حوار بين نخبة تواصل حول موضوع : المحاصصة "آراء جميل منصور ـ محمدن الرباني "

سبت, 04/08/2018 - 09:02

التدوينة الأولى لمحمدن الرباني  : ضمان الحقوق بتأسيس دولة القانون لا بالمحاصة

قل أحد في هذا المنكب وربما في عالم الأحياء يسامي أو يضاهي رئيسنا المفكر محمد جميل منصور في سعة الاطلاع، وحسن التصرف في الأدلة انتقاء واستدلالا، والقدرة على التعبير ووضوح رؤية، ومكانته في المشروع الإسلامي الوطني عموما، وفي بلورة فكر ومبادئ وتوجهات حزب تواصل خصوصا، تنظيرا وممارسة، مما يستوي فيه العالم والجاهل، أدام الله نعمته وجعل التوفيق في كل الأمور حليفه، غير أنه لما لم يجعل الله لبشر بعد الأنبياء العصمة، وجعل من دلائل قدرته أن يخفي على اللبيب الصواب، ويحرم عامرا رغم تعميق الفكر ما يرزق به سخيلة بداهة، ولأن خطر موضوع المحاصة أضحى محدقا، كما لا يخفى من استقالة بعض وتدوين بعض وتقديم بعض ... فسأعمد إلى التذكير ببعض مثالب المحاصة وخطورتها على المجتمعات والأحزاب، فمن ذلك:
1- أنه لو كانت هذه المحاصة عدالة وقسطا لانتهجها النبي صلى الله عليه وسلم، فدارس سيرته وسنته صلى الله عليه وسلم لا يكاد يقع نظره في أسماء ولاته وأمراء جيوشه وقضاته وسائر عماله وعمال خلفائه من بعده إلا على من يدين لهم الناس ويرضون بحكمهم، ممن لهم الكفاءة والمكانة وقوة التأثير، ومن بين 36 سرية بعثها النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر من الموالي غير زيد بن حارثة وابنه أسامة، وهما يستمدان مكانتهما من القرب منه صلى الله عليه وسلم، فلم يؤمر خبابا ولا صهيبا ولا سلمان ولا بلالا ... في حين أمر أبا سفيان وعتاب بن أسيد وإن كانا أسلما متأخرين، ولو سلمنا بأن العدالة في شكلانية التنوع لكانت هذه التصرفات النبوية تهميشا وإقصاء، وتكريسا للأوضاع الاجتماعية الجاهلية، لكن الأمر أعمق من ذلك.
لا ريب أن السلطة التقديرية لأصحاب القرار السياسي تبقى سيدة الموقف، وبمقتضى المصلحة لهم أن يقدموا أو يؤخروا، طبقا لما يمليه الواقع، ولهم أن يوازنوا في ذلك ما شاؤوا، لكن ما ليس لهم وما لا يمت إلى المصلحة بصلة، هو تربية الناس على التمايز الفئوي، وتذكير مكونات ما -بموجب وغير موجب- بالمظالم التاريخية، وتحليل التفاوت الاقتصادي الذي له أكثر من عامل، بعامل المظلمة، فمثل هذا لا يسهم إلا في التحريش بين فئات ومكونات الشعب، أما أن يدون مبدأ المحاصة في وثيقة تجعله معيارا رئيسا فذلك غلط.
2- أن المحاصة ليست هي ما يضمن حقوق الشرائح والمجتمعات، فهل يفيد الحراطين مثلا عشرون وزيرا، في دولة ليست دولة القانون، هم مسؤليها بمختلف شرائحهم في بطونهم ومصالحهم الشخصية؟.
إن ما يفيد الشرائح والمجتمعات هو العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق أمام القانون، وإيصال الحقوق إلى مستحقيها على أكمل وجه، وحينئذ لا يكون من الأهمية بمكان عرق ولا لون الأجير الذي استأجره المجتمع لتوفير الخدمات، فلن يتضرر البيظاني مثلا لو كانت الحكومة كلها حراطين، ولن يتضرر الزنوج ولو كانت الحكومة كلها بيظان، لأن القانون يكفل لكل حقه بغض النظر عن لونه وانتمائه. ولننظر مثلا إلى ما حققته دولة القانون للمجتمعات التي سادتها، ولنقارنه بتجارب المحاصة في البلدان التي عرفتها وسنجد البون شاسعا بين المقاربتين.
فدولة القانون هي ما يجب أن تسعى إليه الأحزاب الراشدة، إذ هي ما يذيب الفوارق بين المواطنين، أما التمييز على أساس تلك الفوارق فتجذير وتقوية لها.
