وقفة تأمل ../ الدكتور محمد يحيى ولد باباه

سبت, 22/07/2017 - 16:45

          قد لا نكون في حاجة كبيرة إلى المغالاة في التجريد للتأمل في محطات من تاريخنا و تاريخنا المعاصر على وجه الخصوص، و ليست المهام الرئيسية لإعادة قراءة التاريخ بالنسبة لنا الآن أكثر من أن نستنطق و نستكنه ما يمدنا به ينبوع تلك الأحداث من أفراح و أتراح تترجم أوجه واقع صيرورة تاريخنا بشكل شمولي ضمن رؤية تستقي مقوماتها من الموضوعية و الحياد اللازمين، و بدون شك فإن محرك عملية الاستكناه لمسار الأحداث، هو تلمس منجزات الإنسان الموريتاني عبر تاريخه، داخل مختلف الميادين، لكن بروح تؤمن من السقوط السلبي في أحضان ذاكرة الماضي فقط، دون التفكير أكثر في غرس التطلعات الكفيلة ببناء المستقبل و تقدم الأجيال الصاعدة.

        فما من ريبٍ في أنَّ نظرةً سريعة إلى مخزون ذاكرة ماضينا الحضاري تضعنا  لا محالة في وثوقية قارة بأننا فعلا قادرين على تشييد المستقبل بأفضل الصور الممكنة و أبهى الحلل.  فما بثته حواضرنا التاريخية من إشعاع علمي و ثقافي عم الآفاق، منذ ثلاثة عشر قرنا من الزمن، و ما أحدثه ذلك الفعل الحضاري المشهود في تشكيل خصوصيات مجتمعنا العربي الإفريقي المسلم، لكفيل بمدِّ إنساننا المعاصر بالقدرة على  التألق في بناء أسس الدولة الحديثة  بنظمها و منظوماتها التشريعية و مقوماتها على وجه العموم.  وما حطمته سواعد أبطال مقاومتنا من أساطير جبروت و قوة المستعمرين الغزاة، لكفيل أيضا، ببناء ذات وطنية تملك استعدادات لا تعرف الاستكانة في وجه للآخر، و قادرة على رسم معاني السيادة بكل شرفٍ و إِباء.   و ما يؤطر وجودنا المجتمعي من وحدة مذهبية إسلامية ذات رسوخ شامخ في الصفاء السني الوسطي المعتدل، لكفيلة هي أيضا بتجذير قيم احترام الإخاء و العدالة و التسامح.

         صور مشرقة من العطاء، نكاد لا نفكر فيها لحظة دون أن نشعر بالتعالي والعظمة دون شك، لكن نكاد لا نلبث حتى تفيض النفس بالخواطر المستفهِمة حول ما حققناه في الخمسين سنة الماضية من تاريخنا المعاصر، و وفق أي منهج كنا نبني ونشيد، وضمن أي نمط من العقليات، استهلاكية أم إنتاجية ؟  لكن سرعان ما تفيض النفس في مستوى آخر، بمشاعر الألم و الخيبة، لما أهدرناه ما طاقات وما ضاع علينا من خيرات نتيجة ترك العنان للثراء الفردي على حساب المواطن وما استشرى من فساد بات إرثا يثقل كاهل الوطن، و تئن تحت وطأته كل جهود التنمية .

       آن لنا بحق، أن نستفيق من سباتنا العميق، و نمنح المعنى الحقيقي لما يجري من إصلاحات واعدة حقا، وما يتحقق من رفع لثقل هذا الإرث الذي نهش مقدراتنا و بذر النكوص و التراجع في مسيرتنا التنموية.

      آن لنا أن نترجم القطيعة مع ممارسات الماضي في الضمير الجمعي ، و أن نؤسس لتخطيط منطقي عقلاني بعيدا عن الأحلام الهيامية اللاعقلانية، ونتفاعل مع الحاضر بالإيجابية المطلوبة، و روح  الانفتاح على الآفاق التي برزت واعدة بفضل تجاوز الكثير من قوالب و مسلكيات الفساد الهدامة.

 إن معالم النهوض بهذه الحقبة التي نعيشها من تاريخنا المعاصر، أصبحت تتمركز حول بناء جهاز مفاهيمي للمرحلة لا يتوقف عند، الثورة على الفساد،  و الإصلاحات الدستورية، و تجذير الشفافية  في الواقع الإداري للمؤسسات،  و الرفع من المستوى المعيشي للمواطن البسيط، و تثمين التراث، إلخ ...بل يتجاوز ذلك  إلى تضييق الهوة بين المواطن و رعاة شؤونه ، وتثمين التراث، و تكريس الإعلام لخدمة ديننا الإسلامي الحنيف، إلى غير ذلك مما يحمله قاموس المرحلة من مفاهيم باتت مستنداتها في الواقع مشهودة.

 

تصفح أيضا...