السفير الأذربيجاني بموريتانيا يكتب : خوجالي مأساة القرن العشرين ... ليست للنسيان

جمعة, 22/02/2019 - 18:34

في المنتصف الثاني لثمانينيات القرن العشرين تقدم الأرمن من جديد بالمزاعم الإقليمية على قراباغ الجبلية الأذربيجانية مستغلين الوضع الناشئ من اجل تنفيذ فكرة "أرمينيا الكبرى"، ذلك بمساعدة حماتهم في الخارج القريب والبعيد. كانت تطرح المزاعم الإقليمية على أراضي قراباغ كل مرة من الخارج وبتبليغ وتحريض أرمينيا وضغطها.

في عام 1988 تصاعد توتر الاوضاع حيث ادت الى العدوان المسلح على السكان الاذربيجانيين لإقليم قراباغ الجبلية. في 18 سبتمبر طرد الارمن بالقوة حوالي 15 ألف اذربيجاني في خانكندي وأحرقوا بيوتهم. وابتداء من عام 1991 ازدادت حدة التوتر في الجزء الجبلي لقراباغ.

توصف الإبادة الجماعية التي ارتكبها الأرمن في خوجالي في نهاية القرن العشرين كاحدى أبشع الجرائم المرتكبة ضد البشرية حتى الآن. ولا تختلف مأساة خوجالي عن المآسي المريعة المرتكبة في خاتين وليديتسا واورادور وهولوكوست وسونغمي ورواندا وسريبرنيتسا التي لن تنساها كلها ذاكرة التاريخ. سُجّلت تلك الأحداث البشعة في تاريخ الحروب كالإبادة الجماعية للسكان المسالمين العزل وقضت هذه الأحداث مضجع المجتمع الدولي بأسره.

كانت مدينة خوجالي باعتبارها موقعا استراتيجيا في منطقة قراباغ الجبلية لأذربيجان تمنع الأرمن من تنفيذ مخططاتهم. وكان الهدف الرئيسي للقوات المسلحة لارمينيا هو السيطرة على الطريق البري الواصل بين عسكران وخانكندي عبر خوجالي واحتلال مطار خوجالي. الى جانب ذلك، كان غرض الأرمن طمس آثار هذه المدينة القديمة في أذربيجان من على وجه الأرض. اذ ان خوجالي كانت تتميز بآثارها التاريخية والثقافية كإحدى الأراضي القديمة في أذربيجان. كانت خوجالي المأهولة حينذاك بالسكان الاذربيجانيين الذين تجاوز  عددهم 7 آلاف نسمة  ويعيشون فى أقدم بلدة.

وليلة 26 فبراير عام 1992م قامت قوات الاحتلال الأرميني بمحاصرة مدينة خوجالي بدعم من 10 دبابات و16 ناقلة مدرعة للمشاة و9 ناقلة مدرعة قتالية للمشاة و180 ضابط متخصص وعدد كبير من افراد الجنود من فوج المشاة الآلية المقاتلة رقم 366. وجعل الأرمن المدينة عاليها سافلها باقتحامها بأحدث الأسلحة. وتم تدمير المدينة تماما وأحرقت مع قتل السكان قتلا همجيا. وكان معظم القتلى مقطوعي الرؤوس ومقلوعي الأعين ومسلوخي الجلود ومحروقين أحياء وسائر أنواع التشويه قبل القتل وبعده.

ونتيجة جريمة الإبادة الجماعية هذه، لقي 613 شخصا حتفهم منهم 63 طفلا و106 امرأة و70 شيخا حسب المعطيات الرسمية. كما أن:

- 8 عائلات مقتولة تماما؛ - 56 شخصا لقوا مصرعهم جراء التعذيب؛

- 27 عائلة ما بقي لها إلا فرد واحد؛ - 25 طفلا فقدوا كلا الأبوين؛

- 130 طفل فقدوا أحد الأبوين؛ - 1275 ساكنا أصبحوا أسراء؛

- 150 شخص لا علم لنا حتى اليوم بمصيرهم .

