مسيرة المنتدى .. الانتفاخ الوهمي / عبد الله الراعي

ثلاثاء, 2015-12-22 00:09

ظنوا مخطئين أن الأزقة الضيقة والحواري والأسواق المكتظة بالمتسوقين والمارة قد تسعفهم ، وتجعل الجميع يبتلع الطُّعم ويصبح في حالة خضوع لغاياتهم وأهدافهم.. منعتهم أفكارهم من التقدم في مسار الحوار الوطني ، وانشغلوا في البحث عن حلول أخرى أكثر تعقيدا من شأنها أن تجعلهم يظهروا مشتتي  الجهود ، و متناقضين  من الداخل ،ولم تكن تلك الشعارات التي رفعوها خلال مسيرة الثامن عشر من دجمبر تصلح للطبخ في فرن واحد تماما مثل مكونات المنتدى .. لقد وُلدت شعاراتهم  من ِسفاح  سياسي وفي غياب من يفكرون بعقولهم ..!

يالسراب الشعارات التي رفعوها وهم يهرولون في مسيرتهم مكبلين بأغلال نرجسيتهم العمياء..!

إن قرار قادة  المنتدى الوطني المعارض النزول للشارع كان خاطئا كليا ولم يحالفهم الحظ في اختيار شعار لتلك المسيرة  حين رفعوا شعار توفير الأمن كمظلة يتحركون تحتها لكسب العواطف المشحونة على خلفية أحداث معزولة وقعت في العاصمة خلال الأسابيع الماضية.

ذلك الشعار الذي جانب الصواب وقدم صورة مشوهة للوطن كان كافيا ليعري خطاب المنتدى وهو يحرق أوراقه بعد قرابة السنتين من الغياب التام عن الفعل السياسي على أرض الميدان.

 لقد ظهر كغريق يبحث عن طوق نجاته بعد ما حاصرته الخلافات الداخلية، وأرهقه الهروب من وجه الحوار بحجج واهية..

 إنه منطقُ الاستعراض العضلي  والانتفاخ الوهمي  ، إذ تطغى أصوات من يجيدون الصراخ و نصبح  أمام حالة مرضية  يسود فيها الغوغائيون  على أصحاب التفكير السليم ،فالحكمة هي جوهر العمل السياسي وبغيرها يكون رجل السياسية عرضة للخوض في غمار متاهة غير محسوبة النتائج .

 على كل حال لقد كان الدرس قاسيا للمتظاهرين في المنتدى  وأدركوا جيدا حجم الورطة التي وجدوا فيها أنفسهم ..

 في السياسية يجب أن تتم الهزيمة بكبرياء كما النصر، ولا يوجد لحسم الهزيمة أو النصر  سوى الحوار فالديمقراطية تفترض الاختلاف ، إذ لم يجد مفكروا السياسية حتى الآن أي وسيلة يمكن الركون إليها لتذليل العقبات وتقريب وجهات النظر سوى مختبرات  النقاش والحوار .

أما  إخواننا في المنتدى  فقد حلقوا بسرعة نحو نهايتهم السياسية واحترقوا تماما وهم يضعون العراقيل والمطبات و"الممهدات "  في وجه الحوار الوطني الذي دعا له رئيس الجمهورية مطلع 2015  وضاعت بذلك جهودهم وأفكارهم في سيل من الأوهام  والكلام المفرط .

إن العملية الديمقراطية  لا يمكن  استمرارها إلا بجود طبقة سياسية واعية  قد راجعت حساباتها وتريد قطيعة كلية مع الأحكام الاستثنائية والمراحل الانتقالية  ، بشكل يسمح للأحزاب السياسية والمجتمع المدني بالنمو وتعزيز دورهما في الحياة العامة داخل الدولة والمجتمع ، وعلى الدولة أن تبادر إلى ضمان بناء مؤسسات قوية وتسعى بكل جهدها إلى فصل السلطات وإطلاق الحريات لبناء مجتمع منسجم مع المبادئ الديمقراطية ، هذا بالنسبة لمن يؤمنون بالعملية الديمقراطية ويسعون إلى إضفاء التماسك والانسجام على مبادئهم السياسية .

لم تفلح طبقتنا السياسية ـ للأسف ـ في التكيف مع واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي وظلت لعقود من الزمن تراكم تجاربها وخبراتها من أجل بناء جدار عازل بين الشعب وطموحه في تحقيق دولة العدالة والمساواة، دولة تخطوا بكل ثبات نحو البناء والتنمية الشاملة .

 في الحقيقة نحن خاضعون لسطو نخبة من السياسيين عاجزة عن الفعل الديمقراطي الحقيقي والجوهري وتسعى بكل جهودها  إلى تكريس ديمقراطية مشوهة تحتاج في كل مرة إلى "عملية تصحيحية " وفي ظل  هذه الوضعية  سنظل نخطوا خطوة إلى الإمام وخطوتين إلى الوراء نحو مزيد من التخلف .

عبد الله الراعي