3- أن المحاصة خصيم لاختيار الأمثل إن لم تكن خصيما لعموم الكفاءة، فلو أن حزبا سياسيا كان جل قياداته من ذوي التجربة والكفاءة من فئة ما أو جهة ما، فإن تحييد الأصلح منهم لمعايير لا تدخل في صميم الأصلحية، لا يبعد أن يدخل في عموم الحديث "مَنِ اسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنْ عِصَابَةٍ وَفِي تِلْكَ الْعِصَابَةِ مَنْ هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ مِنْهُ فَقَدْ خَانَ اللَّهَ وخانَ رَسُولَهُ وخانَ الْمُؤْمِنِينَ" رواه الحاكم في مستدركه، والطبراني في المعجم الكبير، من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ولفظ الطبراني: "مَنْ تَوَلَّى مِنْ أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِذَلِكَ وَأَعْلَمُ مِنْهُ بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَجَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ". وهو حديث صحيح المعنى رغم الكلام في أسانيده، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "يجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين أصلح من يجده لذلك العمل .."
4- أن المحاصة تغري دائما بحمل الهم الفئوي، ومن ذا الذي لا يدرك أن الله ما جعل لرجل من قلبين في جوفه؟، وأنه لا يمكن للمرء أن يعيش لمبدأين متعارضين، فالمؤمن بالقبيلة مكونا سياسيا لا يمكن أن يؤمن بالدولة ككيان، والذي اضطلع بهم شريحة ما لا يغدو أهلا لحمل المشاريع الوطنية فضلا عن الأممية إذ الولاية القربى تدفع البعدى، كما أن حماية المصالح الخاصة توقع في وحل يمنع شرف التضحية من أجل المصالح العامة.
5- أن المحاصة باب من أعظم أبواب التفريق فالحركات الانفصالية تبدأ عادة برفع شعار التهميش والإقصاء، ثم تطلب المحاصة، ثم ترتقي إلى ضرورة الانفصال، وهكذا تزداد الأمة تشتتا وتمزقا.
قد يقول قائل -كما ورد في تدوينة- إن البشر يظلون بشرا، وإنه ليس بإمكان الناس أن تكون ملائكة، مستشهدا بقصة الأنصار في غنائم حنين وقول سعد بن عبادة رضي الله عنه ما أنا إلا من قومي، والحقيقة أنه ليس في هذه القصة ما يستدل به على الشرائحية، وذلك من وجهين بارزين:
1- أن الأنصار رضي الله عنهم لم يتعرضوا لمظلمة، ولو كانوا كذلك لأنصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدما اشتكوا إليه، فما حدث هو أنه خيل للأنصار أنهم ظلموا، وأن قوما ما تزال سيوفهم تقطر من دمائهم أوثروا عليهم، وقد خفيت عليهم الحكمة من ذلك، وحين بدت لهم الحقيقة بكوا حتى أخضلوا لحاهم.
2- أن موقف سعد والأنصار رضي الله عنهم في المسألة موقف ضعف إنساني، يعذر صاحبه، تقال عثرته، يتأسى به من أصيب كمصابه، لكنه ليس موقف القدوة والأنموذج، شأنه في ذلك شأن مواقف الضعف الإنساني التي ألمت بالأكابر، كموقف أبي حذيفة بن عتبة رضي الله عنه ببدر حين رآى مصرع أبيه، وكتحريض أم المؤمنين سودة بنت زمعة على المسلمين حين رأت سهيل ابن عمرو يرسف في قيوده أسيرا، وككتاب حاطب بن أبي بلتعة ... فتلك لحظات ضعف إنساني، لا يحقق أصحابها ما يقولون ولا ما يفعلون ، وما أعظم الفرق بين التأصيل لقضية، والبحث عن عذر لمن يلم به داؤها حينا!
تلك تنبيهات حول بعض الثغرات التي تفتحها المحاصة، توضح أنه لا ينبغي لحزب سياسي وطني راشد أن يؤسس لها، وأن على كل ذي لب أن يحكم المنافذ إليها قبل فوات الأوان.
محمدن الرباني.

