قمة نواكشوط.. قراءة لخريطة التوترات الأمنية في دول الساحل. / م م أبو المعالي

جمعة, 07/12/2018 - 10:29

التأمت في العاصمة الموريتانية نواكشوط أشغال مؤتمر تنسيق الشركاء والمانحين لتمويل برنامج الاستثمارات ذات الأولوية في مجموعة "دول الساحل الخمس" (G5)، وهي دول تنتمي لما يعرف جغرافيا بمنطقة الساحل، التي تشكل حزاما له طابع بيئي وبشري خاص يربط بين الصحراء الكبرى وإفريقيا جنوب الصحراء، ويمكن أن نطلق عليه المرحلة الانتقالية الجغرافية بين شمال إفريقيا وغربها ووسطها، ويعرف هذا الشريط لدى العديد من الباحثين باسم "قوس الأزمات".
ولأن مؤتمر نواكشوط له صلة بالاستثمارات والتمويلات، فإنه لا مناص من الحديث عن الوضع الأمني والاستقرار السياسي، في بلدان مجموعة دول الساحل الخمس، المستهدفة بهذه التمويلات والاستثمارات، إذ من البديهي أن الاستثمار قرين استقرار الوضع الأمني، لذلك ستحاول هذه الورقة تقديم صورة ولو مقتضبة عن الواقع الأمني دول الساحل الخمس المعنية:

جمهورية مالي:
تشكل مالي بؤرة التوتر الأعنف والأكثر اضطرابا في منطقة الساحل، حيث ظلت مناطقها الشمالية عصية على الاستقرار خلال العقود الماضية، قبل أن تتحول منذ أكثر من خمسة عشر عاما إلى معاقل للجماعات السلفية الجهاديةة المسلحة، فضلا عن عدد من الحركات الانفصالية الأخرى المطالبة باستقلال إقليم أزواد عن مالي، وتعرف مالي حاليا نشاطا عنيفا ومكثفا للجماعات "الجهادية" في منطقة الشمال والوسط، حيث ينتشر فيها مقاتلو "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، بمختلف فروعها (أنصار الدين، إمارة الصحراء، المرابطون، وكتائب ماسينا)، وقد انتقلت دوامة العنف من شمال البلاد إلى وسطها بصورة أكثر زخما ودموية وعشوائية، وتعتبر الأراضي المالية حاليا حاضنة لمعسكرات "الجماعات الجهادية" الكبرى في المنطقة، إضافة إلى بعض الحركات المسلحة والمليشيات العرقية، كما تشهد الأراضي المالية نشاطات مكثفة لمقاتلي جماعة تنظيم الدولة الإسلامية في مالي بقيادة "عدنان أبو الوليد الصحراوي" هذا فضلا عن مواجهات عرقية تتجدد بشكل يومي في مختلف مناطق وسط وشمال البلاد، ففي الوسط تدور رحى حرب أهلية بين الفلان والدوزو، وبين "كتائب ماسينا" من جهة، والقوات المالية والفرنسية من جهة أخرى، وفي الشمال الشرقي تتصاعد عمليات تصفيات عرقية وقبلية متبادلة بين بعض قبائل الطوارق وقبائل الفلان، كما تشهد مناطق الشمال باسرها حربا مفتوحة مع الجماعات الجهادية، ضف إلى ذلك أن الحكومة المالية بات تنظر إلى بعض القوميات في وسط وشمال البلاد كمصدر للعنف والتمرد والتطرف.

