تعليق على جزء التراويح "10" / الدكتور إفاه ولد الشيخ ولد مخلوك ـ المدينة المنورة

جمعة, 25/05/2018 - 20:35

التراويح "10 " مشترك مع "9"
"براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين..."  سورة "التوبة " ولها مسميات أخرى كانت من نصيب قيامنا اليلة 10 من رمضان عام 1439 للهجرة؛لها مسميات عدة "براءة " الفاضحة " المخزية " الكاشفة " ...الخ ؛ نزلت بعد عقدين من دعوته صلى الله عليه وسلم وتبليغ رسالته؛وهي آخر مانزل من القرآن موقعها في المصحف بين "الأنفال "و"يونس" حيث يظهر الإعجاز جليا يحدثنا عن مقصد كريم نبيل، ذلك أن الأنفال ذكرت بها أول غزوة قتالية "بدر الكبرى " والتوبة ذكرت بها آخر غزوة حربية"تبوك"؛لتكون المدة الزمنية لاستلهام الأفكار وقراءة المجتمع ومراحل تطوره ومستوى تقدمه كتابا يتصفحه العاقلون والمتدبرون .
وهي السورة الوحيدة التي لم تفتتح بالبسلمة؛ وكأن ذلك من بين أوجه ذكرت له غلظة على المتحدث عنهم فيها واستخفافا بأوصافهم ونعوتهم وخطورتها على المجتمع ومكوناته الاجتماعية؛والله أعلم .
وهي مرشدة لزمن نزولها ومبينة لحقبتها التاريخية؛حيث تتجذر رحمة الخالق سبحانه وتعالى بالناس وهو بهم رؤوف رحيم ؛ سبب تسميتها يحيل للرحمة في قصة الثلاثة ويجمعهم للحفظ قول "مكه" مرارة وكعب وهلال ؛غير أن التوبة هدفا بحد ذاتها في السورة بكل السبل وسيتضح ذلك تتبعا لها وقراءة في مضامينها بحول الله .
ففي الآيات الأول تكون العلاقة منعدمة بين المشركين والمجتمع المسلم مع منح فرصة للتدبر والتفكر وأخذ القرار والرجوع عن العناد ؛ "فسيحوا في الأرض أربعة أشهر " لتكون التوبة مشرعة الأبواب مفروشة في السورة بعد كل تهديد ووعيد ووصف وتوصيف.
 "وأذان من الله ورسوله ...." الآيات هذه كلها مع الغلظة أسلوبا فإن الرحمة تحتها تهدف إليها وإليها ترشد "إن الله غفور رحيم " وذكر الرحمة بلفظه سيتكرر قرابة العشر مرات في باقي السورة؛والمغفرة نصف العدد بها حتما وكأن المغفرة من الرحمة؛ورحمته سبقت عقابه جل جل جلاله وتقدست فعاله ؛ 
لكن ننوه أن المجتمع المستقر الآمن أصبح يتملك وفي ذلك أشارت السورة لما نحبه لفتة منها إلى أنه زمن الخوف والقلاقل لا أحد يحب شيئا ولا يتملكه "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم ....". الآبوة والبنوة ؛الزوجية ؛العشيرة ؛المال ؛السكن ؛ وأي شيئ أكثر من هذا مع نعمة الإسلام؛أيعقل أويصح أن يختار حكيم بعض هذا أو كله عن الله المتفضل به ورسوله الذي أنقذ صاحبه من النار وجمع عليه شمله وبين له حكم الله فيه ؟.
"إلا تنصروه فقد نصره الله " في كل الأزمنة والأمكنة وفي أي حقب التاريخ سيكون ذلك حتما بأبي هو وأمي ؛ليشتد الخطاب وتفتح التوبة في الآيات "فرح المخلفون ..."
فتحت للمنافقين ؛والمترددين؛ وللجميع،وتوبة على النبي (ص) والمهاجرين والأنصار قطعية محققة بأسلوب التأكيد عند أهل اللغة؛وتوبة يمكن تسميتها خاصة محددة للرجال الثلاثة رضوان الله عليهم جميعا "ثم تاب عليهم".
وتذكر السورة بما يفعل بأهل الضلال والكفر دفاعا عن الأنفس والدولة ؛مرورا بالمفاضلة بين أعمال خدم المشروع "أجعلتم سقاية الحاج ..." ثم يذكر بوقفات من التاريخ "لقد نصركم الله في مواطن ..." لأخذ العبرة والاستفادة من الدروس والتجارب ؛منبها سبحانه لعدم الإصغاء لإعلام الباطل "وقالت اليهود ..وقالت النصارى "  وهنا تحديدا يخاطب الله جل جلاله أهل ذلك الزمن ويخاطبنا في زماننا هذا "...إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل .." إن الشعوذة والدجل والحملات الكاذبة؛والاجتماعات المزيفة إنما أصحابها يأكلون مالا باطلا قبيحا وقحا ؛فما أكثرهم وأشدهم على المجتمع ؟ 
