قراءة عاجلة في ’’ كتابيه’’ (مذكرات عمرو موسي ) / السفير عبد القادر ولد محمد

اثنين, 01/01/2018 - 21:11

منحني مشكورا زميلي في العمل السفير مدير التشريفات بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون فرصة مطالعة نسخة من مذكرات الدبلوماسي العربي بل العالمي المعروف عمرو موسي التي نشرها تحت عنوان لافت حيث انه يعكس استعداده التام للمحاسبة المنصوص عليها قرآنيا عبر قراءة ’’ كتابيه ’’ في إشارة الي تيقنه بانه أعد العدة من العمل الصالح في الخدمة العمومية لأم الدنيا بغية نيل عيشة راضية في الاخرة . طبعا لا مجال هنا للتشكيك في ايمان المؤلف و لا للتفتيش في نيته فالله الذي يتولى حسابه في نهاية المطاف اعلم به و انما جاز التنبيه الي ان عنوان المذكرات يحمل شحنة دينية قد تستدعي الوقوف قبل الشروع في قراءة المضمون ,, فقد يستغرب البعض و لو نتيجة لحكم مسبق اطلالة الكاتب بعنوان يستعجل الاخرة بعد ان اشتهر بمعارضته في العاجلة لتوظيف الدين في الحقل السياسي.
و بغض النظر عن هذه الملاحظة التي خطرت ببالي حين تسلمت الكتاب و التي قد تؤسس لنقاش من نوع اخر علي ضوء قراءته فإنني اود بداية ان اشيد بالأهمية البالغة التي تكتسها مطالعة مذكرات عمرو موسي خصوصا بالنسبة لشياب الدبلوماسيين الموريتانيين و غيرهم الذين تلقوا تكوينهم باللغة العربية و لا يستطيعون او لا يحسنون القراءة باللغات الأجنبية فهي تشكل بلا شك علي المستوي التطبيقي مرجعية لا غني عنها لاحدي اهم التجارب في مجال تخصصهم,,. لقد استعرض الكاتب من خلال مساره الطويل والحافل بالأحداث الكبرى حزمة من العناوين لكافة الإشكاليات المرتبطة بالعمل الدبلوماسي الذي لم يترك عمرو شاردة و لا واردة تتعلق بممارسته له الا ذكرها . فمن هذا المنظور يتمثل ’’ كتابيه’ كدليل مهني او كفهرسة مرجعية للمواضيع المطروحة قديما و حديثا في قطاع السياسية الخارجية كصلته الوثيقة برئيس الجمهورية بوصفها المجال المحمي للرئاسة وفقا لما جري العرف به و اعتبارا لما يترتب علي تلك الصلة من حساسيات مع القطاعات الحكومية الأخرى و مع مختلف أجهزة الدولة خاصة الأمنية منها و في هذا السياق استحضرت عند الوقوف علي العلاقة بين عمرو موسي و عمر سليمان تساؤل البعض من اهل كثرة الاخبار عندنا عن أي فريقي الخارجية و الداخلية اكبر كفاءة في التجسس ؟
كما ان الكاتب يتعرض بوضوح لخلفية الصراعات بين كبار مسؤولي القطاع الناجمة عن تشابك و أحيانا عن تعارض او غموض في تحديد الصلاحيات بين الوزراء المكلفين به ( جاء ذلك في حديثه عن علاقته ببطرس غالي حين تم تعيينه وزير دولة للاتصالات الخارجية مكلفا بالمصريين في الخارج في الوقت الذي أسندت اليه هو حقيبة الشؤون الخارجية ) او عن اعتبارات شخصية لا يتسع المقام لذكرها ,, و يذكر علي العموم ان تجربة الكاتب غنية بالتفاصيل المتعلقة بهيكلة قطاع الخارجية بغية تطويرها و تكييفها مع التغيرات الجذرية للنظام الدولي و كذلك بالتقاليد و المسلكيات البروتوكولية التي تجسد روح الدبلوماسية. و بالجملة فان الاسهام المهني للكتاب يستحق جردا دقيقا لمختلف المسائل التي تضمنها و التي تهم بشكل خاص القائمين علي قطاع الشؤون الخارجية و العاملين فيه ,,, و حبذا لو قام احد شبابنا الدبلوماسي بإنجاز مثل هذا العمل علي شكل مذكرة تلخيصيه من اجل الاستئناس بها و تعميم الإفادة,,