جمهورية النيجر:
رغم أن النيجر نجحت في احتواء التمرد الطارقي ـ العربي، الذي شهدته مناطقها الغربية والشمالية خلال العقود الماضية بدء بالقائد "مانو دياك"، وانتهاء بالقائد "غالي أولومبو"، إلا أن أراضيها ظلت موئلا لأنشطة الجماعات المسلحة "الجهادية"، حيث كانت صحراء النيجر منذ عام 1994، مسرحا لقوافل مقاتلي "الجماعة الإسلامية المسلحة" في الجزائر ذهابا وإيابا، ثم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية، قبل أن تصبح تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وذلك بحثا عن السلاح والتموين، كما أن كل عمليات تدريب المقاتلين وتبادلهم بين القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي من جهة، وبين بوكو حرام وأنصار الله في بلاد السوادان، المنتشرتين في نيجيريا، من جهة أخرى، كانت وما تزال تتم عبر أراضي النيجر، وتنقلات المقاتلين بين نيجيريا وليبيا المتواصلة منذ عام 2012 تتم عبر النيجر، وقد عرفت البلاد بما في ذلك العاصمة نيامي، خلال السنوات والأشهر الماضية عمليات خطف استهدفت رعايا غربيين، وشهدت عددا من التفجيرات والهجمات في ولايات آرليت وأغاديز وغيرهما، كما ظلت مناطقها الجنوبية المحاذية للحدو مع نيجيريا خصوصا في ديفا وزيندر، مسرحا لأنشطة جماعة بوكو حرام، بكل فصائلها، وكان آخر أنشطتها اختطاف خمسة عشر فتاة من منطقة ديفا قرب الحدود مع نيجريا قبل أسبوعين من الآن، كما كانت الحدود بين مالي والنيجر خلال السنوات الماضية مسرحا لدوامة عنف طاحنة، وأنشطة متصاعدة لجماعات تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم المرابطون، وخلال الأشهر الماضية عرفت حدود النيجر وبركناصو تفاقما ملحوظا لأعمال العنف الدامية، وباتت الهجمات تنفذ هنالك بشكل شبه يومي.

جمهورية بركنافاصو: 
عاشت بوركنافاصو فترة من الزمن، خارج قائمة أهداف "الجماعات الجهادية" المسلحة، قبل ان تتحول إلى هدف رئيس لها، وتلقت العديد من الضربات في السنوات الأخيرة، بعد مشاركة قواتها في الحرب الدائرة في شمال مالي منذ عام 2013، والإطاحة برئيسها السابق "بليز كومباوري"، فبالإضافة إلى العمليات الضخمة التي كانت بعض المقار العسكرية والفنادق الكبرى في العاصمة واغادوغو مسرحا لها، أعلن قبل سنوات عن ميلاد ما يعرف بتنظيم "أنصار الإسلام في بركنافاصو"، الذي أسسه "إبراهيم ملام جيكو"، وخلفه بعد موته شقيقه "جعفر جيكو"، وهو تنظيم سلفي جهادي يقاتل الحكومة، معظم عناصره من الفلان، كما أعلن قبل فترة عن ميلاد تنظيم آخر يعرف باسم "تنظم القاعدة في بركنافاصو"، وخلال الأشهر والأسابيع الماضية تحولت منطقة شرق بركنافاصو وشمال شرقها إلى مسرح لأعمال عنف يومية ينفذها الجهاديون المحليون، وأصبحت الدولة شبه غائبة عن تلك المنطقة، هذا فضلا عن نشاطات مكثفة تشهدها مناطق شمال وشرق البلاد لجماعة تنظيم الدولة الإسلامية.

جمهورية تشاد:
وفي تشاد يواجه الاستقرار موجات عنف متلاحقة عصية على الهدوء، سواء في شرق البلاد وشمالها، حيث المتمردون بكل فصائلهم، أو في غربها حيث يتفاقم مد جماعة بوكو حرام وتتصاعد أنشطتها، ففي شرق البلاد تواجه تشاد حركة تمرد قوية يقودها "المجلس الوطني"، الذي يضم عددا من الفصائل المتمردة، ويتخذ من منطقة الحدود بين تشاد والسودان مركزا له، وينفذ هجمات ضد بعض القرى والتجمعات، والوحدات العسكرية، وفي شمال البلاد تواجه حكومة تشاد عددا من الفصائل المتمردة من بينها "مجلس القيادة العسكرية لإنقاذ الجمهورية" الذي يتولى قيادته حاليا "أبوبكر عيسى"، بعد اعتقال زعيمه السابق "محمد حسن بولماي"، في النيجر، ويتمركز هذا الفصيل المسلح في منطقة تيبستي في أقصى شمالي تشاد على الحدود مع ليبيا، ويتخذ من الأراضي الليبية الواقعة جنوب وشرق سبها معاقل له، هذا فضلا عن فصيل آخر متمرد يدعى "جبهة الوفاق من أجل التغيير"، بقيادة الوزير السابق محمد علي محمد ومعظم مقاتليه من قبائل التبو المنتشرة بين ليبيا وتشاد، ويتخذ هو الآخر من الحدود الليبية تشادية معاقل له، كما يتمركز في منطقة الجفرة جنوب شرق ليبيا، إضافة إلى فصيل آخر تحت اسم "تجمع القوى من أجل التغيير في تشاد" وينتشر مقاتلوه على الحدود مع ليبيا خصوصا في جنوب مدينة سبها، ويتزعم هذا التجمع المعارض الجنرال "تيمان أردمي"، وهو قائد سابق في القوات الحكومية، كما ينشط فصيل متمرد آخر تحت اسم "الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة" وهي حركة من أقدم فاصل المتمردين تشاديين في شمال البلاد.
وفي غرب البلاد تواجه تشاد أعمال عنف دامية تنفذها جماعة "بوكو حرام"، خصوصا في المناطق المحاذية لغابة "سامبيسا" في شمال شرق نيجيريا والتي تعتبر المعقل الرئيس لفصائل "بوكو حرام"، وتشكل القرى والتجمعات السكانية على ضفة بحيرة تشاد مصدر قلق وإزعاج دائمين للحكومة تشادية، التي تواجه قواتها مقاتلي "الجماعة" داخل أراضي نيجيريا وفي شمال الكامرون، وتنظر تشاد إلى التجمعات السكانية من قبائل البورنو، وقبائل عرب شوا المنتشرة على ضفاف بحيرة تشاد، كمصدر قلق دائم، وحاضنة شعبية للتمرد الجهادي هناك، وقد كانت العاصمة نجامينا على موعد مع أكثر من هجوم نفذه انتحاريو بوكو حرام ومقاتلوها خلال السنوات القليلة الماضية.

