الفن السياسي: مقابلة مع الممثل والمخرج والمنتج المصري خالد أبو النجا

جمعة, 09/08/2019 - 13:55

أجريت هذه المقابلة في سان فرانسيسكو بعد قراءة مسرحية "الغرق في القاهرة" في حزيران 2018.

إيزيس نصير: لقد شاركت في ثلاثة أفلام مع المخرج أحمد عبد الله السيد وهم "هيليوبوليس" (2009)، "ميكروفون" (2010)، و"ديكور" (2014). انتهى العمل على فيلم "ميكروفون" مع بداية الثورة المصرية في يناير 2011، وكأن الفيلم قد شعر بما ستؤول إليه الأحداث في مصر.

خالد أبو النجا: لقد بدأ العمل على فيلم "ميكروفون" كفيلم وثائقي ومن ثم غيرناه إلى فيلم روائي يعتمد على القصص التي سمعناها من فنانين/ات في الإسكندرية. لدينا جيل صاعد يبحث عن وسائل كي يمثّل في الثقافة وسط الركود السياسي الحالي. جيل بأكمله أحس أنه مهمّش مما أدى إلى خلق موسيقى وفن "أندرغراوند". بعد مرور بضعة شهور على تصوير الفيلم، كل مصر ثارت وأصبح هذا الجيل يعبّر عن صوت الثورة. بعد ثورة يناير كان الفنانون/ات يرسمون غرافيتي (كتابة على الجدران) وكانت الحكومة تدهن بالأبيض فوقها، ومن ثم غرافيتي كانت ترسم فوق الأبيض وهلمّجرا إلى أن تشكلت طبقات من التغطية!

[حورية فرغلي وخالد أبو النجا في فيلم "ديكور"]

إيزيس نصير: لقد حصل فيلم "ميكروفون" على عدة جوائز.

خالد أبو النجا: لقد تم اختيار فيلم "ميكروفون" من قبل مخرجين/ات ومنتجين/ات من العالم العربي كواحد من أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما العربية. الفيلم مركب وغير نمطي. هنالك جيل شاب من  المخرجين/ات مثل أحمد عبد الله السيد، ايتن أمين، نجوى نجار، وعلي ف. مصطفى الذين يفهمون لغة السينما العالمية ولديهم استعداد كي يجربوا طرقاً جديدة في صناعة الأفلام. لقد كان لي دور صغير في فيلم علي ف. مصطفى "من الألف إلى الباء" (2014). ممكن أن تكون للدور الصغير أهمية كبيرة بالذات إذا كان مكتوباً ومنفّذاً بمستوى عالٍ كما كانت الحال هنا. هذه الفرص تساعد على التجديد وعلى كسر "فقاعة النجومية" التي نعيش فيها، وحتى لو كنا نتعامل مع مسألة النجومية بشكل جيد فهي تبقى غير صحية للفنان/ة.

إيزيس نصير: هذه القوالب الجديدة وإعادة تركيب الأشياء مربوطة أيضاً بالمجال الاجتماعي والسياسي. فيلم "ديكور" يناقش العلاقة بين الشخصي/الجماعي، الحقيقي/الروائي، التقليدي/الحديث.

خالد أبو النجا: فيلم "ديكور" يركز على حرية الاختيار والحياة الموازية للشخصية المركزية في الفيلم مها (حورية فرغلي). مها مهندسة ديكور وتحب الأفلام القديمة بالذات كأفلام  فاتن حمامة مثل "الليلة الأخيرة" (1963) و" نهر الحب" (1960). الفيلم يعتمد على الخيارات التي تقوم بها مها. من المهم الإشارة أن شخصية فاتن حمامة في الفيلم الذي داخل الفيلم "نهر الحب"، تختار أن تكون مع حبيبها، وهي عملياً لديها خيارات أكثر من مها في فيلم "ديكور". هذا دليل على محدودية الخيارات المتاحة حالياً للنساء وبقية أفراد المجتمع. إن حرية الاختيار هي مقياس مهم لكيفية تطورالمجتمع.

