إيلي كوهين.. الجاسوس الذي كاد يكون رئيسا لسوريا

أربعاء, 18/09/2019 - 20:17

تتدلى جثة في ساحة المرجة خارج أسوار دمشق القديمة صباح الثامن عشر من مايو/أيار عام 1965، عليها كيس أبيض مكتوب عليه بحروف بارزة: "باسم الشعب العربي في سوريا..."، وعبارات تبين قرار المحكمة العسكرية الاستثنائية لاتخاذ حكم الإعدام بالجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين (كامل أمين ثابت). استفاق أهل دمشق ليروا تلك الجثة التي بقيت ست ساعات تتأرجح على حبل المشنقة.

 

إرهاق العمالة

 

البداية من الإسكندرية في مصر في الحي اليهودي، حيث ولد إيلي كوهين لأبوين يهوديين سوريين مهاجرين من حلب في السادس والعشرين من ديسمبر/كانون الأول 1924. شب هناك حتى درس الهندسة التي لم يكملها، تلقفته منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الإسكندرية، فانتسب إليها عام 1944، مشرفا عليه ضابط مخابرات يهودي هو إبراهام دار القادم إلى مصر لتجنيد عملاء ولمساعدة اليهود على الهجرة. أسندت للمنظمة عمليات تخريب منشآت أمريكية وبريطانية في مصر في الخمسينيات، لتوتير علاقتهما بها.

 

لم يهاجر كوهين مع أسرته إلى إسرائيل، بل واصل نشاطه مع المنظمة حتى اعتقلته السلطات المصرية بعد اكتشاف أمرها بفضيحة عرفت باسم فضيحة "لافون". ثم أفرج عنه وخرج من مصر إلى إسرائيل، لكنه عاد إليها، حيث استمرت المخابرات المصرية بمراقبته. ولما بدأ العدوان الثلاثي اعتقل ثانية وأفرج عنه، فارتحل إلى إسرائيل مرة أخرى عام 1957.

 

وهناك استلم وثائق تثبت أنه مواطن إسرائيلي وعمل في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ثم طلب الالتحاق بالموساد الذي ارتأى أن يكون الهدف سوريا.

 

لا بد من أن يُلم كوهين بسوريا وأحوالها لينجح في مهمته، فكثف دراسة تاريخ سوريا واقتصادها وحكومتها وجغرافيتها، كما علّمه أساتذة مختصون اللهجة السورية، وجمع معلومات عن الأرجنتين وتعلّم الإسبانية، ليغادر إليها عام 1961 ويؤسس في بوينس آيرس شركة استيراد وتصدير، ليعرفه المهاجرون السوريون هناك بأنه رجل أعمال سوري هاجرت عائلته من حلب إلى الإسكندرية ثم إلى الأرجنتين، ويصبح ذا شعبية بينهم باسم كامل أمين ثابت المتعصب لقوميته وبلاده، كما ولج عالم الدبلوماسية ينسج علاقات مع الدبلوماسيين السوريين هناك، ناشرا بينهم حلمه بعودته إلى بلد الأجداد.

 

في العاشر من يناير/كانون الثاني عام 1962 وصل إلى دمشق أول مرة بأوامر من المخابرات الإسرائيلية مع هوية مزورة، معرفا عن نفسه بأنه تاجر سوري يهتم بتصدير منتجات سورية إلى أوروبا، ويؤسس شركة نقليات فيها، ليبني علاقات مع القيادات السياسية والعسكرية في سوريا، بشبكة علاقات مكنته من الوصول إلى مستويات عليا في الدولة.

 

وبعد شهرين من إقامته في دمشق أرسل أول رسالة إلى إسرائيل، واستمرت رسائله ثلاث سنوات بمعدل رسالتين كل أسبوع. وبين 15 مارس/آذار و29 أغسطس/آب 1964 بعث أكثر من مئة رسالة إلى إسرائيل تحتوي معلومات عن جلسات الحكومة وأصحاب مراكز القوة في الجيش والحزب وعدد الدبابات في القنيطرة.

 

تُلاحق الاتهامات الرئيس السوري الراحل أمين الحافظ بأنه سَهل له دخوله إلى سوريا وتنمية علاقاته فيها، فقد قابله سابقا في الأرجنتين عندما كان ملحقا عسكريا فيها، لكن الحافظ ينفي ذلك في "شهادته على العصر" لأن كوهين غادر الأرجنتين قبل أن يحل الحافظ فيها.