الجمهورية الإسلامية الموريتانية
دخلت موريتانيا خلال الفترة من بين يونيو 2005، ونوفمبر 2011، مواجهة دامية ومفتوحة مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، التي تحولت لاحقا إلى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، ونفذ التنظيم عددا من الهجمات على الأراضي الموريتانية انطلاقا من شمال مالي، كما نفذ الجيش الموريتاني بالمقابل عمليات ضد مقاتلي التنظيم في عمق الأراضي المالية، غير أنه منذ أواخر عام 2011، توقفت هجمات "الجماعات الجهادية" على الأراضي الموريتانية، كما توقفت أنشطة الجيش الموريتاني داخل العمق المالي.
ورغم انتشار مقاتلي تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي على شريط حدودي يزيد على ألفي كيلومتر بين مالي وموريتانيا، فإنه لم يسجل أي عبور لمقاتلي التنظيم إلى داخل الحدود الموريتانية منذ حوالي سبعة أعوام، وبعد انخراط أعداد كبيرة من مقاتلي قبائل الفلان ذات الامتداد العرقي داخل الأراضي الموريتانية في صفوف الحركات الجهادية، خصوصا عبر بوابة "كتائب ماسينا" غير البعيدة من الحدود مع موريتانيا، توقع كثير من المراقبين عبور العنف إلى داخل الأراضي الموريتانية، إلا انه لم تسجل أية محاولة اختراق للحدود الموريتانية، واتسم الوضع على الحدود الشرقية والشمالية للبلاد بالاستقرار والهدوء باستثناء عمليات محدودة نفذها الجيش ضد عصابات مهربي المخدرات، مع التذكير بأنه طيلة سنوات المواجهة بين موريتانيا وتنظيم القاعدة، ظلت معاقل التنظيم ومعسكراته خارج الأراضي المالية، وكل عملياته داخل موريتانيا تم تنفيذها عن طريق مجموعات عابرة للحدود.
هذا فضلا عن أن موريتانيا من بين دول الساحل القليلة التي لم تعرف حركات تمرد مسلحة، عرقية أو سياسية، تسعى للسيطرة على جزء من أراضي البلد، أو الهيمنة على السلطة المركزية فيه.
وانطلاقا مما سبق يمكن أن نستنتج باختصار أن جمهورية مالي تعتبر أكثر دول مجموعة الساحل اضطرابا وعنفا وعدم استقرار بسبب وجود عشرات المجموعات المسلحة الجهادية والقومية والوطنية والمليشيات العرقية على أراضيها، تليها النيجر وبركنفاصو وتشاد، بينما يلاحظ أن موريتانيا هي الأكثر استقرارا أمنيا بين بلدان مجموعة دول الساحل الخمس، نظرا لتوقف أعمال العنف التي كانت تمارس على أراضيها من طرف "الجهاديين" منذ حوالي سبعة أعوام، هذا فضلا عن عدم وجود حركات تمرد أو معارضة مسلحة أو مليشيات عرقية فيها.
من صفحة محمد محمود أبو المعالي

تصفح أيضا...