"خدمة الإيمان والقرآن" لا "الكيان الموازي"

أربعاء, 2016-07-20 22:32

"خدمة الإيمان والقرآن" لا "الكيان الموازي"

محمد الأمين ولد الداه

في الساعات الأولى من ليلة 15 يوليو 2016 وقبل أن تتضح الصورة الكاملة حول المحاولة الانقلابية في تركيا أشار الرئيس التركي بأصابع الاتهام إلى ما يسميه " الكيان الموازي " و اعتبر أن هذا التمرد العسكري  يقوم به أفراد تابعين للشيخ محمد فتح الله غولن ، و على مدى الأيام التالية استأنفت الحكومة التركية و بضراوة أشد  حربا كانت قد بدأتها منذو أعوام على تيار " الخدمة " و المتعاطفين معه في الجيش و الإدارة و في دوائر بعيدة عن المشاركة في الانقلاب كالتعليم و القضاء فيما أثار مخاوف المجتمع الدولي و المهتمين بشأن الديمقراطي من اعتبار الحكومة التركية للانقلاب مبررا لاجتثاث المخالفين .

و استثارت هذه الاتهامات و هذه الحملة التحريضية التساؤل هنا في موريتانيا و في العالم العربي حول هذاه الحركة و مدى صدقية ما يلصق بها من اتهامات ، وهي مناسبة لتصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة المنتشرة عبر وسال الاعلام .

أولى هذه المغالطات هي تسمية تيار الخدمة باسم  "الكيان الموازي" وهو مصطلح قدحي أطلقته الحكومة التركية لشيطنة الانتشار الجماهيري لطلبة الأستاذ فتح الله غولن في الادارة و التعليم و القضاء و كافة مناحي الحياة  في تركيا ، و المكانة التي تحتلها حركة "الخدمة" في عمق الواقع التركي باعتبارها فعالية إنسانية ذات جذور في المجتمع، وباعتبارها نسيجا من مؤسسات ومنظمات فكرية وثقافية وإنسانية واجتماعية، متكاملة في أهدافها وأنشطتها ومناهجها.

و الخدمة هي حركة اصلاح اجتماعي تقدم أدبيات مستقاة من  فكر الأستاذ فتح الله غولن ومن تراثه الخطابي ومن التاريخ الحركي لهذا "الرجل الظاهرة" كما يعتبره العديد من المثقفين الأتراك. وأهمّ ما يلح عليه فتح الله غولن في هذه الأدبيات هو تأكيد الانتماء إلى عمق التقاليد الإسلامية التي استطاعت نسج إحدى أكبر حركات التغيير التي عرفتها الإنسانية على مدى تاريخها الطويل. فالمتأمل في خطاب الأستاذ فتح الله الإصلاحي التغييري، والمتمعن فيه سيقف على حماس عميق ورغبة واسعة، بل وعقيدة راسخة بأن التقاليد الإسلامية كما تذوقها الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعا، ومجمل المؤمنين، قادرة على تغيير العالم كله وليس تركيا ومنطقة الأناضول والعالم الإسلامي فحسب.

و يستحيل عقلا أن تلتصق تهمتي الإرهاب و تدبير الانقلاب لحركة لم تطلق خلال تاريخها الطويل طلقة واحدة و لم ترق قطرة دم واحدة ، و يستحيل عقلا و منطقا إلصاق تهمة الإرهاب بفكر الأستاذ فتح الله الذي و بحق صرف طاقات الشباب نحو بناء الذات و إعمار الحياة و حال بينهم و بين الانجراف نحو الإرهاب المتدثر بدثار"الجهاد"، فالإرهابي عند غولن "كما جاء في كتابه (روح الجهاد وحقيقته): "الإرهابي ليس مسلما والمسلم لا يمكن أن يكون إرهابيا".

فإذن تتحرك الخدمة في إطار ما يسميه المفكر فؤاد البنا "الجهاد الأبيض" و تستهلك كل طاقتها هناك ، و تنجز كل عام عددا من الفتوحات المدنية الناعمةفي جبهات التربية و التعليم ، عبر بناء ما يزيد عن ألفي مدرسة نموذجية في تركيا و في مائة و ستين دولة بالعالم، و بناء أكثر من خمس عشرة جامعة ضخمة أهمها " جامعة الفاتح" في اسطنبول ، و إيجاد المئات من المدن و المباني السكنية الجامعية بحيث يمكن القول أن هناك مليونين من الطلاب الذين يستفيدون من خدمات هذا التيار و من انقلابه  الحقيقي على فتن الجهل و الفقر و الفرقة و درئها عن أعداد كبيرة من المسلمين كل عام .