وخلال هذا العدوان المسلح تم القضاء على بعض من المحتجزين الأذربيجانيين أسراء ورهائن في أراضي قراباغ الجبلي وسائر الأراضي المحتلة الأذربيجانية وكذلك في أرمينيا عبر ممارسة التعذيب عليهم وأصبح كثير من معاقين أيضا. وتم تحرير ملفات جنائية أحيلت للتحقيق الشامل من قبل أجهزة إنفاذ القانون والنيابة العامة بشأن وقائع إجرامية كبيرة مرتكبة من قبل الأرمن بما فيها قتل الأذربيجانيين المحتجزين اسراء ورهائن عن طريق ممارسة التعذيب الذي لا يطاق من قبل قوات الاحتلال الأرميني منذ عام 1988م على أراضي قراباغ الجبلي وسائر أراضي أذربيجان المحتلة.

وكشف التحقيق عن وجود مركبات جريمة الإبادة الجماعية المقضي عليها في اتفاقية منع جرائم الإبادة الجماعية ومعابتها" الصادر في 9 ديسمبر عام 1948م عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في هذا العمل الذي اقترفت به قوات الاحتلال الأرميني بمشاركة جنود الفوج الـ 366 للاتحاد السوفييتي المرابط في خانكندي.

كما اتضح من مواد العمل الإجرامي المذكور أن وحدات أرمينيا العسكرية والمجموعات المسلحة في قراباغ الجبلية وجنود الفوج الـ 366 التابع للجيش السوفييتي البائد المرابط في خانكندي الذين ارتكبوا جريمة الإبادة الجماعية لم يراعوا على الإطلاق معايير القانون الدولي أيضا، وخاصة تم خرق المطالب الأساسية المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف الصادرة في 12 أغسطس عام 1949م في تحسين ظروف الجرحى والمرضى لدى القوات المسلحة المقاتلة وفي المعاملة مع الأسراء العسكريين وحماية السكان المدنيين خلال الحرب بما فيه انتهاك المطالب المانعة لاغتيال وقتل الأشخاص الذين لا يشاركون في العمليات القتالية مباشرا وقتلهم في ظروف ما عدا الميادين الحربية وإعاقتهم ومعاملة غير إنسانية معهم وتعذيبهم وسبيهم واحتجازهم كرهائن وإهانتهم وتحقيرهم.

وثمة اعترافات كثيرة بخصوص مأساة خوجالي ليس فقط من الأجانب، بل من العديد الأرمن أنفسهم، أحدهم لـ «سرج ساركسيان» الرئيس الأرميني السابق، حيث يقول: "لقد كان الأذربيجانيون قبل خوجالي يعتقدون أن بوسعهم المزاح معنا، وكانوا يعتقدون أنّ الأرمن شعب لا يمكنه رفع أيديهم ضد السكان المدنيين.. ولكننا كنا قادرين على تحطيم هذه الصورة النمطية". {طوماس دى وول "الحديقة السوداء: أرمينيا وأذربيجان عبر السلم والحرب"، نيويورك ولندن: جامعة نيويورك للصحافة عام 2003، الصفحات من 169- 172}.

قد ألقى الإعلام العالمي أثناء عقب حدوث مأساة خوجالي الضوء على هذه الجريمة التي ارتكبها الأرمن في حق الإنسانية جمعاء وليس في حق الشعب الأذربيجاني فحسب؛ حيث زار العديد من الصحافيين الأجانب والمحليين مكان الحادث وشاهدوا عن قرب ما حدث هناك بالتفصيل، ومثال ذلك؛ الصحافي الفرنسي جان ايف يونت والذي يروى عن هذه الأحداث ما يلي: "لقد شاهدنا مأساة خوجالى، ورأينا مئات من جثث الموتى، من بينهم النساء والشيوخ والأطفال، والأشخاص الذين كان يدافعون عن خوجالي. لقد أتيحت لنا طائرة هيلوكبتر. وكنا نصور ما تراه أعيننا ونحن في الجو، وكنا نصور خوجالى وما حولها. وفي هذه الأثناء أطلقت الوحدات العسكرية الأرمينية على طائرتنا النار، واضطررنا أن ندع التصوير ونعود. لقد سمعت الكثير عن الحرب، وقرأت كثيراً عن غدر الفاشيين الألمان، ولكن الأرمن فاقوا ذلك بقتلهم الأبرياء والأطفال في عمر الخامسة والسادسة. ولقد رأينا في المستشفيات والمعسكرات وحتى في رياض الأطفال وفصول المدارس عددًا كبيرًا من الجرحى!!."