تدوينة الرئيس محمد جميل منصور

قرأت ما كتبه بعض الأفاضل تعليقا على تدوينتي السابقة بمناسبة الجدل حول ترشيح الأخت سعداني بنت خيطور و ما رافقه و لفت انتباهي من بين ما كتب ما سطره الأستاذ المقتدر محمدن ولد الرباني و رأيت من المناسب إيراد الملاحظات التالية :
1 - لي رأي في موضوع التأصيل سبق أن بسطته في مناسبة سابقة وخلاصته أن التأصيل مهم و مطلوب خصوصا في المسائل التي تثير إشكالات و تطرح أسئلة و لكن التكلف فيه قد يضر الموضوع المؤصل له و الصيغة التي تم بها التأصيل ، ومعظم المسائل التي نناقشها هذه الأيام تنتمي لدائرة التقدير والتدبير والسوابق فيها تتعلق بالسياق والوقت و الحال فتجد اعتبارا للمكانة الاجتماعية و الانتماء القبلي في حال و تجد ذما لهما و حدا من طغيانهما في حال لأن مقتضى المصلحة و حاجة الدعوة تطلبت الأول في مناسبته ومقتضى المبادئ والتذكير والتصحيح تطلبت الثاني فالاقتصاد الاقتصاد في الإيراد والاستدلال و إن كان تعيين زيد ثم تعيين ابنه أسامه من بعده رضي الله عنهما على جيش ويوجد فيه من هو أفضل - بالمعيار الشرعي لتفاضل الصحابة - و من هو أكفأ - بالنظر للسير والقدرات الحربية - أقرب إلى تعزيز أحد الآراء في التداول الدائر اليوم في هذه المواضيع.
2- لم يكن مناسبا إيراد موضوع الأنصار والتعليق عليه فهذا استدلال أوردته أم المؤمنين بنت أحمد سالم و هي الأمينة الوطنية للتأصيل والدراسات في تواصل في تدوينة لها وهي وإن كانت زوجتي ذات شخصية مستقلة تناقش فيما تقول وتكتب ولا يورد ما تورده تبعا لغيرها ، هذا مع أن المعنى الذي أشارت إليه قد راق لي و هو أن البشرية صفة ملازمة للإنسان وأن الاسلام يهذب الرغبات و لا يلغيها وأن ارتباط الإنسان بمحيطه وقومه يتفهم والقبيلة فيه بالمناسبة أشد من الشريحة والفئة و العرق.
3 - أنبه أخي الفاضل و المتميز الأستاذ محمدن وكل من كتب أو علق بأنني لم أدع للمحاصصة وما دعوت لها قط ولكنني دعوت ومازلت أدعو إلى استصحاب واستحضار واقع الناس وتعددهم وتنوعهم ، فإن كانت المحاصصة و تقنينها أضرت مجتمعات وفرقت دولا - وهو أمر من باب الإنصاف ليس على إطلاقه - فإن تجاهل التعدد والقفز على تنوع الناس وضرورة أن يرى الكل نفسه في دولته و مؤسساته هد دولا وأفسد كيانات ومجتمعات ، أما موضوع الكفاءة و هو محل اتفاق واعتبارها لازم و مقدم فليس حلا لما هو مطروح فالكفاءة في الجميع واستصحاب أنها تخص البعض دون غيره يفتقد الدليل والبرهان بل الملاحظ أن معيار الانتماء القبلي أو الجهوي أكثر تقديما على حساب الكفاءة و الأهلية ، و الذي أشهد به أن الأخت سبب النقاش كاملة التأهيل معرفة ووعيا وثقافة وأداء وجرأة.
فيما أعلم ليس في نصوص تواصل ما يقنن المحاصصة بل فيها ما يلزم بمراعاة التنوع المجتمعي وذلك أمر لازم وهو إلى الاستحضار والاستصحاب أقرب وقد ظهر أنه ضروري فهو الذي حمى هذا التنوع المحدود الذي وقع ( انظروا للصورة كاملة ) ولولاه لطغت اعتبارات المجتمع - و البعض هنا يعبر بالمجتمع عن بعض المجتمع - ولساد شعار ما يريده الناس - والبعض يعبر بالناس عن بعض الناس-
4- أما موضوع المظالم فتعاني من خطابين خطاب الإثارة والانتقام من جهةوخطاب التجاهل والإنكار ، ولا يخدم التطرف شيئ مثل ما يخدمه الخطابان فالأول يثير ويوتر و الثاني يغمط ويدفع المظلومين والمتضررين إلى أحضان من يسمعهم شيئا مما يعانون حتى ولو كان ذلك بغلو وتشدد .
لقد وقعت مظالم في هذا المجتمع وعانت بعض مكوناته وفئاته وشرائحه من الإزدراء والتهميش والتمييز وتستمر بعض هذه المظالم والحديث عن هذا الأمر مطلوب ومتعين والكف عنه وتجاهله بحجة الخوف من الفتنة هو الفتنة عينها .
صحيح أن الاعتدال هو أسلم الطرق وأن العدل في الحكم والوصف والتحليل هو المناسب والصحيح ولكن خطاب التجاهل مثل خطاب الإثارة يختلفان في المقدمات ويلتقيان في الآثار و المآلات .

