لنقبض على الجمر في عصر الزيغ/ إمين بباي عمّار (مقال مناهض لدعوة العلمنة موريتانيا)

سبت, 2017-02-25 20:27

باحثة الدراسات العليا المعمقة . جامعة بن طفيل المملكة المغربية. الدراسات الإسلامية.

طالما تترس دعاة"التنوير"خلف حجرات "مارك"ونادوا أن أقيموا العلمانية شرعة في هذه الربوع!!!!
تقاعسنا نحن عن المطالبة بتطبيق شرع الله في أرض الله فتجاسروا هم وأعلنوها بكل وضوح"نريد موريتانيا علمانية"!
استفزاز آخر لمشاعر هذا الشعب ووقاحة جديدة  تنضاف إلى سجلهم الزاخــر بالتفاهة والتناقض...
     امقت لغة الإساءة والكلمات النابية،إلا أن السموم المبثوثة من ثقوب الإلحاد في هذا "المنكب"تفقد المرء اعصابه وأسلوبه الهادئ فى الحوار.

       لاشك أن الدعوة إلى علمنة بلادنا أمر يدعو إلى السخرية...،فالذين تبنوا هذه الدعوة يعيشون انفصاما ذاتياً وانعزالا عن المجتمع وعقم في الطرح وضبابية في الرؤية.. فالمطالبة بعلمانية موريتانيا تشبه المطالبة بدينية فرنسا 
ألا يعتبر ذلك جرما في حق الشعب الفرنسي يابني علمان؟؟
ستجيبون بنعم حينها نقول لكم نفس الشيء ينطبق علينا فالمطالبة بعلمانيتنا يعد جرما بكل المقاييس، لعقد النقص والاستلاب الحضاري دور كبير في بلورة أفكار هؤلاء ، فعقولهم المصفدة بأغلال التبعية وانتماءهم لأمة تعيش على هامش الحضارة بعد أن تربعت على عرشها يوماً هو ما جعلهم في لحظة تجن على معتقداتنا يحاولون إسقاط واقع لا يمت لنا بصلة،حيث تجدهم مثلاً يستخدمون مصطلحات مثل:"السلطة الكهنوتية""رجال الدين""صكوك الغفران" فتاخذك هذه المصطلحات في رحلة عبر الماضي وتحديداً إلى احداث الثورة الفرنسية والحرب الضروس بين الكنيسة والعلماء وما أعقب ذلك من هدم لسلطان الكنيسة،حيث كانت فرنسا أول جمهورية لا دينية في تاريخ أوروبا المسيحية،فأقرت بان الحكم باسم الشعب وليس باسم الله،فالعلمانية في أوروبا جاءت كردة فعل على ما كانت تقوم به الكنيسة من فظائع ضد الشعوب،فكانت محاكم التفتيش جحيما حقيقياً ،حيث خصصت سجونا تحت الأرض لتقطيع أشلاء خصوم الكنيسة وقرض لحومهم بالمقراض وتكسير عظامهم..،فكان من الضروري ان يثور الناس في وجه الظلم والتنكيل ومصادرة الآراء،ومن العوامل التي عجلت في أفول نجم الكنسية في أوروبا المواجهة العنيفة بين العلماء والكنيسة حيث قامت الأخيرة باطهادهم وحرق كتبهم وتحريم نظرياتهم،ويعتبر كتاب"دوران الأفلاك"ونظرية اسحق انيوتن التى أحدثت انفجارا معرفيا هائلاً أرسى قواعد العلم الحديث،حيث توصلت إلى قوانين الحركة الثلاثية الشهيرة وكذلك قانون الجاذبية أهم محطات الصراع بين الكنيسة والعلماء..
    لست هنا بصدد البحث في الأرشيف الكنسي والمر الذي تجرعته أوروبا على يد السلطة الكهنوتية..فما يهمني في هذا المقال هو سبر أغوار تناقضات العلماني"المنكبي"ونقده للمقدس وانتهاكه للقيم الدينية والأخلاقية في هذا الوطن المفطور على الدين منذ النشأة وحتى اليوم.
فأين وجدتم وجه الشبه بيننا وبينهم؟؟إذ لا توجد عندنا سلطة كهنوتية ولا نوزع صكوك الغفران ولا محاكم التفتيش ولا شعب يريد الحكم بغير ما انزل الله..كما أن العلمانيين عندنا"خائبين"فلاهم تميزوا في العلوم التجريبية وقدموا نظريات في المحافل العلمية يخلدون بها اسم بلدهم ولاهم ابدعوا في حقل العلوم الإنسانية..اللهم إلا إذا كانوا يخشون على نظرياتهم من"محاكم التفتيش"فمن توهم ضرورة علمنة موريتانيا يمكنه أن يتخيل أنه صاحب نظرية"النسبية"
الشيء الوحيد الذي يجيده هؤلاء هو جرح هذا الشعب بالتطاول على مقدساته،فما إن يحتسي أحدهم قهوته خارج الديار ويتصفح"واشنطن بوست"او"نييورك تايمز"او الإندبندنت"ويتبطأ ذراع شقراء(مشيونةالسعد)حتى تتقد في ذهنه الجرأة على نقد الثوابت الدينية،كما فعل الشاب ولد عبد العزيز الذي بات ينظر للإلحاد الوقح تأثرا بريتشارد دوكنز وسخريته للاذعة من الأديان،بل إنه صار يجمع ملاحدة العالم الإسلامي حوله في خطوات شبيهة لما قام به عالم الرياضيات المصري الملحد اسماعيل ادهم الذي مات منتحرا في اربعينيات القرن الماضي. ربما يقول لي أحدهم لماذا لا تفرقين بين العلمانية والإلحاد،فأجيبه باختصار أن الفرق هو أن:الملحد يرفض وجود الله تعالى والعلماني يرفض الحكم بما أنزل الله،ونجد أن أغلب حالات الإلحاد والعلمنة في المنتبذ القصي غالبا ما تكون للفت النظر أو الانبهار ببهرج الحضارة المادية،فالشخصية البدوية الكامنة في نفوس بعض "الدخن"سرعان ما تتحطم معتقداتها أمام صخرة جبروت الطغيان المادي،كما أن الانبهار بالأنماط الفكرية و الفلسفية غير المألوفة يولد عندهم حالة من النهم الشرس لكل نتاج ترتفع عند صاحبه نسبة التمرد على "الله"
    ومن الأمثلة على ذلك أن تجد بعضهم يؤمن بالفلسفة الوضعية للفرنسي"اغوست كونت"وترتفع عنده نبرة الإعجاب وهو يردد شعارها الشائع"ما لا يمكن رصده لا وجود له"ويجهل هذا المنسلخ من دينه في غمرة انبهاره بفلسفة كونت أن أكبر منظر لها وهو "سير آير"اكد في خمسينيات القرن الماضي فناء"الوضعية"بسبب تناقضاتها وعبر عن حسرته لما ضاع من وقته في التنظير لها!!

