"أنا عربي لكن أدافع عن حقوق العبيد من 40 سنة"، السفير سعيد ولد همدي في مقابلة مع "مراسلون"

جمعة, 2015-08-21 09:22
الراحل محمد سعيد ولد همدي رحمه الله رفقة الزميل سيدي محمد ولد بلعمش

أجريت هذه المقابلة بداية شهر مايو 2014..

محمد سعيد ولد همدي السفير المعروف  و المثقف الموريتاني البارز ترأس مسيرة الحقوق التي دافعت عن مظالم شريحة لحراطين التقيناه في مكتبته الوارفة الظلال بمنزله بنواكشوط وحاورناه حول هذه الوثيقة التي كانت أساسا لمسيرة لحراطين وعن  ما يوجه إليه من إتهامات فكانت أجوبته على أسئلتنا  كالتالي :

«  مراسلون  » :لماذا هذه المسيرة الأخيرة المطالبة بانتزاع حقوق لحراطين ؟

السفير محمد سعيد ولد همدي : أولا لا بد من القول أن المسيرة أطلق عليها مسيرة الحقوق السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية للحراطين و تتميز بمسألتين مهمتين ، أولاهما أن المساندين لها هم  من جميع الشرائح الناطقة باللغة العربية و هناك أيضا الأقليات القومية الأخرى  بمختلف مراتبهم الاجتماعية ، ثانيا أنه تنادى لها كل الطيف السياسي المعارض و الموالي إذا فهي تحوي جميع حساسيات اللطيف الوطني و فعاليات المجتمع ، و رغم أن المسيرة كانت من أجل الدفاع عن حقوق  لحراطين إلا أنها تعتمد على وثيقة جيدة مدافعة عن حقوق الإنسان بالكامل و هذا أهم ما في هذه الوثيقة  و هي تسعى أن تكون موريتانيا مصطلحة مع نفسها و قد ذكرت المفردة في متن النص.

"مراسلون " : سعادة السفير و لكن لماذا هذا التوقيت بالذات؟

السفير محمد سعيد ولد همدي : التوقيت كان نابعا من مضي سنة على إصدار وثيقة الحقوق و لكن قبل المسيرة قمنا بعديد الاجتماعات و حتى الندوات لبلورة الأفكار  و إعداد برنامج متكامل يتضمن خارطة طريق و هنا قررت هذه المسيرة لتوضح أن هذه القضية قضية جميع الموريتانيين و هي محل اتفاق للجميع ، و هي خطوة قبل عملية تحسيس سيصل إلي مختلف الأطياف و المنظمات و الهيئات الحكومية  بما فيها رئيس الجمهورية فهي إذا كانت استكمالا لما قبلها و مقدمة لما بعدها من خلال كونها نوعا من الإعلان .

« مراسلون  » :هل حددتم آجالا بعيدة أو متوسطة لتحقيق أهداف حراككم؟

السفير محمد سعيد ولد همدي : لا ..نهائيا ، في مثل هذه الحالات لا يمكن تحديد آجال و لكن يمكن السعي إلى تحقيق الأهداف في أسرع وقت ممكن قد يتحقق ذلك في 10 سنوات أو في 5 سنوات حسب الإرادة السياسية للسلطة و حسب الإمكانيات و الضغط … و لكن الأهم الإتجاه العام للقضية بحيث يتم إنصاف شرائح المجتمع و يقضى على الجيوب الأخيرة للاسترقاق تفعيلا لتحريم القانون و الدستور للظاهرة و يجب على الإدارة أن تمارس الضغط اللازم حتى لا يبقى هناك من يعيش تحت الاسترقاق ، و أنا أكرر دائما أن الاسترقاق لم يعد على حاله حيث كانت هناك أسواق للنخاسة و يأتي القاضي و يوثق بيع العبيد،  الآن هناك حالات فقط  و لكن لا ينبغي أن يتم التقليل من شأنها لأن استعباد شخص واحد يعني أن الظاهرة ما تزال موجودة.

