقلقة

وصل انتشار الاغتصاب والعنف ضد المرأة الموريتانية لدرجة ملفتة حسب ما تؤكده إحصائيات نشرها مركز «وفا» الموريتاني المتخصص في متابعة الظاهرة.
فقد أحصى المركز خلال الفترة من 1 كانون الثاني/يناير حتى 1 ايلول/سبتمبر من السنة الماضية 77 حالة اغتصاب في العاصمة نواكشوط وحدها، مقابل 150 حالة اغتصاب خلال الفترة نفسها من عام 2014.

العنف والمستوى التعليمي

يؤكد تقرير لرابطة النساء الموريتانيات معيلات الأسر حول ظاهرة العنف ضد المرأة «أن العنف في المجتمع الموريتاني مرتبط ارتباطا وثيقا بالمستوى التعليمي، إذ كلما انخفض هذا المستوى ارتفعت نسبة التعرض للعنف الزوجي».
ويشير التقرير إلى أن «نسبة النساء الأميات اللواتي تعرضن للعنف الزوجي في حياتهن تتجاوز 46 في المئة، وتتناقص النسبة لدى اللواتي حصلن على مستوى تعليمي ابتدائي لتبلغ 30 في المئة، وكلما رفعت المرأة مستواها التعليمي، تناقصت حصتها من العنف الزوجي، حيث بلغت نسبة اللواتي تعرضن للعنف على يد أزواجهن من ذوات المستوى التعليمي الإعدادي 11 في المئة، وتبلغ النسبة 7 في المئة لدى صاحبات المستويات التعليمية الثانوية، في حين لا تتجاوز نسبة الجامعيات اللواتي يتعرضن للعنف الزوجي 1 في المئة».
وكشفت منظمة النساء الموريتانيات معيلات الأسر عن «تسجيل أكثر من 412 عملية اغتصاب خلال سنة 2010، و703 سنة 2011، فيما سُجل أكثر من 789 حالة في 2012، و797 في 2013، بينما مثلت 2014 عامًا «أسود» بالنسبة للمرأة الموريتانية، إذ شهدت حدوث أكثر من 2172 حالة اغتصاب في كافة أرجاء موريتانيا».

العاطلات ضحايا

وتؤكد منظمة معيلات الأسر في تحقيق أجرته مؤخرا حول العنف ضد المرأة «أن للمهن كذلك دورها في تصنيف حالات العنف الزوجي، حيث تؤكد إحصائية للوزارة المكلفة بشؤون المرأة إن نسبة 42 في المئة من الزوجات العاطلات عن العمل يتعرضن للعنف على يد أزواجهن، في حين تبلغ النسبة 4 في المئة فقط بين الطالبات والموظفات».
وتتجه المؤشرات نحو ارتفاع منحى العنف الزوجي، يضيف التقرير، مع طول العشرة الزوجية وارتفاع عدد أطفال الأسرة، حيث تبلغ نسبة من تعرضن للعنف على يد أزواجهن خلال العامين الأولين من الزواج 21 في المئة، وترتفع النسبة كلما طالت فترة الزواج لتبلغ 32 في المئة لدى من تتراوح فترات زواجهن ما بين 11 و14 سنة.

التبليغ غير شامل

وتؤكد دراسة لوزارة شؤون المرأة في الحكومة الموريتانية «أن العنف الزوجي ينتشر بشكل ملفت للانتباه، رغم أن عدد حالات العنف ضد المرأة التي يتم التبليغ عنها لا يعكس حجم العنف الزوجي الواقع في المجتمع، مع انتشار ظاهرة جهل الكثير من الناس بالمؤسسات الرسمية والمنظمات غير الحكومية التي تنشط في محاربة ظاهرة العنف ضد المرأة وتلاحق مرتكبيه. هذا فضلا عن أن اللجوء إلى التقاضي يعتبر في أحيان كثيرة فضيحة تعكس فشل المؤسسة الأسرية والقرابة التقليدية في معالجة القضايا الأسرية، في مجتمع محافظ، يرفض أن تخرج مشاكله من بين جدران البيت».

