"مراسلون" تنفرد بنشر تفاصيل اللقاء بين العلامتين: محنض باب وابّيْنْ ولد ببانه

جمعة, 2017-03-03 13:01
محمد نافع(السبتي) بن ابين

بَيْنَ أبَوَيَّ/ محمد نافع(السبتي) بن ابين

هذا لقاء بين شيخي ووالدي أو بعبارة أخرى "بَيْنَ أبَوَيَّ".. كان الوالد ابّيْنْ قد أرسل إلى لمرابط يطلب لقاءه، فرد لمرابط بتلبية طلبه في المكان الذي يحبه، فكان منزل الوالد هو المكان المقرر.

جاء المرابط إلى المنزل حوالي الساعة الخامسة مساء يوم الجمعة الماضي (الموافق للرابع والعشرين من الشهر الثاني من عام ألفين وسبعة عشر)، قال له ابّيْن بعدما أخذا مجلسيهما: لقد فرحنا ودخل السرور إلى قلوبنا بسبب هذه الزيارة، ثم دار بينهما الحوارُ التالي:

المرابط: في أي عام كان قدومك إلى محظرة تندكسم؟

ابين: لا أذكره تحديدا، ولكنه أحد الأعوام التالية للستين، وهما قدومان الأول ابتدأت فيه قراءة الألفية، ولما عدت إلى الخيام أمسكني والدي وانقطعت مدة، ثم رجعت إلى المحظرة وواصلت قراءة ألفية ابن مالك.

لمرابط: كنت تقرؤها بالاحمرار أو بدونه؟                                                                                                                  

ابين: كنت أقرؤها بالاحمرار، وقد قابلني الشيخ بكثير من الإكرام.                

لمرابط: مثل ماذا؟                                                                                                                                                  

ابين: من ذلك أنه فتح المجال لي للانتفاع بكتبه، وكان يستقبلني صباحا بعد رجوعه من المسجد، وكان يقول لي: كل ما نحن فيه من الخير فهو ببركة جدكم صلى الله عليه وسلم.

المرابط: بم كان يشتغلُ ذلك المرابط؟ (يعني الشيخ محمد سالم بن ألما)

ابين: أما من جهة الباطن فأنت أعلمُ مني بما كان مشتغلا به، وأما من جهة الظاهر فكان يقرئ طلابه العلم.

لمرابط: إن إخبارك لي بما ترى أني أعرفه لا ينقص معرفتي به، فأحب أن تخبرني عما كان يتميزُ به ذلك الرجل على أهل زمانه من وجهة نظرك؟  

ابين: أرى أنه كان يتميز بأمرين أساسيين: أولهما محافظته على أكل الحلال، فكان يتورع عن قبول هدايا أصحاب (رگلة الحوانيت) وموظفي المخزن وكثيرين غيرهم، وبلغني أنه كان يأخذ ذلك في بعض الأحيان ويعطيه للمحتاجين.

لمرابط: وهذه الميزة لا يشاركه فيها أحد ممن تعرف؟                                                                                            

ابين: لا يشاركه فيها أحد ممن أعرف غيرَكَ، وأما الميزة الثانية فهي حضوره مع ربه في سائر الأوقات، فكأنه لا يغفل عنه وكأن الله في قلبه على الدوام.

لمرابط: كيف كانت وفاته؟                                                                 

 ابين: جئته في يوم وفاته فوجدت معه ابنه إتاه ورجلا آخر، وقد بدأ حر النهار يشتد وبين يديه كتاب للشيخ محمذن فال بن متالي اسمه "قرة العين والنسوان"، فأمرني بنظم مسألة من الكتاب حاصلها "أن الحفظ من الذنب يكون للأولياء وأصحاب الأنبياء، والحفظ هو انتفاء الذنب مع إمكان وقوعه و الفسق والإصرار لا يصحان من الولي وأما الذنب فيصح منه"، فأخذت الكتاب وذهبت به إلى أحد أمكنة التلاميذ فلم ألبث إلا يسيرا حتى جاءنا ابنه حَـيْـمِـدَّ وأخبرنا بوفاته، وقد حدثتنا خدجة أنه بعد ذهاب من كان معه قام فقاس الظل لمعرفة دخول وقت الصلاة فوجد الوقت لم يدخل بعدُ فرجع واتكأ على ظهره، ثم سقطت سبحته من يده فاقتربتْ منه ونظرتْ فإذا هو قد لحق بربه، وكان كثيرا ما يسأل ربه خفة الموت.  

وقد قرأ الوالد ابين مقدمة لمنظومة لمرابط المسماة بالمباحث، خلص في آخرها إلى أن لمرابط هو: (بقية السلف الصالح في هذه البلاد، وحامل لواء الزهد والورع في هذه الأعصار، يُنهضُ من صحبه بحاله، ويدله على الله بمقاله، فالحمد لله تعالى على وجود مثله، زادنا الله وإياه من عطائه وفضله). 

وفي آخر المجلس أنشد المرابط هذه الأبيات:                                                                

أُحِبُّكم وأحبُّ الدارَ آنِسَةً  **  منكم وأسألُ عنكُم من نأى ودنا

 قلوبُنا ائتلفتْ بالوُد فامتزجتْ **  فإن ظعنتمْ فمعنى سركم مَعَنا  

 روح هنا بعض أرواح هناك وأرْ  ** واحٌ هناكَ هي الروحُ المقيمُ هُنا    

كما أنشد وهو يخطو إلى الباب بيتي الفرزدق:

من معشر حبُّهم دينٌ وبُغضُهُمُ   **  فسقٌ وقربُهم مَنجًى ومُعتصمُ  

إن عُدَّ أهلُ التُّقى كانوا أئمتَهُمْ  **   أو قيلَ من خير أهل الأرض قيل هُمُ 

وقد شيع الوالدُ ضيفَه الكبيرَ، وفتحَ له بابَ السيارةِ، وودعه في إكبار وإكرام.