الوزير الأول ومعركة الفيروسات.. فيروس الكوفيد.. وفيروس الفساد../ سليمان ولد ديدي

سبت, 30/05/2020 - 17:29

لم يكن من المتوقع بتاتا لدى أغلب المهتمين بالشأن السياسي الموريتاني، من ساسة واعلاميين ورجال مجتمع ودين وثقافة ومواطنين عاديين، أن الرئيس المنتخب توا والحديث عهد بالمؤسسة العسكرية الأقوى والأكثر انتظاما وصرامة في الدولة، محمد ولد الشيخ الغزواني سيفاجئهم بقائد معركة يُتوقع أن تطول رحاها، وتحتاج لشخصية أكاديمية فنية مخضرمة ذات نفس طويل، وثقة تامة في ما تقوم به من عمل غير مبالية بالمشوشين مهما كان تأثيرهم، مع عدو منتشر في كل مرافق الدولة يلتهم خيراتها دون وجه حق بأسامي مختلفة..

حدد القائد أهداف معركته وعدوه الحقيقي ونقاط ضعفه، وجبهاته الأَوْلَى بالضربات الأُولَى، في برنامج انتخابي أطلق عليه اسم (تعهداتي)..وسلم كتابه لمهندس يتمتع بكل المواصفات ولديه كل مؤهلات الإصلاح لتمريره، فيما تولى القائد تهيئة الأجواء السياسية، فنجح في ذلك دون تكلف نجاحا أبهر الجميع..

المهندس والمسك برأس خيط الإصلاح..

ليس من السهل مطلقا على أي سياسي مهما كان، سواء في الدول الحديثة عهد بالديمقراطية أو تلك التي لها باع طويل في الممارسة السياسية، ذو خلفية أكاديمية مهنية بحتة  "تكنوقراط" يمارس العمل السياسي انطلاقا من مبدأ المصارحة والوضوح وحسن النية، والجدية أن يسلم من أي انتقاد أو محاولة لتثبيط ما يقوم به، أو يصمد خصوصا إذا كان يجابه جيشا من المفسدين احتل وطنا لعشر سنين واستولى على كل مقدراته المادية.، ومؤسساته الاقتصادية ورهن أكثر من ٩٠٪ من ثروته لجهات خارجية لنصف قرن قادم، وأنشأ مئات الشركات الخدمية الوهمية لمقربين يستنزفون بها خزينة الدولة، أن يصمد إلا إذا كانت لديه إرادة حقيقية للإصلاح مدعومة من أعلى مؤسسة في الدولة..

فما إن مسك الوزير الأول المهندس إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديَّ الذي استلم خزينة فارغة إلا من عشرين مليار أوقية لا تسمن ولا تغني من جوعِ شعبٍ أنهكه فساد حكم الفرد في العقد الأخير، برأس خيط الإصلاح، الذي بدأه بوقف التحويلات المالية الكبيرة للكثير من ىالشركات الوهمية التي انشأها نظام العشرية لمقربين من سيده، حتى انهالت الانتقادات له ولسياياته واتهامه بالتورط في ملفات فساد عجزوا عن الاتيان بأي دليل يورطه..

من مشروع إعادة اعمار الطينطان الذي تولاه لفترة العام تقريبا، ووضع كل خطط عمله دون أن يتسلم في عهده أي موارد مالية (أحيلكم إلى شهادة نائب الطينطان حول الموضوع، التي برأت ذمة الرجل من أموالهم).. 

إلى وزارة الإسكان التي شهدت في عهده أول قاعدة بيانات لعقار الدولة غير قابلة للتزوير، ضمنت لكل مواطن الحق في امتلاك قطعة أرضية وحمايتها من الاحتيال المنتشر وقتها والذي يقوم به بعض النافذين، وتعدد الملكية الذي كان سائدا، يسلب به القوي حق الضعيف، وظلت تلك القاعدة الحامي الأول والوحيد لها، حتى خروجه من الوزارة، لظروف يعلمها القاصي والداني، فعادت الوزارة إلى عادتها القديمة، وعُطلت قاعدة البيانات وانتشر الظلم والاحتيال، ولم يبق للضعفاء مايحميهم من جشع أقوياء العشرية.، واستبيحت ممتلكات الدولة العقارية. 

إلى منطقة انواذيبو الحرة

التي من المعروف أنه هو من أشرف على إنشائها ونجح في وضعها على معايير عالمية معترف بها دوليا، فأنشأ الشباك الموحد، وسن القوانين الخاصة بها، مغيرا بذلك الهيكلة الإدارية والسلطوية للمدينة، لتكون بحق منطقة حرة، لكن الحرس القديم وعلى رأسهم الوالي أنذاك وبتوجيهات السيدة الأولى، كانوا حجر عقبة أمام الإصلاحات التي أراد القيام بها، وسبب له العديد من المشاكل، - لاداعي الآن لذكرها-، والتي أحرجت الرئيس عزيز الذي قرر التخلص منه، بتلك الطريقة..

فمن وجهة نظري المتواضعة، لو كان الرجل مفسدا أو لديه أبسط ملف يورطه لما نجى من بطش السيدة الأولى التي انهزمت أمام نظافة يده وإصراره على التمسك بمبادئه وحماية الأمانة التي أنيطت برقبته..

كل هذه التهم التي ينشرها أصحابها بخجل هذه الأيام  لم يستطيعوا إثباتها، ولا حتى إعطاء تفاصيل بإمكانها اقناع المتلقي بها.،

فحولوا بوصلتهم إلى معركة الدولة مع الكوفيد19، وأشاعوا في البداية خلافات له مع بعض أعضاء اللجنة الوزارية وخروج بعضهم عن طاعته، في تحليل غبي لبعض القرارات التي تدخل في صلاحيات المسؤول المباشر عن القطاع.. دون أن يلفت انتباههم أن هذا العهد مختلف تماما عن سابقيه، وأن عقلية وتكوين قادته تجاوزا بسنوات ضوئية عقلية وتكوين قائد العشرية.، لأن القائد الحالي وضع كل ثقته في وزيره الأول وترك له صلاحياته كاملة دون تدخل؛ وهو بدوره قام بالأمر نفسه مع أعضاء حكومته، عكس قائد العشرية الذي كان هو(الرئيس، ووزير المالية، ووزير الصيد، ووزير النفط، ومدير البنك المركزي، ومدير اسنيم، ومدير موريتانيا للطيران)..

نحن اليوم نعيش عهدا جديدا، عهد الجمهورية، عهد العمل وحرية التسيير، عهد لايُتجاوز فيه مبدأ الحساب والعقاب..

بقلم: سليمان ولد ديدي

صحفي مقيم في باريس

تصفح أيضا...