وجاء في جريدة "لوموند" الفرنسية في عددها الصادر في 14 مارس عام 1992م حول الوحشيات التي ارتكبها الأرمن أن "الصحفيين الأجانب الذين زاروا أغدام شاهدوا بين جثث النساء والأطفال المقتولين في خوجالي 3 جثث مسلوخة جلود الرأس والأظافر وهذه ليست بدعاية عن جانب الأذربيجانيين بل هي واقعية حقيقية."

لم يعلن عن الماهية الأصلية لهذه المجزرة الرهيبة الواقعة مشهد العالم جمعاء إلا بعد عودة الزعيم العام للشعب الأذربيجانية حيدر علييف إلى تولي السلطة السياسية عام 1993م ولقيت الإبادة الجماعية الواقعة في خوجالي تقييمها السياسي القانوني في فبراير عام 1994م من قبل المجلس الوطني الأذربيجاني. كما أن الزعيم العام حيدر علييف أصدر في 26 مارس عام 1998م قرارا جمهوريا خاصا بشأن مناداة يوم 31 مارس بيوم مجزرة الأذربيجانيين بسبب تعرض الأذربيجانيين لعمليات الإبادة الجماعية حينا بعد حين عبر التاريخ .

 

وفي 25 فبراير عام 2002م نادى الزعيم العام حيدر علييف الشعب الأذربيجاني في الذكرى السنوي الـ 10 لمجزرة خوجالي مشيرا إلى الماهية التاريخية السياسية لهذا القتل الجماعي الهمجي: " لا شك في أن مجزرة خوجالي حلقة تالية وأكثر صفحات التاريخ دمويا تخلفها سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي يجري انتهاجها نظاميا من قبل القوميين الأرمن المتشددين ضد الأذربيجانيين خلال الفترة الـ 200 سنة الأخيرة".

وينص القرار الجمهوري الموقع عليه من جانب الرئيس الأذربيجاني الهام علييف بشأن الذكرى السنوي العشرين لمجزرة خوجالي على أن "الحقائق حول مجزرة خوجالي التي تعدّ جزء مركبا من سياسة التطهير العرقي التي تنتهجها الأوساط القومية الأرمينية انتهاجا مرحليا ضد الأذربيجانيين في القرنين التاسع عشر والعشرين يجب أن تطلع على المجتمع الدولي والبرلمانات الأجنبية من اجل التوصل إلى لقاء هذه الجريمة الحربية الكبيرة للغاية والموجهة ضد البشرية عموما تقييما قانونيا سياسيا على الساحة الدولية."

انطلقت حملة "العدالة لخوجالي!" الدولية عام 2008 بمبادرة نائبة رئيسة مؤسسة حيدر علييف الخيرية ليلى علييفا . وهدفها هو إحاطة المجتمع الدولي علما بحقائق هذا الحادث والتوصل إلى عدم تكرار مثل هذه المجزرة في المستقبل. ولقيت هذه الحملة دعما لدى عشرات بلدان العالم.

ونتيجة لجهود الجانب الأذربيجاني في المحافل الدولية، تفاعل المجتمع الدولي بهذه الأحداث وأدان هذه الاعتداءات الواقعة على الشعب الأذربيجاني، وصدر عن منظمات التعاون الاسلامي عدة قرارات تستنكر فيها العدوان الأرميني وتطالب بالانسحاب الأرميني غير المشروط لجميع القوات الأرمينية من الأراضي الأذربيجانية المحتلة.