الا ان ما يهمنا في هذه السطور هو تسليط الأضواء علي جوانب من العقلية الأسطورية التي طغت علي نبرة سرده لحكاية الف ليلة وليلة من الحياة العمومية حيث ان صاحب الكتاب احاط مساره المهني المتميز بنظرية شبه كاملة و الكمال لله وحده تتعلق بتصوره لمكانة مصر في العالم و بدفاعه الشخصي عن العروبة مع تجاهله لبعضها او تغافله و بثقته في قوة شخصيته التي أدت الي انفجار الانا في سطور كتابه ,,,
أم الدنيا
لا خلاف حول الدور المركزي الذي لعبته وتلعبه القاهرة ادام الله عزها في العالمين العربي والإسلامي و كذلك في القارة الافريقية و قد ادي اقصاء مصر من الجامعة العربية علي خلفية توقيع اتفاق كامب ديفيد الي ارتباك ملحوظ في العمل العربي المشترك و كانت عودتها اليها بمثابة حدث بالغ الأهمية في تاريخ المنظومة العربية و قد استفادت الدبلوماسية المصرية و علي رأسها عمرو موسي من المرحلة الجديدة التي شهدت توسيع صلاحيتها بعد ان كانت حظيرة خصوصية للرئيس انوار السادات , صحيح ان الكاتب يعترف بذلك لكنه اغرقه في سيل من تمجيد بلاده علي حساب البلدان العربية الأخرى بل ان المزايدة اوصلته الي حد الاعتقاد بان عمله الدبلوماسي أعاد مصر الي دورها القديم بوصفها ام الدنيا الامر الذي قاده الي ادراج الشام مثلا في العمق الاستراتيجي لمصر طبقا لقاعدة ثابته مذ أيام الملك الفرعوني رمسيس الثاني. و لا يخفي علي احد ان مثل هذه العقلية المعبر عنها في جملة من الكلام المردود تتطابق تماما مع العقلية التي يحتج الإسرائيليون بها حين يزعمون ان شرعية وجود دولتهم في فلسطين يعود الي ما قبل ثلاث الف سنة او اكثر كما انها تمس من مصداقية عنوان الكتاب.. فهل ينبغي مثلا لمن يزعم بانه اوتي كتابه بيمينه الاستشهاد بعمل فرعون ذي الاوتاد ؟ يمكن القول بان الاعتزاز بمصر الذي يحسب للكاتب من باب الوطنية تحول في عدة فقرات من الكتاب الي تمجيد اسطوري لا محل له في الواقع السياسي الذي عايشه كما ان استدعاء تاريخ الفراعنة و غيرهم من العهود التي خلت اعطي انطباعا بان مركز العالمين العربي والإسلامي القومي كان ولا يزال في حوض نهر النيل و ربما انساه تاريخ دول اخري كالأمويين في دمشق و العباسيين في بغداد ,,
لقد بالغ في تمجيده لبلده الي حد إقناعه للرئيس مبارك بانه لا يجوز اطلاقا تعيين احد المساكين من ذوي القامة القصيرة ,, و ما اكثرهم ,,, كسفير لجمهورية مصر في المملكة السعودية بحجة ’’ ان وزراء المملكة للشؤون الخارجية عادة ما يتم اختيارهم ضمن أبناء الاسرة الملكية المعروفين بطول القامة و عليه يجب ان لا نترك الانطباع يسود بان السعودية تتطاول علي مصر !! ’’ و بقدر ما اعجبني تصور عمرو موسي لمصر العظيمة التي لا يدرك حسب قوله العديد من أهلها مدي عظمتها ازعجني الغلو في تمجيدها الذي انساه حكمة معروفة لدي جميع شعوب المعمورة مفادها ان كل خنفوس في عين امه غزال ,,, و قد تجلي ذلك الغلو في اعتقاده بان كلمة ’’ نحن العرب’ التي تلفظ بها في مؤتمر مدريد كانت بمثابة كلمة بها كلام قد يؤم
نحن العرب
