المناهضة في موريتانيا بين التعارض البراكماتي و المعارضة الوطنية / محمد حاميدو كانتى

اثنين, 2017-03-27 22:55

إما أن نتفق وإما سأطلعهم على ما يجري، هل تعتقد أنك بمفردك؟ نحن في نفس المركب، ولكنني أملك قارب نجاة، وأعرضه للبيع!

هذا هو ما عليه الحال إذا تأملتم مليا. هناك في الحقيقة مناطق مختلفة باختلاف المشارب؛ لكن منطقا بدأ منذ مدة يتغلب حتى صار جزءا من الروتين اليومي

 لأي مواطن؛ وهو السلعة الرابحة لمن يفترض فيهم أنهم النخبة – على إطلاق ذلك –
إن استغلال الفكرة هو الحرفة الأغلى ثمنا كما بات ميدانا يتنافس فيه المتنافسون.
أصحاب المذهب السفسطائي لم يفكروا قط ولم يطمحوا إلى أن ينجح منهجهم إلى هذا الحد، إلى درجة أنه صار – ضمنيا - لا يميز كاتجاه، لكنه جزء من شخصية ثقافة العصر غير محددة المعالم.
يقول أحدهم وهو بروتوغورس: "ما يبدو لي على أنه حق فهو كذلك، وما يبدو لك على أنه حق فهو كذلك" ، هذا منطق إذا نزل إلى العامة والدهماء، فسيكون ثقافة عبثية لا غير، كما هو حاصل؛ بينما لو بقي دولة بين النخبة ذات الضمير لعاد بالفائدة.
صحيح أن مسالة تحديد مفهوم المعارضة في بلادنا، تطرح صعوبة بالغة، لأن السؤال التقليدي: ما هي المعارضة؟ لا يضعنا في مواجهة معها، بقدر ما يبعدنا عنها، إذ يقدم لنا هذا السؤال وفق مقاربة خارجية، هذه مجموعة من المعاني والأفكار، هدفها هو معارضة المنطق المتغلب أيا كان.
ويذهب إلى أبعد من ذلك ليكون مذهبا للتشكيك حين تتعارض المصالح، ومذهبا للتضليل حين تتفق.
في الواقع أن هذا الأمر يضع العامة في حيرة مزمنة، تبعدها بإصرار عن شأنها وهمها العام، ليكون أداة لا واعية في يد سماسرة تجار الفكرة.
هذا الأمر لا يضعنا في مواجهة الساسة فحسب، بل نكون حين نقول ذلك مجابهين لنخبة منطق القوة المتغلب بالسلاح أو بالمال أو هما معا.
"تبدو السفينة من بعيد صغيرة وساكنة ومن قريب كبيرة ومتحركة"، هذا القول يحمل في طياته من منطق العبثية والبساطة نفس ما يحمله من العمق والإيماء؛ ولكنه بذات المعادلة إذا نزل للدهماء، فسيكون مدعاة للترويح عن النفس مانحا بذلك فسحة لجني المال!
فانشغال الدهماء بهذا الكلام وفهمهم لمنطقه كمسلمة صاغتها التجربة، يخدعهم فيوهمهم كونهم مثقفين وأذكياء؛ فتسهل بذلك خديعتهم ويربح صاحب الفكرة مالا وجاها بالضرورة، ثم يبتسم..!
الواقع أنه لم يكن يوما تسيير شأن العامة ورعاية مصالحهم والحفاظ على كيانهم، من اختصاصهم ولا في متناول مداركهم. وهذا يعني أن دعوى إشراكهم فيه، دعوى باطلة ومغرضة، خلقت في حقيقة الأمر سوقا لاستغلال الفكرة، أباح أن أسرقك وأنت تنظر إلي راض، وعزاؤك "قد سرقه من وجهة نظري، لكن من وجهة نظره ليست كذلك، ومنطق العصر يخبرني أن أحترم وجهة نظر الآخر..". والابتسامة في هذه الحالة تحمل طابعا كتب عليه: "صنع في.."
هذا الأمر برمته يضعنا بين مطرقة الضمير وسندان لبراكماتية، وتشيخ الحيرة في ذلك. إما أن تعيش وإما أن تعزل!
السمسرة في السياسة ليست أمرا محترفا هي في حد ذاتها، لكنها لعديم الفائدة عنوان، وللنكرة مقام، فأي منطق في هذه الحالة سيحكمها غير الذي حكمها.
أنا هنا لا أقول أن الكل كذلك، لكن واقع الحال يحيل إلى أسوأ من ذلك.
صدقا حين تلد الأمة ربتها بالتأكيد ستختلط الأمور، وحين يتنافس الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، فإن اعتزال الأخيار والحكماء في صوامع أطراف المدن، نتيجة حتمية. وبذلك تتقاعس القيم والحكم، ويسود الذي ساد، يتغلب منطق الفوضى وتستعبد الضمائر، فيصير للنكرة رأي، وللمنحرف عن جنسه وجاهة، ولمن زكياه مقام. حينها سيبدو وكأنك ترى العالم بالمقلوب، لا أنت تقف على رجليك ولا أنت مستقيم على رأسك!
الحق والواجب، ليسا ميدانا لتبادل وجهات النظر، هما حقيقتان فطريتان ومسلمتان لاشية فيهما.