« مراسلون  » :لأول مرة يحمل لواء « الحراطين  » و لا يحمل لواء  » العبيد  » ، هل هذا تطور في مسيرة نيل الحقوق بحيث أنه استرجعت حقوق و الظروف تدعو إلي استكمال ما تبقى؟

السفير محمد سعيد ولد همدي : لا .. هناك الأمرين معا ..، و لكن لعل القائمين على المسيرة و الوثيقة أرادوا أن يجملوا الصنفين بحيث أن قضية لحراطين تجمع الجميع ، بحيث لم ينسوا المسترقين أو من يتعرضون لشيء يشبه ذلك الذين دونت لهم أول وثيقة عام 1978 .

« مراسلون  » : غاب عن هذه المسيرة الزعيم التاريخي للقضية الرئيس مسعود و و غاب عنها أيضا رئيس حركة « إيرا » بيرام  ، فما رأيكم في تغيب هؤلاء  و هل هو يقلل من حجمها ؟

السفير محمد سعيد ولد همدي : يقلل من حجمها ؟ ..لا أعرف .. و لكن ربما هذه المسيرة  هي الأولى من نوعها من حيث الحجم و النوع و الشعارات ..و لكن مواقف كل طرف حر فيها و كل شخص لديه أسبابه الخاصة و حينما تجد الغائب يمكن أن يجيبك

« مراسلون » : وجهت في الآونة الأخيرة بعد ترأسكم للمسيرة عدد من الاتهامات لشخصكم ، منها أن والدكم المرحوم همدي كان يملك عبيدا و منها أنكم دبلوماسي و شخص أرستقراطي يمكن أن يوصف بهذا الوصف .و الآن أصبحتم تنادون بحقوق العبيد و العبيد السابقين و هذه الشرائح الضعيفة

السفير محمد سعيد ولد همدي : هذا صحيح ….

« مراسلون » : كيف توفقون بين هذه التناقضات ؟

السفير محمد سعيد ولد همدي : أولا المرحوم همدي إبن زمنه ، وقد ولد 1899 في شنقيط و نشأ مدللا و صعد إلي قمة هرم إحدى القبائل التي لا ينتمي إليها أبوه و إن كانت أمه منها ، و كان يملك الكثير من العبيد و هذه وشاية عن همدي أقولها أنا ل »مراسلون  » ههه و لكن في الحقيقة همدي لم يشتر عبدا واحدا لم يطالبه بذلك و قد عرف بالرحمة و كان يقوم بتحرير أعداد منهم في كل مناسبات الأعياد ، و كان أيضا يسجلهم في الضمان الإجتماعي و كان يقسم الأراضي عليهم ، لكن ذلك لا يبرر استرقاق الآخرين فهذا الاسترقاق مرفوض من الناحية الإنسانية من جهة أخرى فعلا أنا كنت دبلوماسي لكني أعددت أول وثيقة عن ضرورة تمثيل الأرقاء السابقين في حزب الشعب كان ذلك سنة 1972 و هي موجودة عندي و يمكن أن أزودكم بها و كتبت أيضا مقالا مطولا عن حقوقهم عام 1984 و أنا أول من نادى بحقوق « لمعلمين « حيث قدمت منذ سنوات محاضرة عن حقوقهم .

« مراسلون  » :في الوثيقة مطالب في شكل إحصائيات تتعلق بنصيب فئة « لحراطين  » من مناصب مختلفة « وزارية  » و  » عسكرية  » ….. ، كيف تنظرون إلي مثل هذا التقسيم الإحصائي على أساس فئوي؟

السفير محمد سعيد ولد همدي : في الحقيقة ، أعتقد أنه قيم بذلك فقط لإبراز الملاحظة و لكن أنا لا أرى أن تقسيما يجب أن يكون على أساس فئوي و هذا رأي شخصي و لكن  بالمقابل يجب أن تعطى الفرص على أساس عادل ، و هناك موضوع آخر هو أنه يجب إنصاف الشرائح الموجودة في مدن الصفيح من عبيد سابقين وزوايا و عرب « حاملي السلاح « و  من شرفاء استعبدوا بحكم الواقع المعيشي و …. و غيرهم