 واتخذت ضمن الدورة الـ 44 لمجلس وزراء الخارجية للبلدان الأعضاء لدى منظمة التعاون الإسلامي بمدينة ابيجان الكوتديوارية عدة قرارات مهمة بشأن أذربيجان ومن جملتها قرارات متعلقة باعتداء أرمينيا المسلحة ضد أذربيجان وتدمير التراث الديني الثقافي على أراضي أذربيجان المحتلة. كما صدرت قرارات تعبر فيها الدول الأعضاء لدى المنظمة تضامنها مع أذربيجان في ضحايا مجزرة خوجالي.

كما اعترف اتحاد برلمانات دول منظمة التعاون الاسلامي مرة أخرى بمأساة خوجالي في دورته السابعة التي عُقدت مؤخرًا في مدينة باليمباتج الاندونيسية، وأضاف بندًا بالمؤتمر تحت عنوان «اعتداء أرمينيا على أذربيجان» ينص على ما يلي: «يدعو المؤتمر برلمانات الدول الأعضاء فيه الى الاعتراف بالابادة الجماعية التي ارتكبتها القوات المسلحة الأرمينية ضد الأذربيجانيين الأبرياء في السادس والعشرين من فبراير، ويطالب بمعاقبة مرتكبي هذه المذبحة."

إن مجزرة خوجالي قد تم الاعتراف بها كإبادة جماعية من قبل برلمانات المكسيك وكولومبيا وبيرو وباكستان وصربيا والبوسنة والهرسك ورومانيا والتشيك والأردن والسودان وبنما وهندوراس وإندونيسيا ووالسلطات التشريعية لاكثر من 20 ولاية أمريكية، ومن قبل منظمة التعاون الإسلامي. وتبنت برلمان جيبوتي وبرلمان أسكوتلندا قرارين يدينان مجزرة خوجالي.

تتخذ أذربيجان موقفا واضحا في تسوية الصراع. أي يجب حل القضية الا في إطار وحدة أراضي أذربيجان وحدود بلدنا المتعارف عليها دوليا. ويعتمد هذا الموقف على قواعد القانون الدولي ومبادئه وميثاق منظمة الأمم المتحدة ووثيقة هلسينكي الختامية، والوثائق الدولية العديدة المتبنية في مجال تسوية الصراع.

في الوقت ذاته، فإن الوثائق التي تبنتها كل المنظمات الدولية بشأن تسوية الصراع بالطرق السلمية تعني تعزيز موقف أذربيجان مرة أخرى وتأييد ضرورة معالجة القضية على أساس مبادئ القانون الدولي. كما ان القرارات الأربعة (رقم 822 و853 و874 و884) الصادرة عن مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة والقرارات الصادرة عن المجلس الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي مهمة الى جانب كونها أساسا قانونيا للدفاع عن الموقف العادل لأذربيجان على المستوى الدولي. كذلك تدعم القرارات الصادرة عن البرلمان الأوروبي واجتماعات قمة الناتو في الأزمنة الأخيرة وحدة أراضي أذربيجان دعما قاطعا مع الإشارة الى ضرورة وقف الاحتلال.

على المجتمع العالمي أن يعلم الحقيقة الواقعية عن إبادة خوجالي ويدرك أن إهمال هذه الوحشية المرتكبة أمام مرأى ومشهد البشرية قاطبة في نهاية القرن العشرين، وعدم معاقبة مرتكبيها المتهمين بقتل مئات المدنيين قد يؤدي إلى إعادة حدوث مثل هذه المآسي في كل بقعة من العالم.

آلام وأحزان مجزرة خوجالي تعيش في قلوب الشعب الأذربيجاني. وتظهر هذه آلام وأحزان أيضا التضامن الوثيق للشعب الأذربيجاني واحترامه لذكرى شهدائه وعزمه لتحرير الأراضي المحتلة وبذل كل ما في وسعه لإعادة وحدة أراضي البلد.

وعلي العالم توحيد الجهود لإبراز موقفه الحاسم ضد سياسة ارمينيا العدوانية،وإظهار التضامن، ومساندة  الشعب الاذربيجاني على استرجاع حقوقه.

 

السيد أوكتاي قربانوف.

سفير اذربيجان المعتد فى موريتانيا والمقيم بالرباط

تصفح أيضا...