تعقيب محمدن ولد الرباني

سررت أن وفق الله فلفتت كلماتي التي كتبت انتباه رئيسنا المفكر الشيخ محمد جميل منصور، فنثر في جوابه ما ينفع ويقنع، وما كان لي أن أستمري لفت انتباهه، لما أعلم من نفاسة وقته وعظيم مشاغله خاصة في هذه الفترة، غير أن نقاطا في الرد تستوجب بعض التوقف والإيضاح.
1- أشار السيد الرئيس إلى التكلف في الاستدلال، والتكلف مكروه في الشرع ممجوج في الطبع، وهو في الاستدلال قادح موهن، فكان الأنسب العدول عن الإجمال إلى شيء من التفصيل، لنتبين ما هو دليل فعلا مما ليس كذلك.
2- أشار السيد الرئيس إلى أن "معظم المسائل التي نناقشها هذه الأيام تنتمي لدائرة التقدير والتدبير والسوابق فيها تتعلق بالسياق والوقت و الحال فتجد اعتبارا للمكانة الاجتماعية و الانتماء القبلي في حال و تجد ذما لهما و حدا من طغيانهما في حال لأن مقتضى المصلحة و حاجة الدعوة تطلبت الأول في مناسبته ومقتضى المبادئ والتذكير والتصحيح تطلبت الثاني" وهذا صحيح وقد عبرت عنه بالقول: " لا ريب أن السلطة التقديرية لأصحاب القرار السياسي تبقى سيدة الموقف، وبمقتضى المصلحة لهم أن يقدموا أو يؤخروا، طبقا لما يمليه الواقع، ولهم أن يوازنوا في ذلك ما شاؤوا" فهو معنى لم يغب عن المقال موضع الرد، وليس المقصود خلافه، بل المقصود أن ما يسعى إليه بعض إخوتنا في تواصل هو بلورة معايير صارمة تدخل الفئوية والقبلية والجهوية فيها دخولا أصيلا، يزاحم الكفاءة، واستيعاب رسالة الحزب.
وقد مثل النص الملزم بالتنوع الأصل، وتمثل الأعراف والتواطؤات التكملة، وحين تنتقل مثل هذه المعايير من مرنة ديناميكية متقلبة إلى محددة بالنص أو العرف أو بهما معا، فإنها تجمد وتتقدس فتحجر الواسع، وتضيق المندوحة، وتوقع في الحرج، وتؤدي إلى الشقاق والتنازع، وهذا مورد الملحوظة والاستدلال، ويشهد له كثرة اللغط.
أعيد التأكيد على أنه لا عيب ولا ريب في أن يوازن أصحاب القرار السياسي ما شاءوا، تجاوبا مع الواقع في شموله وتعقيده ودقته، وأن تشمل الموازنات ما هو منطوق وما هو غير منطوق، والمفترض أن ما يراعي الساسة من غير المنطوق ليس أقل من المنطوق! أما أن يصبح الأخ أو الأخت التواصليان يعتبران نفسيهما بلسان المقال أو الحال سفراء قبيلة أو جهة أو شريحة، متكئين على نصوص أو أعراف الحزب فذلك الداء.