[حورية فرغلي وخالد أبو النجا في فيلم "ديكور"]

إيزيس نصير: يحتوي فيلم "بائع البطاطا المجهول" (2017) على الأقل على ثلاثة مستويات للعنف التي يناقشها الفيلم. أولها أنه لم تتاح الفرصة لعمر أن يحقق حلم طفولته بإكمال تعليمه، ثانيها موته المأساوي، وأخيراً منع عرض الفيلم من قبل الرقابة في مصر.

[مشهد من فيلم "بائع البطاطا المجهول"]

خالد أبو النجا: فيلم "بائع البطاطا المجهول" هو فيلم قصير يحكي عن موت الطفل عمر خلال ثورة يناير 2011. الفيلم يستعمل أسلوب (Rotoscoping)، بالإضافة لدمج صور لقصص مصورة (comic) وقصص متحركة  ثنائية الابعاد (2D animation). كانت هنالك حاجة لرواية قصة عمر. لقد تأثر أحمد رشدي، مخرج الفيلم، بقصة عمر في خضم أحداث الثورة. يعالج الفيلم عدة طبقات للعنف تتعلق بعدم قدرة عائلة عمر على رواية ماحدث له، وكيف أن الرقابة منعت عرض الفيلم في مصر. كان من المفترض أن يتم عرض الفيلم في مهرجان دبي الدولي (2016)، ولكن تم إلغاء العرض في آخر دقيقة. من المحزن أنه لم تتح حتى الآن إمكانية عرض الفيلم على الملأ! تلقى الفيلم مؤخراً جائزة في مهرجان ميامي للأفلام القصيرة، ويتم عرضه حالياً في مهرجانات دولية أخرى. كلنا أمل أن يتم عرضه في المستقبل في مصر.

[مشهد من فيلم "بائع البطاطا المجهول"]

هنالك العديد من الأمور المتعلقة بي في الفيلم التي لم أعتقد أنها يمكن أن تحدث في الحقيقة، لكنها حدثت. عندما كنا نصور الفيلم لم أتخيل أبداً أنني سوف أترك مصر. لكن ها أنا الآن في هذا الوضع حالياً. لدى الفنانين/ات الإمكانية في بعض الأحيان أن يحسوا ويتصوّروا المستقبل. إستطاع فيلم "ميكروفون" أن يفعل هذا، إذ كان من المفترض أن يتم افتتاح عرض الفيلم في مصر في 25 يناير 2011; يوم بدء الثورة. إذا كنت صادقاً بالنسبة للقصة التي تحاول روايتها، إذاً أنت صادق بالنسبة للبيئة التي تجري فيها أحداث هذه القصة. هنالك ضرورة لرواية مثل هذه القصص. أليس من أجل هذا بدأنا الثورة؟ فيلم "بائع البطاطا المجهول" يطرح رسالة عالمية عن هذا الطفل الذي فقد حياته. من يخاف من رواية مثل هذه القصة؟ هذا يثير الكثير من الأسئلة عن الناس الموجودين/ات في مواقع السلطة حالياً، وعلاقتهم بالربيع العربي الذي مايزال في مراحل التطور.

إيزيس نصيركيف ترى إمكانيات التطور المستقبلي للربيع العربي؟

خالد أبو النجا: الشباب/الشابات في مصر هم جزء من جيل ثوري حقيقي، وهم/ن مازالوا يؤمنون بالثورة. عندما يوقفهم البوليس في محطات الميترو ويجبرهم على الكشف عن حسابات التواصل الاجتماعي على هواتفهم/ن، ستستغربين إذا عرفتِ أن لديهم في الغالب حسابين؛ أحدهما مزيف يعطونه للشرطة للفحص العشوائي والآخر الحقيقي الذي يخفونه!

[مشهد من فيلم "بائع البطاطا المجهول"]

 هذا يعطيك فكرة عن المستقبل ولماذا يخاف النظام الحاكم من هذا الجيل الصاعد ويضعه في السجن. من المهم "ألا تنخفض نغمة هذا الخطاب"، لأنك تبدأ/ئين عندها بالاختناق والموت. عمر في فيلم "بائع البطاطا المجهول" موجود في كل مكان، وقد كان يشبه حلم الثورة. طالما أن النظام الحالي يواصل شراء الوقت، هذا الجيل لن يصمت ولن يقبل بأن يقمع. الثورات الكبيرة دائماً فيها صعود وهبوط، والوضع السياسي الحالي في مصر هو "أضحوكة" كبيرة وإهانة لكل من شارك في الثورة.

