البيظان يخوضون الحرب كقناصة لشدة ترشيدهم للرّصاص / الحلقة الثامنة من "تجربة ضابط فرنسي خدم في موريتانيا / 1933-1935

خميس, 17/10/2019 - 08:11

ترجمة الكاتبة : Eddehma rim - في المعارك الصحراوية، ما يهم ليس عدد القتلى في ساحة المعركة، بل السرعة التي نعود بها إلى تجمعاتنا بأكبر كم من الغنائم، إنها حرب مادية أكثر منها حربا دموية.. الغرض أساسا هو إضعاف العدو، لا القضاء عليه.. وكذلك اعترافه بالهزيمة، وبحق القوي في السيادة، أو حتى بدفع الجزية اعترافا منه بالخضوع.. الأقوى كان دوما أميرا أو قبيلة مقاتلة، أما اليوم فالأقوى هو الحكومة، شيء وهمي وغير منطقي لأناس لم يعهدوا إلى غيرهم أبدا بالحق في تصريف شؤونهم.

كثيرا ما تقتصر التدريبات والمناورات على الرماة فقط، أما "كوميات" فلا تهمهم التدريبات، لم يشاركوا قط في أي عرض عسكري، وأقل من ذلك في الجري أوالقفز، ولو أرغموا على ذلك  لهجروا الجيش، هم أناس مولعون بالحرية لم يقبلوا أن يكونوا جنودا قياسا على الآخرين، ولا يمكن الوثوق في ولائهم التام، وذلك ما تأكد بالقرائن لدى الجيش الفرنسي، فقد سبق وهجروا الجيش أو اندسوا فيه كعملاء، أوحتى هربوا منه إلى العدو بعد أن قتلوا جنودا أو ضباطا.. هذه الأسباب حالت بيننا والثقة فيهم ولذلك استجلبنا وحدات الرماة لحمايتنا.

لكن حاجة الجيش الفرنسي إلى البظان بوصفهم من يتقن معرفة الناس والمراعي والإبل، تجعلنا مضطرين إلى الاحتفاظ بهم كما هم: محاربون ورعاة، أو بالأحرى قناصة، لأنهم يخوضون الحرب كقناصة لشدة ترشيدهم للرَّصاص.

هل تثير هذا الوضعية التي تمنح الحظوة للبظان حفيظة الرماة السود؟ .. الرماة ترويضهم سهل، يكفي أن نسترضيهم بأن البظان جبناء، يهربون عند الطلقة الأولى، وأن الرماة هم من ينقذ الشرف في المعارك الصحراوية.

في المقابل لا نمنح البظان طبعا الأسلحة الأتوماتيكية، لكن نوهمهم بأنهم العرق الأسمى بالمقارنة مع الرماة.

العرب عموما غير منضبطين بطبيعتهم، وأمراء أنفسهم، لكن البظان هم الأسوأ في عدم الانضباط، لكن لديهم قدرة رهيبة على التكيف مع الأهوال القاسية بمزاج ثابت أصيل...  أدرك أحيانا كم البظان مرحون، أعرفهم فوضويين خفاف، أحيانا متكبرين، لكن لم أرهم قط يقهقهون، واستغرب من سرعة استئناسهم بالغرباء.

من أروع ما أعجبني لدى البظان أن التراتب الهرمي الاجتماعي والتفاوت الطبقي الذي يضعون له ألف اعتبار، لا يظهر أبدا في علاقاتهم البينية، يظهرون كأصدقاء من زمن بعيد، كيف لأشخاص يلتقون منذ وهلة فقط أن يكون لديهم كل هذه الأشياء ليقولوها لبعضهم البعض.

طبعا الصحراء جد كبيرة، لكن القبائل محدودة، وكل فرد على علم بأخبار بقية القبائل ولو بالسماع، كما أن مسارات الرعاة تتقاطع، والبدو في حركة مستمرة والقصص تتداول، يرتادون نفس الآبار، ويتقاسمون الولع بالسلاح والصيد والرحلات الكبرى وطعم الاستكشاف، يحفظون نفس الشعر، يغنون نفس الأغاني، يعظمون نفس الأجداد، يصلون مجتمعين لإله واحد..

  - يتبع بحول الله -

تصفح أيضا...