أسعار خام الحديد تكسر حاجز 100 دولار .. والمختصون: الارتفاع وقتي ( تقرير)

أربعاء, 2017-02-15 17:47

الاقتصادية : بخلاف التوقعات التي سادت الأسواق بأن تشهد أسعار خام الحديد تراجعا ملحوظا، بعد انتهاء احتفالات الصين برأس السنة الصينية، وذلك نتيجة الكميات المتراكمة من الخام في موانئها، ها هي الأسعار تحطم كل التوقعات وتسير في الاتجاه المعاكس.
فقد ارتفعت أسعار خام الحديد في البورصات العالمية إلى أعلى مستوى لها منذ شهر أيلول (سبتمبر) 2014، لتصل الآن إلى حدود 86.62 دولار للطن، بل قفزت الأسعار في بورصة شنغهاي إلى مستويات خيالية، فبعد أن بلغت يوم الجمعة الماضي 100 دولار للطن، كسرت أمس، حاجز المائة دولار لتصل إلى 101.50 دولار.
ويأتي هذا الارتفاع على النقيض التام من توقعات مؤسسات دولية كبيرة مثل بلومبيرج بأن الربع الأول من العام الجاري سيشهد انخفاضا ملموسا في أسعار خام الحديد.
فقبل شهر تقريبا بلغ سعر الطن 77.73 دولار للطن، وتوقع الخبراء حينها بأن السوق ستعاني تراجعا حادا في الأسعار، وأن سعر الطن لن يتجاوز 60 دولارا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الربع الحالي في أفضل الأحوال.
وارتفع خام الحديد بنحو 11.5 دولار للطن منذ ذلك الوقت، ولم ينخفض عن 80 دولارا للطن منذ الحادي عشر من كانون الثاني (يناير) الماضي.
ويدفع هذا الوضع ببعض المختصين إلى التكهن بأن المتوسط السعري في الربع الأول من عام 2017 سيراوح بين 72 دولارا للطن في حده الأدنى ولربما يتجاوز قليلا حاجز 80 دولارا كحد أعلى.
ورغم تلك الأسعار الجيدة،إلا أن بعض الشركات البرازيلية المنتجة تنعتها بالمتشائمة، وتصل في تفاؤلها إلى حدود 97 دولارا للطن بحلول شهر أيار (مايو) المقبل.
لكن تلك النبرة التفاؤلية لا تجد أصداء لها في بورصة لندن.
ويشك ريتشارد إلتون المحلل المالي في البورصة والخبير في مجال المضاربة على المعادن في أن تشهد الأسعار المزيد من الارتفاع مستقبلا، ويعتقد أن العوامل التي دفعت بالأسعار إلى الصعود عوامل وقتية، لا يمكن التعويل عليها في المدى الطويل.
ويفسر لـ"الاقتصادية" قناعته تلك قائلا " في أوائل عام 2011 وصل سعر الخام 190 دولارا للطن، ولكنه لسنوات تالية أخذ في التراجع ليصل إلى 40 دولارا في أوائل عام 2016، ومثل ذلك كارثة لبعض الشركات المنتجة مثل شركة Vale التي خسرت نحو 90 في المائة من قيمة السهم الواحد خلال الفترة من منتصف 2011 إلى كانون الثاني (يناير) 2016، ولكن الأوضاع أخذت في التحسن خلال العام الماضي وبعض الشركات المنتجة ارتفعت قيمة السهم الواحد في بورصة لندن بنحو 38 في المائة"
ويؤكد أن الأسعار ترتفع الآن بفضل الطلب الصيني، فالصين تنتج 50 في المائة من الصلب في العالم، وباقي أقطار المعمورة تنتج النصف الباقي، وعلى الرغم من تفاؤل الشركات المنتجة حاليا، إلا أن هذا يجب ألا يجعل الجميع يتجاهلون أن الزيادة الحادثة يمكن ألا تدوم طويلا.