إيزيس نصير: في فيلم "في شقة مصر الجديدة" (2007) هنالك تشديد على الجانب العاطفي وفي أفلامك مع داوود عبد السيد هنالك تشديد على المستوى الروحي.

[غادة عادل وخالد أبو النجا في فيلم "في شقة مصر الجديدة"]

خالد أبو النجا: في فيلم "في شقة مصر الجديدة" لمحمد خان، هنالك دقة في تصويرالشخصيات وإحساس أنك تقع في الحب لأول مرة. ينتهي الفيلم بتبادل رقم هاتف. يدفعك القدر أحياناً كي تبقى في مكان واحد حتى تحقق ما تريد. هذا الفيلم عبارة عن تذكير، نفس لهواء منعش، وبيان ضد العنف. ليس هناك الكثير من الأحداث في الفيلم لكن هناك الكثير من المشاعر. المشاعر هي اللغة الحقيقية للفن.

[صلاح عبدالله وخالد أبو النجا وشعبان عبد الرحيم في فيلم "مواطن ومخبر وحرامي"]

دوري البطولي الأول كان في فيلم "مواطن ومخبر وحرامي" (2001) لداوود عبد السيد. يكتب عبد السيد سيناريوهات أفلامه، وهذه السيناريوهات هي كالأدب حيث أنها تحتوي على الكثير من التراكم العاطفي المترقي. هنالك طبقات وقراءات مابين السطور وأبعاد روحانية للشخصيات. أنا أحب جداً قراءة سيناريوهاته. كانت شخصية سليم التي أمثلها في الفيلم تبحث عن الحقيقة إذ كان قد فقد قدرته على الكتابة. هذا كان أيضاً الحال في آخر فيلم عملته مع عبد السيد، "قدرات غير عادية" (2014). يبحث عبد السيد دائماً وبشكل معمق في الجانب الروحي للثقافة. هذا الجانب موجود لكننا لا نعرف دائماً كيف نتعامل معه. لكن عندما "تُعرّى" الشخصية، تبدأ بالبحث عن التوجيه. في فيلم "مواطن ومخبر وحرامي" نرى المقارنة بين غير المتعلم والمثقف، وكيف أن السعي لتحقيق القوة والتأثير المطلق يحطم ويلحق الخراب بالمبنى الاجتماعي. ربما كانت هذه هي إشارة تحذيرية لما هو آتٍ! في الفيلم الموسيقي "مفيش غير كدة" (2006)، من إخراج خالد الحجار، نرى كيف يتم استعمال وإساءة استخدام مواهب الجيل الصاعد في عصر الليبرالية الجديدة. هذه فقاعة براقة ومزيفة ولا بد لها أن تنفجر!

[خالد أبو النجا ومريم تامر في فيلم "قدرات غير عادية"]

إيزيس نصير: لقد كان لك أدوار في فيلم "عيون الحرامية" (2014) وفيلم "من الألف إلى الباء". هل هنالك باعتقادك سينما عربية إقليمية؟

خالد أبو النجا: في فيلم "عيون الحرامية" كان على المحتل (الإسرائيلي) أن يوافق على دخولي للضفة الغربية كي أشارك في الفيلم. بقيت في عمان، الأردن، حتى اللحظة الأخيرة بانتظار الحصول على التصريح. لدهشتي، كان للتصوير في نابلس ألفة معينة. أحسست كما لو أنني كنت في إحدى محافظات مصر التي لم أزرها من قبل. لقد أحببت فكرة العمل مع مخرجة فلسطينية (نجوى نجار)، فريق مكون من ممثلين/ات عرب، بالذات سعاد ماسي، وطاقم عمل من آيسلندا والولايات المتحدة. كان هذا مشروع عمل شجاعاً ومتفائلاً.