3- ذكر السيد الرئيس أن "تعيين زيد ثم تعيين ابنه أسامه من بعده رضي الله عنهما على جيش ويوجد فيه من هو أفضل - بالمعيار الشرعي لتفاضل الصحابة - و من هو أكفأ - بالنظر للسير والقدرات الحربية - أقرب إلى تعزيز أحد الآراء في التداول الدائر اليوم في هذه المواضيع" وهذا الكلام إنما يتجه حين يكون الحديث عن المنع والجواز، فهو دليل جواز قطعا، أما حين يكون الكلام عن المحاصة كما هنا فالأمر مختلف، فمراعاة الأمر نادرا وإهماله غالبا أبعد ما يكون عن المحاصة.
4- نكبر في رئيسنا تصريحه الواضح بأنه لا يدعو إلى المحاصة، وإن كنت أرى أن النص على الإلزام بالتنوع ليس إلا تعبيرا لبقا عن المحاصة. ولذا كان التعبير الذي أوردته في المقال "مبدأ المحاصة وإن لم تحدد بنسبة".
5- كامل الاعتذار من كل ما ليس مناسبا، خاصة حين يتعلق الأمر بأم المؤمنين والدعوة، أم المؤمنين بنت أحمد سالم، ولعل ما حمل على ذلك وحدة الموضوع، وأنها ليست من حمل كلامها ما لا يتحمل بل مدونون آخرون، وإن أبصر مبصر حرجا عندي في مباشرتها بالخطاب فليجعله من زاوية الإجلال لا من زاوية أخرى، وعموما فقد بدت هفوة أعتذر منها.
6- ليس للحديث علاقة بكفاءة الأخت سعداني خيطور ولا قدراتها الذاتية، ولولا ما ورد في نص استقالتها من تسويغ، لما لفت ترشيحها الانتباه فهي له أهل، إنما ما لفت الانتباه تلك السفارة، ولقد كانت الأخت أوضح وأصرح وأجرأ من كثر، يقاسمونها الرؤية فئويا أو جهويا أو قبليا وإليهم جميعا يتوجه هذا الحديث.
7- من واجبنا جميعا -والعبء الأثقل على السابقين الأولين وعلى أئمة الصف الأول- أن يبقى أهل تواصل على مهيع النمط الأوسط، لا يستسلمون للعادات البائدة البالية، ولا ينجرفون في الدعوات الوافدة الطاغية، يتأملون الجوهر أكثر مما ينخدعون بالشكل، وأن يكون آخر ما يفكر فيه الأخ التواصلي القبيلة والجهة والشريحة.
وأن نخرج من بين فرث خطاب إنكار وتجاهل المظالم، ودم خطاب الإثارة والانتقام، نخرج خطابا عسليا ينتج أصحابه المادة العلمية الموضوعية المعينة، ويقيمون الندوات، ويدعون إلى مؤتمرات المصارحة والمصالحة، وإلى التمثيل الإيجابي الواعي، وإلى العدالة الاجتماعية وإلى سيادة القانون، فتلك طريق الإسهام المناسب لذوي النخلة الباسقة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، في اعتدال لا تميل به التيارات ذات اليمين ولا ذات اليسار.
محمدن الرباني

 

 

تصفح أيضا...