وأضاف "مصانع الصلب الصينية امتلأت مخازنها بخام الحديد، قبل التوجه إلى عطلة السنة الصينية، التي تبلغ مدتها أسبوعا، ومع انتهاء العطلة عادت المصانع للعمل بكامل طاقتها لتعويض فترة الأعياد، ومن ثم سحبت من الاحتياطي وقامت بطلب كميات أخرى للمستقبل، وهذا ما أدى إلى الارتفاع الذي نشهده الآن، كما أن الانخفاض النسبي في أسعار الفحم دفع بالشركات المنتجة للصلب إلى توجيه الفوائض المالية الناجمة عن انخفاض أسعار الفحم إلى الطلب على خام الحديد، خشية ارتفاع الأسعار مستقبلا، تلك العوامل أدت إلى ارتفاع ملحوظ في الأسعار خلال الأسابيع الماضية، لكن إلى أي مدى يمكن أن تدوم تلك العوامل هذا أمر مشكوك فيه".
ويتوقع ريتشارد أن يجذب الارتفاع الراهن في الأسعار مزيدا من المستثمرين ويدفع إلى زيادة الإنتاج ما سيؤدي إلى انخفاض سعر الطن بحلول النصف الثاني من العام الجاري حيث من المرجح أن يصل إلى 55 دولارا للطن في الربع الأخير من العام.
تلك النبرة القلقة لا تنفي وجود عوامل أخرى أسهمت في الارتفاع السعري الراهن. فالحكومة الصينية قررت استثمار ما قيمته 145.30 مليار دولار على قطاع المواصلات في الأقاليم الغربية التي لا تزال تعاني الفقر، وهذا أدى إلى طلب ملحوظ على الصلب ومن ثم زيادة طلب المصانع على خام الحديد.
ويلاحظ أن الطلب الصيني المتعاظم على خام الحديد في الوقت الحالي، تواكب مع ظاهرة أخرى مثلت أخبارا سارة للعاملين في هذا المجال.
فالرغبة الصينية في تحقيق المزيد من الكفاءة الإنتاجية، وخفض نسبة التلوث الناجمة عن مصانع الحديد والصلب، دفعت بالمنتجين الصينيين إلى زيادة طلبهم على الأنواع الأكثر جودة من الخام، وهي أنواع بطبيعة الحال ذات أثمان عالية، ومثل ذلك عاملا رئيسا في زيادة أرباح الشركات المنتجة للخام.
مارتن ايتن الباحث في شركة World Metal لا ينفي أهمية دور الطلب في رفع الأسعار منذ شهر كانون الثاني (يناير) من العام الماضي وحتى الآن، لكنه يدعو أيضا إلى الأخذ في الاعتبار الدور الذي قامت به شركات الإنتاج الكبرى (جانب العرض) من تدابير أسهمت بدور فعال في زيادة الأسعار حاليا.
ولـ"الاقتصادية" يعلق قائلا "إحدى أبرز المشاكل التي واجهت الشركات المنتجة خلال فترة انهيار الأسعار أي قبل عام 2016، كانت زيادة الإنتاج، تلك الزيادة تراجعت بشدة الآن، ولكنها لم تختف، وفي الأغلب ستعود نتيجة الزيادة الراهنة في الأسعار التي ستمثل عنصرا مشجعا للشركات، فشركة Vale ستزيد إنتاجها بنحو 10 في المائة هذا العام، ومع مرور الوقت سيتنامى الخلل بين الطلب والعرض لمصلحة العرض".
مع هذا فإن كثيرا من الخبراء لا يزالون يراهنون على أن الأسعار قد تشهد قفزات ملموسة خلال الفترة المقبلة، إذا ما التزم الرئيس الأمريكي بتعهداته بشأن تبني خطة ضخمة لإصلاح وتطوير البنية التحتية، فالخطة التي يتوقع أن تصل مخصصاتها المالية إلى نحو تريليون دولار، ستتضمن تشييد عديد من المطارات والوحدات السكنية والطرق والكباري، ما سيرفع الطلب الأمريكي على الصلب ومعه خام الحديد إلى مستويات قياسية.
بدوره، يضيف لـ"الاقتصادية" الدكتور لورنس دين أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة ليدز "أغلب التوقعات أن توجهات ترمب الاقتصادية ستسهم بشكل فعال في رفع معدلات النمو في الاقتصاد الأمريكي، ما يعني زيادة الطلب على الصلب ومعه خام الحديد بدرجة أعلى من الزيادة الناجمة فقط عن خطة إصلاح البنية التحتية، بل إذا انعكس النمو الاقتصادي الأمريكي على عدد من الاقتصادات الأخرى فإن الطلب على خام الحديد سيشهد قفزات ضخمة للغاية، وستشهد الأسعار مزيدا من الارتفاع".