[خالد أبو النجا في فيلم "عيون الحرامية"]

لقد تعلمت التكلم باللهجة الفلسطينية. لكن التحدي الأساسي بالنسبة لطارق، شخصيتي في الفيلم، كان أن يجد ابنته وفي اللحظة التي وجدها، عرف أن عليه ان يتركها كي يبقيها آمنة. هذه هي معضلة معنى العيش تحت الاحتلال. طارق شخص هادئ دائم الخطاب مع ذاته. لقد قضى عشر سنوات في السجن؛ والناس الذين يقضون وقتاً بالسجن يكونون عادة أكثر هدوءاً، غير متهاونين، ويقدّرون الأشياء. الفيلم مستوحى من حادثة حقيقية وجمع عدة قصص في قصة واحدة. طارق مسيحي وكان هذا متعمّداً كي يبعد الفيلم عن التمثيل التقليدي للصراع لوكأنه فقط بين المسلمين واليهود. كان هذا تغيير بالنسبة للقصة الحقيقية التي يعتمد عليها الفيلم.

[خالد أبو النجا في فيلم "عيون الحرامية"]

توقيت عمل هذا الفيلم في فلسطين كان "منقذاً" بالنسبة لي كفنان إذ كنت قد انتهيت لتوي من العمل على تصوير شخصية متطلّبة ومعقدة لحسين في فيلم "فيلا 69" (2013). شخصية حسين استولت علي! أعتقد أنني أحببت هذه الشخصية لدرجة كبيرة لم أستطع بعدها التخلص منها بنفسي. إذ اصبحت أفكر وأتحدث مثل حسين، الأمر المثير للقلق، على أقل تقدير! لقد كنت بحاجة لمعضلة طارق وما احتاج أن يتغلب عليه كي يجد ابنته، كي أستطيع أخيراً أن أتحرر من حسين. كنت محظوظاً جداً بالحصول على هذين الدورين. إن قصصاً كهذه تعتمد على شخصية مركزية تكون مليئة عادةً بمكونات الحياة، وكانت أساسية لنضوجي الفني. أستطيع حتى القول أن طارق في "عيون الحرامية" قد أنقذني كشخص، كخالد، من مصير حسين الميؤوس منه!

إيزيس نصير: دورك في فيلم "عيون الحرامية" جاء مباشرةً بعد انتهاء تصوير فيلم أيتن أمين "فيلا 69". كيف كان إحساسك عندما قمت بأداء هذين الدورين في فترة قصيرة؟

خالد أبو النجا: كان من المفروض أن أعطي سيناريو فيلم "فيلا 69" لأخي الأكبر سيف الذي يعمل كمهندس معماري. لقد كان له دور بطولي واحد لكن ناجح يلعب فيه دور مصطفى مع فاتن حمامة في فيلم "امبراطورية ميم" (1972). كانت المخرجة أيتن أمين تبحث عن ممثل كبير بالعمر. لقد قرأت السيناريو ووقعت بحب الشخصية المركزية، حسين، وتمنيت بالسر أن تعرض علي مثل هذه السيناريوهات التي تعتمد على شخصية مركزية عندما أتقدم اكثر بالعمر. أخي عدّل بعض الأشياء وأعاد السيناريو رافضاً فرصة العمل على هذا الفيلم. وجد طاقم العمل الفيلا والممثلين/ات ماعدا حسين. من غير الممكن أن أنسى المكالمة الهاتفية التي تلقيتها من صديقي والمنتج المشارك محمد حفظي، الذي سألني إن كنت أريد إجراء اختبار مكياج. لم أحتاج للكثير من الإقناع كي ألعب دور رجل كبير بالسن، مريض، ولا أمل من شفائه. التحدي الحقيقي بالنسبة لي كان يكمن في بلورة المدى العاطفي للشخصية ومعناه في القصة.

