فيس بوك : عن "سعادو " / محمد ٱفو

سبت, 26/01/2019 - 12:06

" سعادو " :

الموروث الثقافي هو حكمة الشعوب واعترافاتها عن المسكوت عنه.
إنه الحديث الأكثر نجعة وحرية في مساحة الصمت،
يتحدث الموريتانيون جيلا بعد آخر عن "سعادو"،
ويغمرون مجالسهم ببعض الغيبة للترفيه عن النسق الصامت من اثقالهم.

" سعادو " ظاهرة تشي بشعب ملول وبلا حسابات.
إنها أعم وأشمل من تلك الطرف التي نتصيد بها عريسا أو نقتفي دلائلها من يوميات ومظاهر سأمه.

إنها ظاهرة وطنية شاملة..
فالموريتانيون ليسوا من الشعوب ذات الإلتزام والدأب.

فلا شيء يعمر ولايستمر في هذه البلاد..
فالموظف يأتي متهاديا لعمله وكأنه يساق إلى زوجة في الثمانين.
والطالب يتباهى بإهمال دراسته ويستطيب التنكيت بكم الأصفار التي يحصل عليها في الإمتحانات.

المعلم بالكاد يظهر في فصله وقد ترك خلفه من دلالات الشقاء شيئا.

الزوج الذي ينتابه ماينتاب فحول الدواب حتى إذا نال وطره رق به الحنين لأصدقاء الطفولة والدراسة والمقاهي والعسس مثله في أروقة ما يشتهي حتى كؤوس الشاي التي يستطيبها في كل ركن غير ركن بيته.

الصداقات التي تبدأ عامرة وتنتهي لخراب الظنون والهجران.

بل وصل بنا الحال للملل من أحبتنا الذين لا يريدون من مرضياتها غير رضانا وبلا ثمن.
ضاقت دونهم صدورنا وأوقاتنا وأورواحنا
حتى قال قائلنا " زد غبا تزدد حبا" تخيلوا أمة يحتاج فيها المحب للبعد كي يعبر عن القرب! 

إنها آية العناد للفطرة ومشاغبة الملكة الإنسانية

حتى مبادئنا نشعر حيالها بسعادو
لاشك تعرفون تلك التيارات والأحزاب التي قامت تحت دائرة الضوء مشحونة بخطاب حماسي قوي، واستعرضت غاياتها وبدائع عزمها، فما لبث نورها أن خبا و انفض من حولها الجمع.
إنها سعادو التي حالت دون الموظف و بهاء وجهه وهو يؤدي عمله كمسؤول.
و التي ذرعت كفيها بين الأحبة والأصدقاء
وحالت بين المرء وزوجه

لايستقر الموريتاني على قرار ولا يدب في طريق واحد دون أن يسلك غيره وإن طال.

" سعادو " وشاية بعدم الإستقرار والسواء  النفسي
إنها متخصصة في الحؤول بيننا وبين ما ينبغي أن تتعلق به قلوبنا وايدينا.

آنها الفاصلة التي نستخدمها بين حروف الكلمة الواحدة فلا يكتمل لحياتنا اي معنى بينما نواصل ذات الجهد في تسطير  تلك الحروف بلا ترتيب.

حت الحب أخذتنا عقود العمر ونحن ندب بين حروفه فلم نصل للتالي منها دون نسيان سابقه.

يمسك الأوروبي بيد زوجته وهما يبتسمان في وجه الغريب ولايزال احدهما يتأمل بريق عيني رفيقه كما لو كانت المرة الأولى.
بينما يمكننا ببداهة أن نفرق بين هوية المتصل على زميلنا ما إذا كانت زوجته أو شخص آخر.
فإن تقطب حاجبه وزأر وعبس وبسر، فتلك "الحكومة" التي اختارها بعناية فائقة دون كل الناس.
أما إن تهلل ورحب بصوت عال وتصاعدت موجات الهزل وشقت وجهه ابتسامة ماكرة، فهذا يعني أن المتصل أو المتصلة من بقية خلق الله عامة.

حين يغادر الرجل أبناءه وعش زوجيته، يتكرر سؤال على طليقته واهلها " أياك عارفلهم شي؟ " والسؤال عن الشيء يعني شيوع احتمالات نقيضه ( عندما تسأل عن فلان اياك مزال سالم فهذا يعني أنه كان أو صار منتظر الموت).

تخيلوا أن تحول " سعادو " بيننا وبين السواء النفسي الفطري فتجعلنا نترك فلذات أكبادنا في مهب الحاجة والفاقة.دون أن يندى لنا جبين!

سعادو مظهر من مظاهر النجعة في أرجاء العمر.
قد تجعلك تمل شبابك فتبدو سبعينيا وأنت في الثلاثين.
" دراعتك موسخة وكرعيك مغبرين" وشعرك لم يدخله مشط ولا مقص حلاق لأشهر طويلة.
وتماد شفاهك تتشقق عندما تبتسم وكأنها تضيق دون ماهو غير معهود. 
وقد تجعلك تمل شيخوختك لتتصيد ذراع هذه وشعر تلك وتمارس تقية إفتراضية لتنسج العلاقات لمجرد الإحساس بأنك تخطو عكسيا نحو الحياة.

هذه الرحلة المسماة عمرا، تحتاج أن نستقر إلى مكاسب ننحتها بالصبر والتؤدة.
تحتاج أن نجمع حولنا جواهر البشر كخلاصات لتجاربنا.

زوجات أو أزواج نستطيع أن نختم أعمارنا معهم كتتويج لبداياتنا بهم ومعهم.

أحبة نستطيع أن نفطر قلوبهم لمجرد أن ينتاب احدنا صداع عابر.

أصدقاء لا تنصرم عرى قلوبهم وفق مؤشرات البورصة ولا يستطيعون تقييمنا أكثر من مرة واحدة بغض النظر عن تقلبات أحوالنا.

مشاريع ننتمي إليها كتفسير لنا ولقيمنا و كأداة لاننسجامنا مع محيطنا وقنوات لصقلنا كجزء من كل بشري.

اعمال نستطيع بكل فخر وشرف أن نأتيها صباحا ووجوهنا مرتوية وشعرنا مصقول ومصفف، تفوح منا رائحة العطر وبنا الق من حياة.

نحتاج أن تعمر قلوبنا ضحكات اطفالنا كل ساعة ونحن نخالطهم ونستطيع التفريق بين روائحهم.

وللأسف لازالت "سعادو" تلعب بدميتها 

محمد افو

تصفح أيضا...