 

بنى صداقات مهمة مع المسؤولين، وكان يسألهم عن الأسلحة وقدراتها القتالية، حتى تسنى له زيارة إحدى المناطق العسكرية القريبة من القنيطرة وشاهد مشروع تحصينات عسكرية، صورها بكاميرا دقيقة وأرسل الصور إلى إسرائيل، كما كشف مشروع تحويل مياه نهر الأردن، والذي كانت إسرائيل تخطط لتحويله للاستفادة منه في صحراء النقب. وقيل إنه كان عضو قيادة قطرية، ومستشار وزير الدفاع، حتى إنه قد يصل إلى رئاسة الجمهورية، وغيرها من المناصب التي نسبت إليه، لكنها مبالغة لا أساس لها.

 

وبينما يقيم في دمشق حاورته إذاعة دمشق على أنه مغترب شاب هاجر يافعا، وعاد إليها رجلا يملأ قلبه حب الأرض.

 

قُبض عليه في الثاني عشر من يناير/كانون الثاني 1965 بروايات مختلفة تلتقي في الأسماء نفسها ومحاور متشابهة، وصار عارا بين السوريين، إذا أراد أحدهم أن يصِم الآخر بشيء مهين يناديه "كوهين" دلالة على مكرِه وقدرته على الدسائس.

 

رأفت الهجان والمصريون

 

جاك بيتون (رفعت الجمال - رأفت الهجان) يشاهد صورة لكوهين في إسرائيل مع يهودية، ولما سألها عنه أجابته بأنه زوج أختها، وكان شاهده في سهرة خاصة يحضرها مسؤولون من الموساد، ثم رأى صوره في هضبة الجولان، فأرسل رسالة إلى مصر والتي بدورها أوصلتها إلى السوريين.

 

 

ويُروى أنه كُشف نتيجة التعاون بين المخابرات المصرية والسورية التي عرضت على المصريين صور زيارة هضبة الجولان لإطلاعهم على آخر التطورات، فعرفه المصريون وأخبروا السوريين عن حقيقته.

 

عند مرور سيارة رصد الاتصالات الخارجية التابعة للأمن السوري أمام بيت كامل أمين ثابت، ضبطت رسالة مورس من المبنى، لكنهم لم يجدوا أحدا يُشك فيه.

 

غير أن مسؤول الإشارة في الجيش محمد وداد بشير يعلم أن السفارات تبث وفق ترددات محددة، وأن البث الذي التقطته السيارة مغاير لبث السفارات، فداهم سفارات في المنطقة بإذن خاص. ورُصدت الإشارة مرة أخرى وحدد المكان بدقة فقبض عليه متلبسا محاولا أن يشرب سُمّا.

 

شكوى هندية

 

وصلت شكوى إلى الأجهزة الأمنية السورية من عاملي اللاسلكي في السفارة الهندية في حي "أبو رمّانة" عن تشويش على رسائلها عندما ترسلها إلى الهند، فاستعانت الحكومة السورية بأجهزة اتصال من الاتحاد السوفياتي التي حددت مكان صدور الإشارة.

 

التقطت شعبة المخابرات العسكرية ترددا لإرسال لاسلكي غير معروف، وتوقيته غير مسجل لدى فرع الرقابة السلكية واللاسكية في شعبة المخابرات. لم تحدد المخابرات مصدر الإشارة وماهيتها، حتى أخبرهم ضابط بوجود أجهزة متطورة في ألمانيا الغربية باستطاعتها تحديد مكان الإرسال بدقة. جُلبت الأجهزة وبدأ التعقب، فاستأجرت شعبة المخابرات شقة في البناء الذي رصدت الإشارة منه، ووضعت فيه دورية أمنية تكون مهمتها نزع القواطع الكهربائية لثوان معدودة لشقق البناء، شقة بعد شقة وكل يوم شقة أثناء البث، فحددت الشقة عندما وصلوا إلى قاطع شقة كامل أمين ثابت.

 

في اليوم التالي في وقت البث داهمت دورية من المخابرات على رأسها رئيس فرع المخابرات العقيد أحمد السويداني. أنكر ثابت وجود أي جهاز عنده، إلى أن تعثر حذاء أحد أفراد الدورية بحبل ستارة النافذة فهبطت الستارة مع حبلها، وهبط معها جهاز إرسال احتياطي مخبأ تحت سطح طاولة المكتب بحفرة فيه بمساحة درج الطاولة مخفي بمجلد أوراق فوقه.

 

 

المصدر : الجزيرة نت

تصفح أيضا...