أسباب الانتشار

وحول أسباب انتشار ظاهرة العنف تؤكد آمنة بنت المختار من منظمة النساء الموريتانيات معيلات الأسر «أن ثمة قوميات كانت تكرم المرأة في الماضي، ولكننا اليوم في تصادم ثقافي تنتشر فيه فضائيات تجلب لنا أفكاراً أخرى وقيماً أخرى وقضايا أخرى، وفي وضع القوة الشرائية للأسرة فيه متدهورة ويتفشى فيه الانحلال الخلقي وتدهور القيم؛ كل هذا أدى إلى تطور الجريمة في موريتانيا وتطور العنف داخل الأسرة».
وتؤكد بنت المختار «أن الكثير من القضايا التي لم تكن معروفة في المجتمع العربي والتي من أبرزها العنف ضد المرأة، أصبحت موجودة، ففي القومية العربية لم يكن الرجال يضربون المرأة واليوم يوجد بكثرة رجال عرب يضربون المرأة ومنهم مثقفون ومتنورون وهذا يدعو للاستغراب».

تعطيل القانون

وحول مجهودات المنظمات غير الحكومية للحد من ظاهرة العنف تقول «نحاول أن نحد من الظاهرة، هنالك عقبات كثيرة تواجهنا، من هذه العقبات غياب تطبيق القانون. لكن أخطر من ذلك عدم وجود قانون أصلاً يجرم العنف الأسري وجريمة الإغتصاب، وبالتـــالي فإن ما يســــمى القانون الجنائي فيه مادة أو اثنــتين تتكلمان عن جريمة الإغتصاب أو القتل، ولكن ليست هنالك قوانين داخلية تحمي من العنف الأسري وضرب المرأة وعنف الشارع والعنف البوليسي».
وأضافت «تقدمت منظمتنا، بمشروع قانون يجرم أنواع العنف ضد المرأة وآخر لحماية القصر، وما زلنا ننتظر».

اغتصاب وقتل

وأشارت إلى أن عام 2013 عرف تطورًا مُريعًا في الاعتداءات ضد المرأة، وسُجلت فيه أكثر من 14 حالة تم فيها قتل الضحية بعد اغتصابها بأساليب مختلفة، في محاولة لطي صفحة الجريمة ومحو أثارها بشكل كامل، مثلما حدث مع طفلة في الثامنة من عمرها في مدينة العيون في أقصى الشرق الموريتاني، حيث أقدم مغتصبها على تقطيعها إربًا إربًا، ورميها في منزل مهجور.
وقد كشفت متابعات قامت بها بعض الهيئات العاملة في مجال حقوق الإنسان، عن أن معظم ضحايا جريمة الاغتصاب قاصرات لم تتجاوز أعمارهن الثامنة عشرة، وينحدرن في الغالب من أوساط اجتماعية فقيرة.

الإفلات من العقوبة

واعتبر بعض المتابعين أن أبرز الأسباب التي ساهمت في استفحال «ظاهرة» الاغتصاب في موريتانيا، هو «غياب تطبيق القانون، وإفلات المجرم من العقاب»، بسبب القبلية والمحسوبية اللتين غالبًا ما تطبعان تسوية هذا النوع من القضايا، ما يوفر للجاني حضنًا يلجأ إليه عند الاقتضاء، دون أن تأخذ العدالة مجراها بهذا الخصوص، فضلًا عما اعتبرته الناشطة الحقوقية آمنة المختار «وقوف القضاء إلى جانب الجاني»، وتحميله المرأةَ المسؤولية الكاملة عما يحدث، «بسبب زينتها حينًا، ولباسها وهيئتها في أحايين أخرى».

ظاهرة معقدة ومتشابكة

تؤكد هذه المعطيات مجتمعة أن العنف ضد المرأة الموريتانية يتطور بشكل مخيف سنة أخرى.
ومهما تعددت الآراء في تفسير هذه الظاهرة، فلا يمكن النظر إليها من زاوية واحدة، لأن الظاهرة معقدة ومتشابكة الأمر الذي يتطلب الوقوف على مختلف المتغيرات المرتبطة بها، والمؤثرة فيها. كالأساليب التربوية وصياغة مفاهيم تعزز مكانة كل فرد في الحياة الاجتماعية سواء كان ذكرا أو أنثى، مع نشر ثقافة السلم والأخوة والرأفة بين الأفراد حتى تساهم المرأة والرجل في بناء الحضارة الإنسانية في ظل الاستقرار والسلم.

عبدالله مولود