     في ذلك الوقت لم يكن في أرض المنارة والرباط من يساوره شك في وجود "الله"
ثنائية الجهل والانبهار الأعمى قادتهم للإيمان بفلسفة ماتت قبل أن يهبهم"الخالق"نعمة الحياة والفكر...!!
        وتجد رهطا منهم في رحلة بحثه عن مظان ركائز الإلحاد يستدعي فلسفة"بول سارتر"ليدعم بها معتقداته المتناثرة ككومة أوراق في وجه رياح عاتية،وتعد الوجودية من أكثر الفلسفات الإلحادية تدميرا للأخلاق والقيم الإنسانية الفاضلة...
       وللمارد الماركسي في هذه الربوع السبق في نشر رذيلة الإلحاد والترويج لها..،وإذا كانت الوضعية والوجودية وغيرها من الفلسفات الإلحادية التى لا يسعنا الوقت للبسط فيها ظلت محصورة جدا ولا تكاد تبين ،فإن الأمر يبدو مختلفاً بالنسبة للشيوعية ،حيث أن غالبية من يخرجون من جحورهم الإلحادية حاليا ويعلنوا مروقهم من الدين هم من اليسار،ولا اعمم هنا فمن شيوخ اليسار من لا يقبل المزايدة عليه في التمسك بعقيدته الإسلامية ..،إلا أن هذا لا ينفي أن للماركسية الأثر الواضح في المشهد الإلحادي الحالي،وتعتبر الشيوعية من أكثر الفلسفات الإلحادية انتشارا وشيوعا في العالم حيث حكمت الأيديولوجيا الشيوعية العديد من الدول من بينها دول عظمى كروسيا والصين إضافة إلى سيطرتها على أوروبا الشرقية وكوبا...وقد انتشر الفكر الماركسي في العالم كانتشار النار في الهشيم ووجد صداه الكبير لدى الطبقات المهمشة،حيث دغدغت الشعارات الماركسية عواطف الفئات المضطهدة الحالمة ببزوغ فجر الحرية فانساقت خلف الشعارات التى نادت بها الماركسية كالحرية والاشتراكية ومناهضة الدين باعتباره خدعة كبرى اختلقته البرجوازية للسيطرة على عقول العوام ونهب ثرواتهم...

ترى ماذا قدمت الشيوعية للعالم؟
ولماذا تحولت شعاراتها إلى حجج للقتل الممنهج ؟؟ أسئلة لا تروق لمنكبي معتكف على دراسة كتب ماركس ومتحمس لتفسيره للتاريخ!.

 

يتواصل...

في مقال لاحق نستكمل رحلتنا لنجيب على بعض التساؤلات.