[خالد أبو النجا في فيلم "فيلا 69"]

ان تحكي قصة حسين الرافض والمليء بالمرارة في تلك الفترة في مصر، كان، وإن لم يكن بشكل مباشر، أمراً سياسياً! كان محمد مرسي والإخوان المسلمون في الحكم وقتها، وكانوا على وشك التصويت على دستور جديد لمصر. أنا كنت سفير النوايا الحسنة للـ"يونيسيف" وطلب مني أن أشارك في لقاء عن حقوق الطفل مع أعضاء برلمان من الإخوان المسلمين. كانوا خلال هذا اللقاء إقصائيين للغاية، يصدرون قرارات عن حقوق أساسية للأطفال كما لو أنه لم يكن أحد سواهم في الغرفة، الأمر الذي جعلني أحسّ بالاختناق والموت! كان هذا التشابه مع حسين في "فيلا 69" أمراً محيّراً للعقل. حسين كان أيضاً إقصائياً للغاية ولا يأخذ بالاعتبار أي رأي مخالف لرأيه. يعتمد فيلم "فيلا 69" على شخصية مركزية لشخص مريض من غير الممكن شفائه. كان لتوقيت هذا الفيلم ورسالته أهمية كبيرة في أجواء النظام السياسي الخانق الذي عشناه وقتها. هذا ما يحدث أحياناً عندما تتعثر الصلة بالحياة. حسين قرر أن يعيش آخر أيامه في فقاعته السعيدة بين كتبه، وموسيقاه، وأصحابه الخياليين حتى جاءت أخته وحفيدها كي يسكنوا معه ويفجروا هذه الفقاعة.

[خالد أبو النجا في فيلم "فيلا 69"]

 ينتهي الفيلم بوهج مثير من الحياة على وجه حسين عندما أيقن أن تعنته يقتل الحياة وأن مساعدة الآخرين تعيد له الحياة من جديد. ينتهي الفيلم بهذا الإحساس الجديد بالأمل. رأي حسين كان دائماً الرأي الصحيح، وقد ادّعى قدسية معينة وحقيقة مطلقة لمواقفه. هذا بالضبط ما فعله الإخوان المسلمون عندما كانوا في السلطة. وهذا بدوره يؤدي إلى قتل جوهر ومعنى الحياة. أحس المصريون عندها بالاختناق وفقدوا الشعور بالنشوة والحيوية التي أحسوها بعد ثورة يناير 2011. نحن أردنا إقالة الرئيس وليس انقلاباً عسكرياً! للأسف، نظام الجنرال عبد الفتاح السيسي يعيد ترميم النظام العسكري السابق لمبارك.

إيزيس نصيرلقد مثلت مؤخراً في "الطاغية" (2016 ,Tyrant)، "الفايكنغ" (Vikings, 2017)، و"المنصب الأخير" (2017 ,The Last Post). هنالك تاريخ طويل ومعقد للتمثيل الاستشراقي للشخصيات العربية والمسلمة في الأفلام الغربية. كيف تحاول أن تتعامل مع هذه المعضلات والمحدودية في التمثيل؟

خالد أبو النجا: أول دور بطولي لي باللغة الانجليزية كان في الفيلم الروائي "واجب مدني" (Civic Duty, 2016). سيناريو الفيلم ذكي جداً ويتعلق بالذات بما تسألين. "واجب مدني" يكرّم فيلم "الشباك الخلفي" لألفريد هيتشكوك وكيف ننظر للآخر من خلال شبابيك خلفية وصور إعلامية في عقولنا. تدور احداث قصة الفيلم بعد 11 سبتمبر 2001. هنالك طرفان للقصة والجمهور غير متأكد من يصدّق. الفيلم يحثّ الجمهور كي يفكر بشكل مستقل، وحتى نهاية الفيلم نحن غير متأكدين إذا كان غيب حسن، شخصيتي في الفيلم، بريء أو إذا تيري آلان (بيتر كرواس) رأى حقيقةً هذه الأحداث الإرهابية أو أنها كانت فقط في مخيلته.

[خالد أبو النجا وبيتر كراوس في فيلم "واجب مدني"]

تاريخياً، هنالك بالطبع صور وأفكار نمطية مسبقة عن الشخصيات العربية والمسلمة في وسائل الإعلام الأمريكية. إلاّ أنّ هنالك تغييراً! عندما نراقب الخطاب في البرامج المخصصة للجمهور الإنجليزي والأمريكي، نرى خطاباً معقداً ومركباً أكثر للتاريخ الاستعماري البريطاني وبالتحديد للصراع الفلسطيني. لقد أحرزت وسائل الإعلام البريطانية تقدماً بشكل ملحوظ في التخلص من هذه الأفكار المسبقة التي حددت رؤيتهم/ن بالسابق. إن إحداث مثل هذا التغيير في الولايات المتحدة يستغرق وقتاً لكنه بادئ بالحدوث.