« مراسلون  » : ما هو رأيكم في وكالة التضامن التي أنشأت الدولة بهدف التمييز الإيجابي لهذه الشرائح التي تدافعون عنها؟

السفير محمد سعيد ولد همدي : التمييز الإيجابي ؟ جيد ، أنا لدي نظرة خاصة في هذا الموضوع ، و لكن هذا ليس هو الأساسي ، الأساسي هو الإنصاف الحقيقي .. لأن التمييز يعطي صورا أخرى مثل التي تحدث في أميركا فمثلا حينما يجري تلميذان إمتحانا ما تعطي قوانين التمييز الحق للسود بالنجاح ب 7 من 20 بينما بقية الشرائح ينجحون ب 9 من 20  هذا النوع من التمييز أنا أتحفظ عليه .مع أن هناك أنواع من التمييز مفيدة بالنسبة لوكالة التضامن أنا لست ضدها لأنها خطوة إلي الأمام ، و لكن الذي نتحفظ عليه هو أن التشاور ضروري لأن إنشاء هيئة هامة مثل هذه كان يجب إشراك المعنيين بها مثل العبيد و العبيد السابقين (من العرب و من الزنوج ) و حتى البيض المدافعين عن حقوق العبيد

« مراسلون  » : نود أن نسمع منكم نماذج من الظلم الذي تعتقدون أن لحراطين يتعرضون  له

محمد سعيد ولد همدي : المثال الأول هو توزيع المدارس فالقرى التي يوجد فيها لحراطين بالكاد يوجد فيها معلم تتناوب عليه ثلاث مستويات  بينما توجد مقابلهم قرية أخرى تحوي مدرسة متكاملة البنية و الطاقم المثال الثاني : هو توزيع الآبار حيث لا تحفر لهم آبار و هم قادرون على الزراعة و مستعدون لها بينما يكون القرية المقابلة لهم بئر إرتوازي و أحيانا يكون مغلقا االمثال الثالث : قضية الأراضي و هذه سائرة على المجتمع البيظاني و الفلاني و السوننكي حيث كانت الأراضي الزراعية ملك جماعي فاستأثر بها الأسياد مدعين أنها لهم فقط و ليس للعبيد السابقين حظ فيها.

« مراسلون  » هل تعتبرون أن للحراطين هوية مستقلة عن هوية « البيظان « 

السفير محمد سعيد ولد همدي :. أنا لا أرى أن هنالك من يحدد هوية لحراطين أو البيظان فهوية « لحراطين  » هم من يحق لهم أن يحددوها  و لا يحق لمنظمات تحوي شرائح أخرى أن تحدد هويتهم ، أنا أعتبر نفسي عربيا و لكن كل شخص يختار هويته و أنا أدافع عن لحراطين الذي لا يرون أنفسهم عربا ، هذا موضوع مطاط و لا يوجد اتفاق عليه.

« مراسلون  » : أنتم تعيشون حالة تقاعد فهل نذرتم ما تبقى من العمر للنضال من أجل حقوق لحراطين ؟

السفير محمد سعيد ولد همدي : في الحقيقة أنا أعتقد أني مجند ضد جميع أنواع الظلم لأني أعتبر الظلم مرفوضا دينيا و أخلاقيا و وظنيا و لا أحبه على الإطلاق ، و مع ذلك فلدي أمور شخصية ..و لكن أعتبر أنه من الضروري أن لا نترك ميراثا سيئا خلفنا .

أعتقد أن الإنصاف هو الذي يحل المشكلة بعيد عن الإحصائيات الفئوية الغير ضرورية فحينما تكون هناك عدالة تكون المحاصصة بمثابة الظلم

« مراسلون  » : شكرا صاحب السعادة

السفير محمد سعيد ولد همدي : شكرا لكم

أجرى هذا الحوار سيدي محمد ولد بلعمش مع الراحل الكبير والدنا و أستاذنا محمد سعيد ولد همدي رحمه الله