لهذه الأسباب أعجبني خطاب الرئيس بقلم/ سيدي ولد دومان

اثنين, 2016-05-16 07:07

تابعت باهتمام كبير خطاب رئيس الجمهورية في مدينة النعمة في الثالث من شهر مايو الجاري وتابعت باستغراب ودهشة ما أثير حوله من لغط وما تعرض له من تأويل وتحريف غير بريء وغير موضوعي وللأمانة فإن الخطاب أعجبني شخصيا للأسباب التالية:

على مستوى الشكل والأداء:

كان الخطاب بعيداً عن الديماغوجية والدعاية رغم الحضور الهائل والحماس بل كان صادقاً شفافاً وعفوياً والسبب في ذلك من وجهة نظري أن الرئيس كان يحدث الناس عن واقع معيش, عن أشياء يعرفونها ويرونها بالعين المجردة وعن أرقام علمية لا تقبل التأويل وكانت تلك أهم نقاط القوة لديه.

على المستوى السياسي:

ذكر الرئيس بأسس النظام الديمقراطي الذي نعيشه والمتمثلة في صون الحريات العامة (حرية التعبير – حرية التجمع ..... إلى آخره) وغياب سجناء الرأي وانطلق منها ليعلن عن نيته في إدخال تحسين جوهري يصب في مصلحة المواطنين ويشكل رافعة قوية للتنمية الشاملة والمتوازنة في مختلف جهات الوطن.

ويتمثل هذا التحسين في إلغاء مجلس الشيوخ واستحداث مجالس جهوية ينتخبها المواطنون على مستوى الجهات وتكون مسئولة أمامهم وتقوم على تنمية الولايات وتسيير نصيبها من الثروة الوطنية واعتقد جازماً أن هذا المستوى من اللامركزية أصبح ضرورةً ملحةً للبلد في هذه المرحلة من تطوره.

ولإن كان للرئيس الحق القانوني والدستوري في الدعوة إلى استفتاء لتمرير هكذا إصلاح دون الرجوع لأيٍ كان’ فإنه آثر الدعوة إلى تشاور موسع لنقاشه قبل عرضه على الاستفتاء وذلك لعمري سلوك ديمقراطي وحضاري مسئول,

على المستوى الاقتصادي:

تناول الرئيس الحالة العامة للاقتصاد وعدد بعض المشاريع البنيوية العملاقة التي وصلت إلى مراحل متقدمة من التنفيذ وتلك التي ستنطلق قريباً. كما تناول المنجز في بعض القطاعات الحيوية بشيء من التفصيل. و كان الخطاب في هذا المحور مطمئناً وقوياً لاستناده إلى أرقام وحقائق لا تقبل الجدل.

وعلى ذكر الاقتصاد أود التنبيه إلى حقيقة في غاية الأهمية وهي أن مقاربة الرئيس في المجال الاقتصادي مقاربة فريدة ورائدة بمعنى أنها أول محاولة جادة لحل إشكالية التنمية في دولة نامية كدولتنا. والنجاح حيث فشل الآخرون عقوداً طويلةً ولتوضيح ذلك, أقول أن الرئيس تنبه مبكراً إلى حقيقة مهمة وهي أن مشكلة الدول النامية أو السائرة في طريق النمو أو المتخلفة (المصطلحات كثيرة) ليست ناتجة عن نقص في الثروات ولا عن عجز في تحقيق معدلات نمو مرتفعة بل إنها تكمن أساساً في العجز عن ترجمة النمو إلى تنمية بمعنى آخر العجز عن إيجاد ميكانيزمات لتوزيع الثروة التي تتشكل من تراكم معدلات النمو.

فلو أخذنا مجموعة من الدول التي نسميها " متقدمة " ومجموعة من تلك التي نسميها متخلفة أو نامية وقارنا معدل النمو السنوي في المجموعتين خلال العشر أو العشرين سنة الماضية لتبين لنا أن هذا المعدل أعلى في الدول النامية منه في الدول المتقدمة ولكننا سنلاحظ في المقابل أن المواطن في الدول المتقدمة أكثر سعادةً ورفاهاً من نظيره في الدول النامية والسبب هو أن الدول المتقدمة استطاعت خلق ميكانيزمات لتوزيع الثروة تجعل تحقيق معدل نمو مهما كان ضئيلاً ينعكس ايجاباً وبشكل تلقائي على حياة المواطن عبر البنى التحتية الجيدة والتغطية الصحية والتعليمية والضمان الاجتماعي ومساعدة العاطلين عن العمل وغير ذلك من البرامج الاجتماعية المختلفة..... أما في دولِـنا فإن الثروة الناتجة عن النمو تتكدس في أيدي قلة من المجتمع ما يدفع في أحسن الأحوال إلى إنفاقها في (الاستهلاك البذخي) أو تهريبها إلى المصارف الأجنبية أو محاولة تبييضها بأساليب ملتوية إلى غير ذلك من المسلكيات الضارة بالاقتصاد والمنافية للروح الوطنية.

هذا ما أدركه الرئيس مبكراً ووضع مقاربة ناجعةً من شُقين لعلاجه تجسد الشق الأول في الحرب على الفساد وحماية المال العام والثروة الوطنية. أما الشق الثاني فتجسد في إطلاق مشاريع بنيوية وبرامج تضمن استفادة المواطن من ثروة بلاده:

فبرنامج أمل على سبيل المثال وما يوفره للمواطنين من مواد أساسية بأسعار ميسرة في أماكن إقامتهم وما تقوم به وكالة التضامن من برامج وتدخلات لصالح المواطنين كلها تشكل جزءً من نصيبهم من الثروة كما أن مشاريع البنية التحتية والمرفقية والخدمية من طرق وكهرباء ومياه وتغطية صحية وتعليمية وما توفره للمواطن من سهولة التنقل ونقل المنتجات وحفظها والعلاج والتعليم أينما وُجِد تشكل هي الأخرى جزءاً من نصيبه من الثروة الوطنية.

إنها بحق تجربة رائدة تهدف إلى إيجاد طرق مبتكرة للتوزيع العادل للثروة وترجمة النمو إلى تنمية. 

(فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض)  الرعد: 17 صدق الله العظيم