 

[خالد أبو النجا في مسلسل "الفايكنغ"]

 تدور أحداث القصة في "المنصب الأخير" في عدن، اليمن، وتُروى من وجهة نظر المحتل البريطاني. لقد قمت أيضاً بأداء دور أمير القيروان المتنور، زيادات الله، في الجزء الخامس من مسلسل "الفايكنغ" الذي كتبه مايكل هرست. أجرى أمير القيروان صفقات تجارية تاريخية مع الفايكينغ وهو شخصية ممتعة للغاية. أنا أحب كثيراً هذه الشخصية! لقد تحدث عدة لغات وكان أكثر ثقافةً من الفايكنغ الذين زاروا شمال أفريقيا في ذلك الوقت. أنا أعتقد أنّ العرب يصوّرون بشكل صادق في الكثير من هذه المسلسلات الغربية وأحد أسباب ذلك هو الربيع العربي والثورة ضد الركود.

[خالد أبو النجا في مسلسل "الطاغية"]

عملنا فيلماً قصيراً اسمه "القمرة المظلمة" (2015)، عن عالم عربي عاش في مصر في القرن الحادي عشر يدعى الحسن بن الهيثم حيث أسهم بشكل جدي في اختراع الكاميرا. ويأتي اسم "الكاميرا" من "القمرة المظلمة". وتصدم هذه المعلومة أصدقائي الغربيين دوماً.

إيزيس نصير: لقد أخرجت مؤخراً قراءة لمسرحية "الغرق في القاهرة".

خالد أبو النجا: كان عندنا فقط ثماني ساعات في مسرح برافا في سان فرانسيسكو لقراءة مسرحية "الغرق في القاهرة". آلمسرحية من تأليف آدم أشرف الصايغ وهو طالب مصري درس في جامعة نيويورك في أبو ظبي. لقد عملت بشكل جماعي مع الممثلين لجلب تجاربهم ومداخلاتهم العاطفية لقراءة المسرحية كمرحلة في تطوير السيناريو. القصة تعتمد على الاعتقالات المفاجئة في (Queen Boat) في القاهرة في سنة 2001. هذه الحادثة تشبه حملات مداهمة (Stonewall) في نيويورك في العام 1969. كان هنالك الكثير من النشاط المناصر في كلتا الحالتين وكان له تأثير كبير في رفع مستوى الوعي بالنسبة لقضايا المثليين/ات (LGBTQ).  لقد كانت هنالك صورة أيقونية مؤثرة في هذا السياق عندما تمّ اعتقال الشباب وهم يلبسون الثياب البيضاء حيث كانوا ينقلون من السجون الى المحاكم بتهم ملفقة "بالترويج للفجور". كانوا يغطون وجوههم بيد ويرفعون علامة النصر باليد الأخرى. كانوا يدافعون عن حقهم بأن يبقوا مجهولي الهوية وفي نفس الوقت يعدون بالنصر في قضية رأي عام مفاجئة، ملفقة، ومضطهدة.

تغطية الصحف المصرية للاعتقالات أظهرت فقط الوجوه المغطاة للمعتقلين وحذفت إشارات النصر. الشباب كانوا يجرون حفلات على متن هذه القوارب ولم يتدخل او يهتم بهم أحد لسنوات طوال حتى حدثت هذه الاعتقالات. وثّقت منظمات كالـ"يونيسيف" و"هيومان رايتس ووتش" الانتهاكات والإشهار المتعمد والممنهج لأسماء المعتقلين في الصحف المصرية، وأقل ما يمكن قوله أن هذا بحد ذاته أمر مخالف للقانون. قضية الرأي العام التي تمت إثارتها من خلال التركيز على موضوع المثلية الجنسية، أستُعملت عن عمد كي تحوّل انتباه الناس عن السياسة. لقد نشأ في هذه المرحلة حراك المثليين/ات في مصر، واضطرت السلطات في نهاية الأمر إلى إخلاء سبيل الاثنين وخمسين معتقلاً بعد قضائهم سنتين في السجن. لقد أتت هذه الحادثة بنتائج عكسية ومخزية على المستوى الدولي لنظام مبارك. كان ومازال لهذه الحادثة صدىً في ثورة يناير 2011 في ميدان التحرير. لقد اعتمدت مسرحية "الغرق في القاهرة" على وقائع حقيقية للذين اعتُقلوا في حادثة (Queen Boat) وتتابع حياة ثلاثة أصدقاء من سنة 2001 حتى سنة 2011.

