المحجّ اليهودي الفرنسي هل هو بداية التطبيع ؟ " رأي"

اثنين, 2017-02-27 18:53

باباه التراد

في بداية القرن السابع عشر دعا الكاتب الفرنسي " بييرغور " إلى إعادة تأسيس "المملكة اليهودية" على أرض الميعاد، في كتابه " استكمال النبوءات" كما طالب كاتب فرنسي آخر هو "اسحق دولابيير" في كتابه (دعوة اليهود)، بمد يد العون  ومساعدة اليهود، في العودة إلى الأرض المقدسة، ولم تقتصر تلك الأفكار على هؤلاء ، بل تعدتهم إلى كبار المفكرين الفرنسيين أمثال "جان جاك روس" وباسكال" ، وبعد ذلك امتدت تلك الأفكار إلى رجال السياسة الذين وجدوا في هذه الأفكار وسيلة للوصول إلى مآرب سياسية واقتصادية في الشرق ، كذلك نجد أن معظم رجال الأدب الفرنسي وأصحاب المصانع ينحازون في الغالب للحركة الصهيونية .

 لذلك كانت فرنسا أول من طرح فكرة إقامة دولة لليهود على أرض فلسطين ، وأكدت انها ستقوم بتأسيس هذه الدولة في ما لو نجحت حملة نابليون في الشرق ، وهذا ما يفسر تزويد فرنسا للعصابات اليهودية والصهيونية بكميات كبيرة من الأسلحة ، وتوفير مراكز التدريب قرب مرسيليا ونقل المتطوعين إلى جبهات القتال ، قبل تقسيم فسطين .

ومع أن فرنسا كانت من أبرز الدول التي صوتت على قرار التقسيم رقم 181 في 29 /11 /1948 فقد ساهمت إلى حد كبير في بناء دولة إسرائيل وزودتها بالأسلحة النووية والطائرات الحربية المتطورة ، وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة لوفيغارو الصادرة بتاريخ 07/03/2008  أن شمعون بيريز في إحدى زياراته لفرنسا عبر بوضوح عن شكره لهذا البلد على هذا الدعم العسكري السخي بقوله : (تلخص هذه الزيارة ستين سنة من تاريخ إسرائيل، لعبت فرنسا خلالها دورا مهما للغاية. جئت لأقول لها شكرا ، لدى قيام إسرائيل لعبت فرنسا دورا رياديا. بفضلها تمكنا من حيازة أسلحة للدفاع عن أنفسنا ، لا أعرف أي بلد آخر ساعد إسرائيل كما ساعدتها فرنسا).

من هنا فإن اللقاء السنوي، التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا (المحجّ اليهودي) الذي حضره نحو 700 شخص في أحد الفنادق الفخمة أصبح محطة ضرورية لكل السياسيين الفرنسيين، من اليمين ومن اليسار، حيث ينصت فيه الحضور لكلمات تمجّد سياسات إسرائيل وقياداتها، وتتسم خطبه بالكراهية والدعاية المسعورة ضد المسلمين ، ولم يتغيب عنه من القيادات السياسية الفرنسية المهمة غير ثلاثة مرشحين رئاسيين لم تُوجَّه إليهم الدعوة بسبب مواقفهم من إسرائيل ، وهو ما يفهم منه أن موريتانيا  لوكان لها موقف عدائي تجاه إسرائيل لمنع لها الحضور من ذلك (المحجّ اليهودي الفرنسي) الذي وصفته  "الجبهة الوطنية" بأنه "عشاء طائفي وتمييزي " بعد استثنائها المُزمن من حضورهذا اللقاء السنوي .

وإذا ما تأكد أن إسرائيل أصبحت لاتجامل ، بل إنها أضحت تعاقب من يقف في وجه سياساتها كما ذكرنا آنفا ، وكما هو جلي في قصتها مع السنغال التي قررت قطع العلاقات الدبلوماسية معها بشكل نهائي وذلك من أجل معاقبتها على التقدم إلى مجلس الأمن الدولي بالقرار رقم  2334 الذي يندد بالاستيطان الإسرائيلي ، فإن صورة السفيرة الموريتانية في باريس رفقة رئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية تثيرخشيتنا لأن لها ما بعدها ، وربما تعبر عن قوة العلاقة  أو تجاوزها لمرحلة السرية .

كذلك من حق الشعب الموريتاني أن يخشى من مكان هذا اللقاء لأن السياسة الفرنسية لها باع طويل في خدمة إسرائيل ، إضافة إلى ما تبذله إسرئيل تفسها من ضغوط على بلادنا .

ثم إن لقاء السفيرة الموريتانية في باريس عيشة منت امحيحم برئيس المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا فرانسيس علي هامش العشاء السنوي الذي يقيمه المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية يعد شبيها إلى حد كبير بلقاء محمد سالم ولد لكحل مع  شيمون بيريز في مدريد سنة  1995، الذي كان بداية لتطبيع علاقات موريتانيا  مع إسرائيل في تلك الفترة .

 كذلك فإن التشابه بين نظام ولد الطيع ونظام ولد عبد العزيز قد يثير الفزع هو الآخر فكلا النظامين كان في بداية حكمه عسكريا ثم تحول بقدرة قادر إلى نظام مدني يعتمد على المؤسسة السكرية ، ولايقيم وزنا للطبقة السياسية ، كذلك فإن هذين النظامين قد اهتما في بداية حكمهما بالقضيا العربية ، ومعلوم أن ولد الطايع على الأقل قد ارتد عن ذلك النهج وقام بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني .

واستثناء من ذلك التشابه ـ لحد الساعة ـ وعرفانا بالجميل فإن الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز قد حقق للشعب الموريتاني وللعرب عموما ذلك المطلب الأستراتيجي الكبير، حين قطع العلاقات مع إسرائيل في بداية  2009، لذلك كتبت في هذا الشأن مقالا تحت عنوان : (كي لا ننسى أن الجرافات الموريتانية هدمت "بيتا إسرائيليا").

ومع ذلك نتمنى أن لايذهب نظام ولد عبد العزيز لأبعد من هذا التصرف الذي قامت به السفيرة الموريتانية في باريس والذي جرح مشاعر الموريتانيين ، بل إن هذه الفعلة القبيحة ينبغي أن لا تمر دون عقاب حتى ولو تطلب الأمر إقالة وزير الخارجية والسفيرة الموريتانية في باريس، لأن الشعب الموريتاني بكل فئاته وأطيافه السياسية يرفض العلاقات مع إسرئيل ، ويعتبرها علاقات مشينة مع عدو مجرم حاقد يسعى لتمزيق وحدة العرب والمسلمين . وفي كل الأحوال إن عدتم عدنا .