إن الزكاة أمرها عظيم يختم بها القرآن بأسلوب مغاير عن التشريع السابق لها إنه أسلوب التهديد والتقريع والوعيد لمن يتساهل بها؛وكأن الوحي يخبر عن نكران العرب لها وجحودها بعد فترة وجيزة !
ليكون الحديث عن النفاق وقد قدمت له بمقال نشرته هنا بنفس المكان عن النفاق وأهله وهل يتصور خطره؟ وما أشده !
ليبين القرآن سنة تسع من الهجرة أصناف المجتمع وطوائفه الخفي منها والجلي؛واصفا أهل النفاق بسلوكياتهم؛وتاريخهم ودسائسهم ومؤمراتهم الخبيثة وحسدهم "إن تصبك حسنة تسؤهم " ولازال القرآن في السورة يكرر "ومنهم " حتى فضحهم وبينهم وحددهم توضيحا بليغا صادقا واقعيا جميلا مبهرا .
ويحدد معهم البدو الغلاظ الشداد اللذين لا تدخلهم موعظة ولا يعرفون حقيقة؛"الأعراب أشد كفرا ونفاقا ..."
ومن الإنصاف ذكر البدو الأخر " ومن الأعراب من يؤمن بالله ..." توضيحا لحملة الدين وأهل الهجرة والنصرة رضوان الله عليهم ؛فكل ماكان الدين قويا تظهر الطائفة المريضة المتربصة بالمجتمع حسدا وغيظا "طائفة النفاق " وممن حولكم من الأعراب منافقون ..." وكأن السورة تساوي بين حصص ذكرهم بها حفاظا على الحقوق الإعلامية مع تباين الفضل والحق والمكارم بين المذكورين من أصناف المجتمع .
" وآخرون اعترفوا بذنوبهم ..." (عسى الله ...) باب التوبة مفتوح ملحوظ في السورة أكملها .. ففي تعامل أهل الشرك فتح باب التوبة ؛وحين تقريع المسلمين فتح أيضا؛وحين فعل أهل النفاق مافعلوا ووبخوا وحددوا وحددت فعالهم فتح باب التوبة لهم للرجوع(فسبحان البر التواب).
وهناك جماعة تريد الفرقة والتشرذم في صيغة ظاهرها المصلحة وباطنها المفسدة؛إنها جماعة الضرار "والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا..." فكان التحذير من ذكره وإعطائه السمعة التي تترك البلابل في النفوس والمجتمع.
 والحل والحكمة "الهدم " له مصلحة للدين والدولة .
"إن الله اشترى من المومنين أنفسهم ..."إنها التجارة الرابحة والفوز العظيم .
بيد أن المجاملة مهلكة إذا تعلق الأمر بالمبدئ والحق "ماكان للنبيئ والذين آمنوا معه ..." وتتكرر  التوصية على "الإنفاق " (ولاينفقون نفقة..)والحض على التعلم "وماكان المؤمنون لينفروا كافة... ليتفقهوا في الدين  " ثم الدعوة إلى الدين "ولينذروا قومهم ..." 
غير أن اللفتة الربانية هي :كيف استفدتم أيها الناس من السور التي نزلت عليكم ؟ (وإذا ما أنزلت سورة ..)مع تبيان بعض حالهم حينها ؛والخطاب لنا ولمن بعدنا ؛وهذا كلام الوحي في السورة الأخيرة من القرآن نزولا .
"لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه .." البيان الختامي إن صدقتم وآمنتم فذلك المطلب وإن توليتم فحسبنا الله ونعم الوكيل ؛القرآن قارب إنتهاؤه والرسول اقترب أجله  صلى الله عليه وسلم كلها سنة ونيف وينقطع الخطاب والتوجيه عنكم .؛
؛ ليكون مابلغتم ولعلكم تهتدون .
"الر تلك ءايت الكتب الحكيم " ومنها نكمل القيام ونخصها بحديث مشترك مع "هود" التراويح "11 "بحول الله.
الدكتور :افاه ولد الشيخ ولد مخلوك

تصفح أيضا...