إيزيس نصيرلقد عملت فيلم وثائقي عن "حوارات البصي/ اللي بيحكي مش بيموت" التي تعالج قضايا التحرش الجنسي، والعنف ضد المرأة، وأمور الجندر في المجتمع بشكل عام.

["حوارات البصي/ اللي بيحكي مش بيموت"]

خالد أبو النجا: مشروع حوارات البصي بدأ في الجامعة الأميركية في القاهرة في سنة 2005. تم إخراج المشروع من قبل طالبتين هما سندس شبايك ومنى الشيمي في العام 2010. يتبع المشروع أسلوب ألـ “Vagina Monologues” لإيف إينسلر، حيث يركز على مواضيع ممنوع الكلام عنها في المجتمع. لقد ردَّ الجمهور، وأغلبهم شباب/شابات من الجامعات، على الإعلان من قبل فريق البصي بأن يبعثوا برسائل بدون أسماء لقصص حقيقية عن مواضيع محظور التكلم فيها علناً. قام الممثلون/ات بأداء هذه القصص بأسلوب مسرحي محكي. لقد أرادوا أن يحافظوا على لغة الرسائل الأصلية بدون إجراء أية تعديلات. من هنا يأتي العنوان "اللي بيحكي مش بيموت". لقد شاركت بالمشروع في سنة 2010 حيث تمت دعوتي من قبل المنظمين/ات كي أحضر العرض في زاوية في موقف السيارات في دار الأوبرا في القاهرة. لقد وقعت بغرامهم/ن فوراً لأن هذه كانت قصصاً رائعة وحقيقية لهذا الجيل الصاعد التي لا نسمعها عادةً. لقد كانت هناك حاجة لتوثيق مثل هذه القصص، ورتبنا لتصوير فيلم يعتمد على القصص التي عُرضت في 2010. تمّ عرض الفيلم في برايتون في انجلترا وفي مهرجانات أخرى، واستعمل بالذات بهدف تجنيد الأموال للمشروع. ما زالت المجموعة ناشطة حتى اليوم. لديهم/ن الآن مكان خاص للعروض في القاهرة، وقد صاروا طليعة ثورة 2011.

إيزيس نصير: يظهر أنك تحب الأعمال الموسيقية. لقد كان لك دور في فيلم "مفيش غير كدة" وقمت مؤخراً بإخراج النسخة العربية الأولى من مسرحية أوليفر (2015).

خالد أبو النجا: المسرحية الموسيقية الأصلية "أوليفر" لليونيل بارت، التي تعتمد على كتاب "أوليفر تويست" من تأليف تشارلز ديكنز، هي مسرحية كلاسيكية مثلت فيها عندما كنت طالب مسرح في الجامعة الأميركية في القاهرة. لعبت عندها دور الشرير بيل سايكس في إنتاج جامعي طموح وناجح. مع مرور الوقت وخاصة عندما كنت سفير النوايا الحسنة للـ"يونيسيف"، بقيت أتذكر هذه المسرحية بشكل مميز لأن كل مقطع فيها يلمس حقاً من حقوق الأطفال. مع حدوث أزمة اللجوء السورية سنة 2015، أصبح لدي حلم أن أعمل نسخة عربية لهذه المسرحية الموسيقية. هذا العمل هو من أكثر الأعمال التي أفتخر بها في حياتي.

عرضت مسرحية "أوليفر" بنسختها العربية ثلاث مرات في عمان، الأردن. تعاني المدارس في الأردن من الاكتظاظ وعلى الطلاب أن يحضروا بالتناوب. الطلاب الأردنيون يحضرون إلى المدرسة في الصباح والسوريون بعد الظهر. لقد أردنا ان نعمل على دمج اللاجئين/ات السوريين وتوفير فرصة للأطفال كي يقابلوا بعضهم البعض. لقد التقيت وبطريقة ما أقنعت سير كاميرون ماكنتوش، الذي يملك حقوق الطبع لمسرحية "أوليفر"، أن يوافق على تعديل المسرحية كي تجري أحداثها في مدينة عربية في الوقت الحالي. وقد زاد بكرمه حيث كان الراعي الأساسي للعمل.

