مستشار سابق برئاسة الجمهورية يكتب : حديث في المأموريات، وأجندة الانتخابات، ورؤى الإصلاح

أربعاء, 21/02/2018 - 10:06
محمد الشيخ ولد سيدي محمد ـ المستشار السابق برئاسة الجمهورية

يدور نقاش بعضه علني ومتباين، وبعضه في السراديب خافت وخجول، عن المأمورية الثالثة، والانتخابات التشريعية والبلدية القادمة، وفكرة إصلاح كل من قطبي الأغلبية والمعارضة، وما أسوقه هنا يعبر عن وجهة نظري الخاصة، ولأنني لا واجب تحفظ ينم به، ولا انتماء لطائفة  يفزع إليه، فانه حري بمن يقرأ النصوص قراءتين، ويسبح سبحا في الاتجاه المعاكس، أن يفهم رسائل هذا المقال الثالث، من نقوش على جدار الذاكرة، وتحمل رسائله على محملها، رسائل ليست مشفرة، ولا متوارية وراء إملاق أو إغلاق.

للأسف لا يقرأ السياسيون الموريتانيون غير نواياهم ولا يكتبون بصراحة عن قناعاتهم، وتلك معضلة من يواكب قيادات المعارضة ومن يصغي لمجالس الأغلبية.

الأجندة الانتخابية

تبدو أجندة الانتخابات النيابية، وفرز المجالس الجهوية والبلدية ضاغطة، وتحتاج إلى مناخ وطني يطبعه التفاهم على أسس مشتركة من أهمها: مشاركة جميع الأطياف، والاحتكام إلى لجنة مستقلة للانتخابات تتمتع بمصداقية، ورضا جميع الأطراف بالاحتكام إلى الدستور والقوانين المطبقة، التي يجب الإقرار بأن إصلاحات هيكلة قد أدخلتها مخرجات الحوارات المنظمة 2011 و2017 إليها.

ولكي نواجه أحادية أحزاب كرست زعامة الفرد في قطب المعارضة، يحتاج المنتدى والتشكيلات التي تتناغم معه إلى نقد جريء كالذي قام به النقيب السابق والمرشح للرئاسيات المنسحب، فلا يعقل أن يبقي رؤساء أحزاب ونقابات المعارضة يرفضون التداول والديمقراطية، ويجددون المأموريات لقادتهم، ويكررون تجارب الفشل في الأداء السياسي وفي خطابات نفي الآخر، ونكران ما أنجز بشكل ملموس في مجالات الأمن والحريات والتنمية، ويزايدون على غرمائهم.

يجب أن نعترف بأن حزبا سياسيا واحدا من هذا القطب، قام بمحاولة مراجعة، وأخذ قرار المشاركة في الانتخابات، وقبل التداول بين رموزه، وأعلن أن خيار الرحيل أفل، وأن مساره كان مسارا فاشلا، وهذا الاتجاه داخل المعارضة اتجاه صحي، تحتاجه جماهير معارضة أثقل كاهلها عبدة "العجل"، وشجرة "ذات أنواط"، " كهول المخزن، وكهوف التخندق في مجال عبادة الرأي وعبادة الفرد"؟

تحتاج المعارضة الوطنية اليوم باختلاف مشاربها، إلى وضع رؤية جديدة تتبني فيها بإجماع عدم مقاطعة أية انتخابات تشريعية أو تنفيذية، والاعتراف بأن الرئيس عزيز حقق منجز السلم والاستقرار لموريتانيا، في عشرية كانت سوداء في العالمين العربي والإفريقي، وأن موريتانيا الآن أصبحت محور أي نظام للأمن الإقليمي في دول الساحل والمغرب العربي باعتراف الأطراف الداخلية والخارجية، ويجب أن تشمل هذه الرؤية التحول من المطالب إلى مخرجات الحوارات التي تؤسس لحكامة شاملة، فلا يعقل أن تراوح تيارات سياسية ونضالية، التمسك بثقافة المانيفيست، واللوائح المطلبية، إذ لا يجوز أن نرهن البلد والحقب، لأغراض فئوية وشخصية.

أما على صعيد الأغلبية والمعارضة المحاورة، فتبدو مراحل تشريع قوانين الحوارين 2011 / 2017، والتهيئة لإصلاحات هيكلية مكتملة، ويبدو أن حقوق الطرفين تم احترامهم في مجال تشريع ما تم التوقيع عليه بين الطرفين، وهذا يعني أن فريق لجنة المتابعة المشكلة من هذه الأطراف كان آلية مقبولة، ومرجعية لحل الخلافات البينية، وهذا التوجه يجب أن يتعزز بإنشاء ميثاق وطني دائم، يجمع الأغلبية والمعارضة المحاورة، وقد بينت التجربة أن رعاية القصر ومتابعته لتنفيذ ما أقر سببا كافيا للثقة في أداء الرئيس لصلاحياته الدستورية.

ويتيح هذا المسار إمكانية أن يقرر النظام، بعد سنة من تنفيذ أجندة الحوار، فتح حوار جديد أو تنفيذ الانتخابات في آجالها المحددة طبقا للقانون.

