لغز العلم.. / محمد سيدي محمد

اثنين, 2016-11-07 14:06
الباحث محمد سيدي محمد

مراسلون - خاص

رغم قلة متابعتي للصحافة الوطنية و ما تكتب ، فإن الجدل الدائر حول العلم الوطني فرض علي مطالعتها لأرى كيف تدور الدوائر.

كتب المختار ول داداه و سيد اعمر ول شيخنا في حكاية العلم من جانب تاريخي صرف ، يضاف إليهم آخر لم أتمكن من معرفة اسمه ، فالجريدة الألكترونية حيث وجدتُ بحثه الرائع تحت عنوان "تعرف على تاريخ و اسباب اختيار الوان العلم الموريتاني" ، نسِيتْ أن تذكُر إسمه .. أمر مؤسف حقا ، و هذا هو الرابط:

http://elghavila.info/?p=20689

كتب سيد احمد الكنتي مقالا بعنوان "قصة أسباب اختيار العلم ..... "تفاصيل" " ، و سأعرضه هنا لأنه مفيد و لو أنه بطعم السياسة ، و هذا هو رابط الجريدة:

http://mounsif.net

أما الباقي من ما قرأت فلا يتجاوز كونه رد من أجل الرد أو كلام في السياسة ، و لذلك سأتجاوزه.

لست هنا في وارد الرد على أي كان ، و إنما سأحاول أن أشارك بدوري فيما يقال عن العلم ، و لا بد من أن أبدأ من ما توقف الكل عنده و عليه ، فلم أر في الكتابات ما يتجاوز مرجعا واحدا "موريتانيا المعاصرة .. شهادات و وثائق" (صفحة 53) و إن كان يحيل إلى مراجع أخرى ، و فيه ثلاث نظريات أُولهما محلية صرفة و الثانية علم الباكستان مع تعديلات محلية  و الثالثة و هي الأكثر قبولا بين الموريتانيين تقول بنسخ جزء من شعار مدينة وهران في تلك الفترة في الجزائر و تَبَنِّيهِ كما هو ، و الأهم من كل هذا هو اتفاق النظريات الثلاث على أن الموريتانيين هم من اختاروا و قرروا للعلم شكله الحالي أيام إرهاصات الإستقلال الداخلي 1958 أو 1959 ، و إن كنت لم أجد ، لا في "موريتانيا المعاصرة .. شهادات و وثائق" ، و لا في "موريتانيا على درب التحديات" أي تاريخ يمْكِنني الرجوع إليه.

اللوحة الزرقاء في الأعلام هي إنتاج شيعي صرف بدأه الفاطميون ، و لا يختلف إثنان في أن أول من وضع الهلال و النجمة على العلم هم العثمانيون ، أما الهلال و حده فلم يعرف المؤرخون أيهما سبقت الأخرى ، الإمبراطورية العثمانية أم الإمبراطورية البيزنطية ، في حين أن البحث عن أصليهما كشعار سيذهب بنا بعيدا في إنتروبولوجيا الحضارات ، عندما كان الإنسان يبحث عن إله و يقدس الضوء و اعتبره سر الحياة ، فعُبدت الشمس و القمر و النار و النجوم و الكواكب ، ولكن لنعد قليلا عن ذلك العالم البعيد.تم إقرار شعار مدينة وهران الوارد ذكره يوم 29 مايو 1936 و تحت إشرافٍ فرنسي ، و كانت الخلفية الخضراء  مع النجمة و الهلال الذهبيين فيها تُمثل الإسلام أو المسلمين حسب التفسير.

لم يعرف الأوروبيون الأعلام الإسلامية كما عرفوها إبان حروبهم مع العثمانيين ، فأخذوا الهلال الموجود على راياتهم كرمز للمسلمين ، و لا تُشترط فيه النجمة ، فحتى العثمانيون كانت راياتهم الأولى خالية من تلك النجوم.

من ما سبق يجوز لنا أن نتساءل ما إذا كان للدول الإستعمارية دور في إشاعة أو حتى اختيار الهلال كرمز أساسي للإسلام في أعلام الدول الإسلامية الحديثة ، نعلم علم اليقين بأن فرنسا هي من وضع شعار وهران ، فهل يمكن أن تكون هي من وضع أيضا علم موريتانيا؟

بعض الصور الموريتانية الموروثة من زمن الإستعمار تبرر هذا التساؤل ، فستجد صورا بتاريخ 1955 لمجندين موريتانيين يحملون إشارات رتب الجندية مع هلال و نجمة واضحين ، و لإن كانت الصور غير ملونة ، فما عساه يكون ذلك اللون في الخلفية إن لم يكن الأخضر؟

في إحدى أقدم الصور التي وصلت إليها بتاريخ 1945 ، تَري على قلعة بئر أم أكرين الهلال و النجمة كما عرفناهم حتى اليوم.

يفسر البعض النجمة بأنها تمثل أركان الإسلام الخمسة ، و لكن النجمة في راية دولة كمال آتاتورك العلمانية لا تمثل أركان الإسلام بكل تأكيد ، أكثر تفسير وجدته منطقيا ، هو أن النجم الذي يظهر مع البدر لا بد أنه ساطع جدا ، و بهذا تمثل القوة ، التطور و الإزدهار.

شاركت كل من موريتانيا و السنغال في استفتاء 28 سبتمبر 1958 ، و استقلت كل منهما بعلمها بعد ذلك ، و كان الفرق بين العلمين مجرد و جود هلال في علم موريتانيا ، يقول المختار ول داداه رحمه الله في كتابه "موريتانيا على درب التحديات" صفحة 189 بأن موريتانيا كانت مقاطعة من مقاطعات السنغال ، فهل أخذنا علم الدولة الأم (الأخضر و النجمة) و أضفنا له مجرد ما يميزنا عنه؟ الأهم من ذلك على كل حال ، من أوحى للدولتين بهذين العلمين المتشابهين إلى حد كبير؟

يبقى عندي سؤالين لا أملك لهما جوابا ، الأول يقول المختار ول داداه في كتابه بأن الهلال و النجمة ذهبيين ، فمتى سنراهم ذهبيين؟ أما الثاني فهو لماذا كل العالم بأهلة عمودية و في حالة أو اثنتين قد تجده مائلا ، فلماذا يجلس عندنا كالقدح المنصوب؟

محمد سيد محمد 

موريتانيا المعاصرة.. شهادات و وثائق
شعار عثماني، العلم الأحمر للجيش والأخضر للخلافة
علم السنغال 1958 - 1959