[مشهد من مسرحية "أوليفر"]

لقد كان هنالك بالتأكيد ضلع لملائكة الرحمة بإنجاز هذا العمل رغم كل العقبات البيروقراطية التي واجهناها. لقد أردنا أن يكون مستوى العمل مثل برودواي ولكن معظم الأوركسترات في المنطقة كانت محجوزة. لحسن الحظ تم إلغاء عرض لأوركسترا في بلغاريا، واستطعنا إحضار الطاقم إلى عمان. أقام قائد الفرقة الموسيقية والمخرج الموسيقي للمسرحية ناير ناجي بالتعاون مع طاقم مهني مخيماً موسيقياً مميّزاً لمئات الأطفال الذين لم يغنوا من قبل من أجل اختيار طاقم العمل المؤلف من سبعة وثلاثين طفلاً/ة. وقد صنعوا المعجزات بالعمل مع الأوركسترا في أيام تدريب معدودة. لقد أكملت زينب مبارك تعديل السيناريو وترجمة المقاطع الموسيقية من الإنجليزية للعربية في ستة أسابيع، وجاء الطاقم المهني للمغنيين/ات البالغين/ات من دار الأوبرا في القاهرة والأردن. كما ذكرت لك، كان لهذا المشروع مهام هائلة حُقّقت بأعجوبة من خلال إيمان العديد من الناس بالأطفال وبالسحر الكامن في الانضباط المسرحي.

[مشهد من مسرحية "أوليفر"]

النص الحالي للمسرحية لم يختلف عن النص الأصلي إذ أن التحديات التي يواجهها الأطفال مازالت نفسها. العروض حققت نجاحاً باهراً واستطعنا إحضار باص من مخيم الزعتري ليتمكن الأطفال اللاجئون السوريون من حضور المسرحية ومقابلة الأطفال المشاركين/ات لأنهم، ولسوء الحظ، لم يكن مسموحاً لهم/ن أن يشاركوا بالمسرحية. استغرق العمل على المشروع ثلاثة أشهر، والأطفال المشاركون/ات كانوا أردنيين وسوريين وفلسطينيين. بعض الأمهات السوريات ساعدن في خياطة ملابس التمثيل ووفرن المساعدة من وراء الكواليس. يتوجب علينا أن نعدّل رؤية حكوماتنا ومجتمعاتنا للاجئين/ات وأن نفكر فيهم كثروة بحاجة بكل بساطة للاستثمار. من المهم فهم معاناة اللاجئين/ات بالذات الأطفال والنساء، حيث انهم/ن يسمعون دائماً في الأخبار أنهم/ن عبء على المجتمع والاقتصاد وهذا بحد ذاته أمرً مرهق للغاية!

إيزيس نصير: على ماذا تعمل الآن؟

خالد أبو النجا: لدي دور في فيلم قصير اسمه "نجمة في الصحراء". لقد كتبت السيناريو الرائع  للفيلم العراقية الأمريكية ياسمين ترايحي وهو من إخراج زخاري كيرشبيرغ. يحكي الفيلم عن ولد صغير يواجه مأساة في بغداد عشية حرب الخليج الأولى، ويذهب برحلة إلى العالم السفلي حيث يندمج الواقع مع الخيال. الفيلم يركز على معاناة الأطفال خلال الحرب. المشروع الآخر الذي أعمل عليه اسمه "المسيح" وهو مسلسل درامي تلفزيوني من (Netflix) عن رجل في الشرق الأوسط يدّعي أنه المسيح المنتظر. دوري يظهر في آخر حلقة من الجزء الأول كمقدمة للجزء الثاني حيث تتطور الأمور بخصوص الاضطرابات الحالية والوضع السياسي في المنطقة.

*شكر خاص لصبا العبو التي قامت بطباعة النسخة العربية لهذه المقابلة.
المصدر  هنا

تصفح أيضا...