و إلى جانب الجهاد التربوي التعليمي مارس تيار الخدمة الجهاد الاعلامي عبر عشرات المجلات و عشرات من دور النشر التي تطبع ملايين النسخ من عشرات الكتب سنويا و الكثير من مواقع الأنترنت .

و من عجب أن كل ذلك تم غلقه ومصادرته منذو فترة لمجرد الخلاف مع الحزب الحاكم و يتم اليوم ركوب تهمة المحاولة الانقلابية للزج بجنود هذا العمل التربوي و الإعلامي الجبار في السجن .

و مصادرة ممتلكاتهم و التشهير بهم في مستوى من الظلم قل أن تتعرض له حركة بهذا الحجم ثم يكون ردها عليه الاحتساب و الصبر التزاما بتعاليم الاسلام و توجيهات فتح الله و تربيته حيث ظل يعلم تلاميذه بأن الرحمة تذيب جليد الحقد و يوصيهم بأن يتنفسوا محبة و يحثهم على اللين و الهوادة حيث يقول في كتابه الموازين : " الطبع اللين و الكلمة الطيبة هما مفتاح القلوب " و بسبب تلطف غولن و أبناء حركته ، و حسن ظنهم بالناس نجحوا في التغلغل في أعماق المجتمع رغم الشتاء القارس الذي عاشته تركيا في العقود الماضية و بفضل تلك الأخلاق و ذاك الصبر و هذه القيم سيجتازون بتركيا  و العالم الإسلامي هذا الصيف الساخن إلى ربيع أخضرمزهر .

أما المغالطة الثانية فهي أن السيد فتح الله غولن ملياردير تركي يعيش ببنسلفانيا في الولايات المتحدة و يدير أعماله بتركيا و العالم من قصر منيف !!

السيد محمد فتح الله غولن عالم رباني جليل صنف لدى الكثير من الجامعات و الاكادميات و مراكز البحث المتخصصة كأكثر عالم تأثيرا  بالعالم الإسلامي و يرى الكثير من المفكرين المسلمين من أمثال الدكتور محمد عمارة من مصر و المرحوم فريد الأنصاري من المغرب و الشيخ سلمان العودة من السعودية أنه المفكر الوحيد الذي اجتاز بفكره و جماعته الخط الفاصل بين النطري و التطبيقي و أسس حركة تقوم على مصالح الناس و تتصدى بفاعلية لثلاثي " الجهل ، التفرقة ، الفقر " فقد عمل فتح الله على مدى سنين طويلة على ترسيخ القيم الإسلامية السامية وعلى تزكية الأنفس بربطها بحقيقة الدين الإسلامي وصفائه ، وعمل في الوقت نفسه على إبعاد أنظار الجماهير عن كل ما هو أيديولوجي، لأن غرضه لم يكن هو تأسيس أيديولوجية دينية أو سياسية، لأنه كان -وما يزال- يعارض بكل قوة تحويل الدين والإسلام على الخصوص إلى أيديولوجية، و من الخطأ النظر إلى حركة الخدمة أو دعوة الأستاذ فتح الله كولن على أنها حركة تتحرّك ضمن أيديولوجية إسلامية تقليدية.

كان ذلك بفضل حس مرهف و حدس مؤمن أيقن معه العالم الرباني أن السياسة لعنة ماحقة و أنه حين يشتغل دعاة الإصلاح بالممارسة السياسية فإن العواقب و خيمة ففي سبيل مصالحهم السياسية سيحرقون الأخضر و يرون الحق باطلا ، و تلك لعمري هي حقيقة المشهد اليوم في العالم الإسلامي .

لقد و عيتنا و نحن في الصغر نقرأ قصة الثيران الثلاث و نستعيذ بالله من بلادة بهائم تتلهى بالعدو يفترسها في حجج و اهية وها نحن كبارا نرى في مشهد مماثل المخططات تلوى الأخرى تحاك للقضاء على كبريات الجماعات الإسلامية السنية في العالم الإسلامي واحدة بعد اخرى، و نكرر في حسرة و عجز نجح المستعمر في سياسة " فرق تسد ".