إن فشل سيناريوهات التشويش على هذا المسار من قبل أطراف خارجية، ووضوح انسداد من يتصارعون داخل الأغلبية، سمح بإدراك حكمة الرئيس عزيز في التريث، والمراهنة على فتح مسار إكمال الإصلاحات بات من مسؤولية فريق شباب الأغلبية غير المؤدلج الذي رمى الرئيس الكرة في ملعبه، ولا يبدو أن محاولات قتل الوقت أو توجيه السفينة إلى أغراض أحد أطراف النزاع العبثي ستنجح.

فالرهان الأصعب كان دائما ولا يزال، على إصرار الرئيس على اختيار المصلحة العامة للبلد، والنأي بها عن سماسرة المال والسياسة معا.

رؤى الإصلاح

لا شك أن الجمهورية الإسلامية الموريتانية بعد مراحل نشأة الدولة، والتأميم وحرب الصحراء، والانقلابات العسكرية، وانتخابات 2009 وما أعقبها من التعديلات الدستورية 2016 / 2017، بحاجة إلى رؤية جذرية تحمي حضارة  "اللوح والدراعة" من الانقراض، والتمييع.

فهذا القلب والقالب سواء رأيناهما في حدود المواطنة، أو أدركنا امتداداتهما في جغرافية فضاء الرحل والانتجاع، من تيمبكتو وأزواد، إلى النيجر والبيت الحرام ومن سيرت وتيندوف، إلى مراكش والصحراء الغربية، ومن فضاءات المهجر التي رسمت تنقل القلب والقالب، من جبال الهملايا في الهند إلى بلاد الكاكاو بساحل العاج.

حضارة تنتج العالم الذي أقرأ كل الألواح، والشاعر الذي أقرض الشعر في كل البحور، ونشر دين المحبة بلا رشوة، وثقافة الأخوة بلا إكراه هي بنت لئالئ الجمال، لا تبان بكلمتين، ولا تباع بثمن بخس دراهم معدودة، بل تناخ لها القصواء، ويؤذن لها الأذان، وتضرب إليها أكباد الإبل، ويماط لها اللثام، ويجار في سبيل بقائها كل آبق أناب، وكل صعلوك تاب، وكل هارب للنداء أجاب.

المأموريات

يظن بعضهم أن المأموريات أشخاص وألقاب وليست برامج وخطط وما هكذا تؤكل الكتف، ويهوى بعضهم السجال حول سياسات فريق حكومي أو تيار سياسي يسعي إلى الوصول إلى كرسي الرئاسة بأي خطاب وأي ثمن، متخندقين في ناد من الأندية، أو متحالفين لكسب منفعة من المنافع.

إن ولوج المأموريات، والتعديلات، والحوارات يتطلب شجاعة وأنفة وقدرة على مواجهة الأعداء بحزم، والنصح للأخلاء بعزم.

وأما هز الرؤوس، وتكرار سفسطة السياسيين، فلا يغرنكم المداحون منهم فقد أمرنا أن نحثو في وجوه المداحين بلا قلب وقالب التراب، ولا يفزعنكم الرافضون لها فقد خبرنا هؤلاء في غياهب السجون، ومطاردات الأنظمة، ومماحكات الحقب الاستثنائية، ولدينا من أحوال أخبارهم ما تعرفون، وما لا تعرفون.

إن من يتقدم للمأموريات يجب أن يكون عنده سجل إنجازات، ولديه تجربة في تغيير الأنظمة الاستبدادية، ومقاومة العنف والإرهاب، وأن يكون مهاب الجانب، يقارع بقوة فالقوي خير، والخير أخلاق أولها وفاء للصديق إذا أصيب، وسد لخلة الظهر إذا غاب فجأة، وفي موريتانيا لا يوجد إلا وجهان لعملة صكت في الخامس أغسطس، وجربت في الغسق والشفق، وفي الضحى والسحر.

عندما أعلن فخامة الرئيس احترامه للقسم، وأكد أن المستقبل لاستمرار نهج الإصلاح وليس للارتكاس، صفق من صفق، وبعد أيام نحنح من نحنح.

ولكي تبقى السفينة الموريتانية مبحرة بسلام، فهناك مجدافان يجب أن يكونا بأيدينا ونحن نخوض غمار 2018 – 2019 سواء قابلنا المصفقين، أو واجهنا المغاضبين.

الأول: أن رؤية فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز بأضلاعها أصبحت معالم لموريتانيا الجديدة:

  1. الإسلام هوية الدولة ودين الشعب.
  2. لا مساومة على الوحدة الوطنية وحضارة الموريتانيين.
  3. الحرص علة حماية أمن ينهض بخطوط التماس عبر الحدود، وفي الضواحي والمدن.
  4.  جعل محاربة الإرهاب سياسة تنمية مستدامة.
  5. تحديث للبني التحتية حتى نجعل من موريتانيا جزيرة تتطور في أفق ثلاثة حقب دائمة، ومثابة أمن تقصد خلال هذه العشريات.
  6. تصدير نموذج الأخوة بدون رشوة، والمحبة دون إكراه، وهو نموذج إحياء علوم الدين، وثقافات التنوع والألق والتميز.

وثانيها: إذا كانت هذه هي وجهة المأموريات، فان شاء الرئيس مدد، وان شاء استخلف، وان شاء فوض، وإن شاء أعاد تدوير المنتج.

فالأهم الآن ليس الآلية، وإنما المهم استمرار مشروعه الوطني الذي حماه هو ورفاقه كدا وجهدا، في أشد المعارك وطيسا، وأحلك المؤامرات حبكا.

تصفح أيضا...