بالغ الكاتب كثيرا في التذكير بهذه الكلمة التي وردت في سياق خطاب القاه بمؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط و صارت الكلمة المشهورة حسب قوله بمثابة احياء القومية العربية بعد موتها . لقد صار الموظف في البعثة الدبلوماسية في نيروك الذي امن بالتطبيع الثنائي مع إسرائيل قبل ان يتلفظ به انوار السادات يعتقد بموجب هذه الكلمة ’’ الشهيرة ’’ بانه الاب الروحي للقومية العربية في المحافل الدبلوماسية . و لم لا وهو الذي كان رغم نشأته في رحاب حزب الوفد معجبا في شبابه بعبد الناصر قبل ان يذرف اخر دمعة لحزنه عليه بعد موته و قبل ان يستفيق من اعجابه لينسف حصيلة العهد الناصري و ليبارك خطوات انوار السادات التي نظر لها دون ان يلتقي بمنفذها ؟ الواقع ان القارئ الذي يتتبع المزاعم التنظيرية لصاحب الكتاب سيدرك بسهولة انه لا و جود لديه لخط سياسي مستقيم لقد صاحب علي غرار امثاله من كبار الموظفين الذين ارتبطوا بجهاز الدولة سياسة مصر الخارجية في تقلبات عديدة فرضتها الظروف الدولية والإقليمية فارتبط اسمه بالسياسة الخارجية لبلده ولكن هذا الارتباط لا يجعل منه بالضرورة منظرا سياسا و لا اعتقد ان كلمة ’ نحن العرب ’ كان لها تأثير يذكر في نفسية التيار القوم العربي , كما لا اعتقد ان الحيل التي لجأ اليها الوزير عمرو موسي في مواجهته الدبلوماسية للإسرائيليين في المفاوضات الحادة و خلال الزيارات ’’الخاطفة’ لإسرائيل حين رفض مثلا زيارة متحف يد فاشيم لتجنب صورة يرتدي فيها غطاء الراس اليهودي طبقا للبروتوكول الإسرائيلي او حين تجنب مصافحة شارون امام المصورين بحجة انه لا يحب المصافحة امام الكاميرات في إشارة الي امتناع شارون عن مصافحة عرفات اماماها كافية لتجعل منه زعيما للعروبة ,, و بالجملة بدا لي كل ما ورد في الكتاب من الحماس القومي العربي كتبرير بعد فوات الأوان في الوقت الضائع للتطبيع ,, و حاصله ان عمرو موسي يري نفسه في تضخم الانا بانه مطبع ليس كالمطبعين الذين ’’ هرولوا’’ نحو إسرائيل بل انه قومي عربي مجاهد في زي مطبع دبلوماسي, و الأكيد انه في خضم الانا اخطأ في حقنا
نحن و عمرو موسي
توجد لدينا مشكلة حقيقية مع جزء من النخبة السياسية و المثقفة المصرية مذ ان صرح الرئيس انوار السادات سامحه الله بكلمته الشهيرة ’’ حتي موريتانيا التي يجهلها التاريخ ’’ و قد جاء من بعد تلك الكلمة كلام غير لائق من الكاتب محمد حسنين هيكل و يبدو ان عمرو موسي الذي تجاهل موريتانيا في ’’ كتابيه ’’ الي حد إخفاء اسمها في نقاط هامشية سار علي ذلك النهج . فحين ارغم مكرها اخاك لا بطل علي ذكر موريتانيا مرة واحدة في متن الكتاب و بالتحديد في سياق زيارته لجميع الدول العربية تلفظ بما لا ينبغي كاتبا في سجل الاستخفاف ’’ بما فيها موريتانيا وجيبوتي ’’ ! و كانت جيبوتي,,, يا سعدها ,, اكثر منا حظا لان معالي الوزير تعرف من خلال عرض قيم قدمه رئيسها علي قبائل الصومال ,,, قلت في نفسي لما وقفت علي هذه العبارة بعد ان تأكد لدي التعتيم الذي يمارسه الكاتب علي كل ما من شانه ان يشير لمعرفته ببلدنا ان الخطأ ربما خطأنا ,, لعلنا لم نقم بما يتعين فعله للذكير بنا او لعل العلاقات الثنائية بين موريتانيا ومصر في عهده لم ترقي لما يستحق الذكر او لعله سيذكرنا في الجزء الثاني من مذكراته ضمن ’’ بيت العرب ’’ و لكنني استغرب كيف لم يشفع لنا عنده الدور الذي نزعم باننا لعبناه مذ الستينيات في مناصرة القضية الفلسطينية و كيف ينسي القومي العربي بان دبلوماسيتنا دفعت بحيوية العديد من الدول الافريقية لقطع علاقاتها مع إسرائيل بعد اندلاع حرب أكتوبر 1973 و اذا لم يكن ثبت لديه ذلك تاريخيا فكيف يتجاهل احدي الدول التي ’’ هرولت ’’ كما يقول للتطبيع مع إسرائيل ثم تجرأت بعد ذلك علي قطع العلاقات معها ؟ ,, كيف يذكر كل الوزراء المغار ببين الذين عمل معهم و تجاهل الوزراء الموريتانيين الذين عاصروه ومنهم من كان يمازح عمرو موسي بقساوة امام الملأ بعد ان خطف منه الأضواء, امام الرئيس كلينتون ؟ ,, اعتقد انه لن ينسي علي الأقل في ’’ بيت العرب ’’ رئاسة موريتانيا لمجلس وزراء العرب حين خرج الي الصحفيين بوصفه امين عام الجامعة العربية صحبة الوزير الموريتاني محمد فال ولد بلال الذي ابهر العرب ببلاغته في كلامهم ,,,و كذلك الأستاذ محمد ولد الطلبه منقبله ,,,كان عمرو موسي يردد في تلك الأيام نكتة غابت من ’’ كتابيه ’’ كما غابت المهمة التي حصلت بموجبها في أواخر الخمسينيات بالسنغال حيث زعم عمرو موسي انه التقي لأول مرة بموريتاني و لم يسمع قبلها بوجود موريتانيا و كان ذلك ليلا بعد ان خرج مباشرة بعد وصوله الي دكار ليبحث عن معجون اسنان فرأي نورا او نارا بدكان مظلم و لما اتاها كلمه صاحب الدكان الذي يرتدي زيا غريبا باللغة العربية سائلا : انت عربي ؟ احاب عمرو : ايه نعم فقال له الغريب صاحب الدكان : من أي بلد ؟ فقال له عمرو : من مصر فروي الغربيب ابياتا من الشعر العربي الفصيح ثم سأل عمرو هل تعرف من القائل ؟ فأجاب عمرو : لا فقال له الغريب : امش الهيه انت مانك عربي ,,,,,,,,,,,,,, شخصيا التقيت بعمرو موسي في مناسبتين احداهما في القاهرة و الا خري في الجزائر ,,,في الاولي جمعني معه اجتماع تشاوري مثلت فيه معالي الوزير الذي كان حينها يراس مجلس وزراء العرب ,,, حول مبادرة من الجامعة العربية فاخذ الكلام و تحدث عن نفسه اكثر من اللازم و لم يفت ذلك علي معالي الوزير الجزائري عبد العزيز بلخادم فنبه اليه في مداخلته بقوله ان المبادرة للجامعة العربية و ليست مبادرة عمرو موسي .....في المساء التقينا بحفل كوكتيل و قدمني الي بعض المدعوين بصفة وزير من موريتانيا فيبدو انه رغم انتماءه الي اسرة عربية تسمي بما عبد و بما حمٌد لا يضبط حتي اسماءنا .. في المرة الثانية كان الاجتماع يتعلق بمراجعة النظام الأساسي للجامعة العربية و أتذكر بانه بقي طيلة الاجتماع يوزع ابتساماته العريضة ماسكا بسيكٌاره الانيق وقد تحدثت في مداخلتي ضمن عدة أمور علي بعض المفاهيم المتشابهة موضحا الفرق بين الميزات و الامتيازات فأثار ذلك انتباهه و حدثنا بالنكتة التي قالها في اكثر من مناسبة ,,و شهد وزير الخارجية السوداني الدكتور مصطفي عثمان بصحة راي الموريتانيين في اللغة العربية واصفا إياهم بأشياخنا ,,,,,,

بحب عمرو موسي,,,
لا ابالغ حين أقول انني قرات ’’ كتابيه ’’ علي إيقاع و نغمات اغنية شعبان عبد الرحيم ’’ بحب عمرو موسي ’’ ذلك لأن ذكرها علي أساس تفخيم الانا ورد في مقدمة الكتاب و جاء في خاتمته كخلاصة مفادها ان نجم الدبلوماسية المصرية صار ينافس القمر و يتطلع الي الرئاسة و ما لا يعلم عمرو موسي ان الاغنية ارتبطت في بعض الأوساط الديبلوماسية بالديماغوجية و قد سمعت بها من اكثر مرة تذكر في سياق تبرير التقارب مع الأمريكيين و حلفاءهم الإسرائيليين بمنطق ’’ عش مع الأسد ولو أكلك ’’ فكم من دبلوماسي عربي يقول علي وجه التهكم مبررا علاقته في السر او في العلن بالإسرائيليين : انا أيضا بحب عمرو موسي ؟,,,,,,و يبقي الأهم ان الكاتب اقتنع بالأغنية التي تعكس في عينة حب الشعب المصري العظيم له ,,, لكن صناديق الاقتراع التي لم يحصل فيها المرشح عمرو موسي الا علي مليونين و نصف من اصل خمسين مليون ناخب اثبت ان الحب المذكور لم يكن هو ’’ الحب الحقيقي’’

عبد القادر ولد محمد

تصفح أيضا...