محمد غلام يكتب : نحن والنظام الجديد..( مقال)

خميس, 13/02/2020 - 08:48

‏تخفق قلوب وتسيل دموع أحيانًا من أخيار طيبين ومناضلين مستبسلين أضحى سلطان مشاعرهم الخيرة مُقعدا للبعض عن إسداء النصيحة في وقتها والتقويم في أوانه، ذلك أن الفرق بين النصيحة والثلب يضيق أحيانًا  عند كثير من الناس إسداء واستماعا.
يشيع في خطابنا معشر أهل تواصل الاهتمام بالشفافية في الأداء والوضوح في الحياة العمومية، ولكن البعض يحصرها في تسيير المال العام وأجهزة الدولة، ولا يرى لها في غير ذلك مدخلا إلا أن يكون تشويشا وشغبا.
والشفافية منهج تكمن أهميته في أن الأمة أكبر مراقب وأن الرأي العام أهم قضاة الزمان، والرأي العام دوائر: فهنالك الرأي العام الداخلي الذي يتمثل في عضوية الحزب وصناع القرار فيه ومناصريه الكثر بحمد الله، وهنالك ساحة الوطن بكل ألوانه وقطاعاته وقد تم إنشاء هذا المشروع من أجل خدمة الوطن وإسعاد أهله، لذلك وجب أن تعرض الأفكار والتوجهات على الجميع خصوصًا في مراحل الانعطاف التاريخي التي تمر بها البلاد والتي لا تتكرر عادة إلا بعد أزمان وعليها يترتب ما بعدها.
‏‪ وإذا أردت الدقة والتحديد أكثر  فلك أن تتأمل أحوال الأحزاب الديمقراطية في الغرب والتي  تحولت إلى سوح تنوع في الحزب الواحد، كما هو الشأن في حزب المحافظين والعمال في المملكة المتحدة التي كانت لا تغرب عنها الشمس ...ومن العادي إن لم يكن من التحسيني والضروري هنالك أن يصرح الجميع بما يرونه مصلة ملحة، لذلك تتعدد الآراء في الحزب الواحد وقل الشيء ذاته في حزب العدالة والتنمية المغربي الذي بجوارنا، والأمر لا يعني التهيئة للانشقاق معاذ الله إنما يعني الحرص من البعض على ما يراه الأفضل والأقوم رغم أنه قد يكون عكس ذلك.
‏‪ ‬
التنوع هدي نبوي:
‏‪ ‬
ولو تتبعنا الهدي النبوي لرأينا ذلك سنة حسنة ومنهجا سائرا فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد بالوحي من ربه ، يقترح عليه الصحب الكرام وهو في لحظة الادارة والإمامة والقيادة، فيناقش معهم الآراء ويصوب منها ما تمخضت عنه تلك العقول النبيلة، مالم ينزل وحي قاطع ونص يتسابق المؤمنون إلى إنفاذه، وشواهد ذلك كثيرة جدا منهاما حصل من عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم بدر في الاسرى وحصل من سلمان يوم الخندق.
ولم يتهم أحد عمر ولا سلمان بالزهو برأيهما وفكرتيهما  ولا رأى أحد في الاقتراح قلة الأدب مع الرسول المعصوم صلى الله عليه وسلم ...ولكنها سوانح الرأي وبوارق البصيرة لم يشأ من رزقها ظلم الصالح العام برميها في غياهب الصمت المضيع للفرص.
 
 
وهذارأيي:
‏‪ ‬
وتأسيسا على كل ما سبق وبعد طرحي لما أراه أصلح لحال الوطن وأقوم لموقف أهل تواصل رأيًا مكتوبًا وقولًا في دوائر الرأي الداخلي وحتى لا نذهب بعيدا حيث لا نتحكم نحن ولا غيرنا في مصائر الأشياءأود إبراء للذمة ونصحًا لقومي أن أدلي برأيي بكل وضوح ولقاضي الرأي العام أن يحكم والله من وراء القصد :
‏‪ ‬
-   1-  غني عن التأكيد أن الرأي الرسمي لحزب تواصل هو ذلك الذي يعبر عنه الرئيس المنتخب بما يشبه الإجماع الدكتور الأخ القائد محمد محمود سيدي وأنه يحوز كامل الشرعية القانونية والأدبية والفكرية والمكانة السياسية، ويمكن للإنسان بدون عناء أن يجد له أكثر من مخرج ومبرر في التوجهات الصادرة عن الحزب أخيرا فهو حزب يقود زعامة المعارضة ولا يتحمل مسؤولية الإدارة في الدولة.
وفي ظل النواقص الكبيرة  وحجم المرجو من نظام جديد وكمية المتوقع منه والتريث والبطء  الذي يلاحظ مع محدودية التشاور الذي ينبغي أن يشرح ويضع الأطراف الأخرى في صورة العقبات التي تحول دون تسريع وتيرة الإنجاز ، وفي جو المأمول والمرتقب من  الخطط المستقبلية للبناء التنموي للبلاد.
 
ما من شك أن كل ذلك يجعل من هم في منصة المعارضة ومن هم في تلك المسؤولية والقمرة القيادية التي يوجد فيها الأخ الرئيس محمد محمود ولد سيدي يواصلون السير في المسار التقليدي المتاح لحزب معارض، وهنالك فرق دون شك بين أن نعترض على فعل مشروع قام به حزب بناء على تحليل واقعي وبين أن ننصح لتعديل التوجه والانتباه للمخاطر المستقبلية
 
تضييق دائرة الشرر:
 
2- أثناء الحديث عن المرشحين قبل سنوات من الانتخابات الرئاسية المنصرمة كنت أقول إن التغيير الحقيقي ليس متاحًا وإن مستقبل الرئاسيات بيد جهات التحكم، وإن واجبنا أن نقلل من شرر المستقبل وندفع إلى الصالح العام بغض النظر عن المرشح من يكون من أعيان الدولة كان أم من دوائرها.
‏‪ ‬
 وقد كتبت مقالا نشر على صفحتي وفي بعض المواقع بتاريخ 19/2/2019 تحت عنوان الانتخابات الرئاسية ومخاض الإرهاصات )
وقد حددت في ذلك المقال بعض تصوري لمرشح وطني بغض النظر عن أي ساحة تقذف به.
 كما كنت أقول إن محمد ولد الشيخ الغزواني يكتنز من العقل والتربية ويحمل من الثقافة ومتوقع الخشية من الله في عدم الجرأة على الظلم الصراح، مايجعله مختلفًا جينيًا في تصرفاته عن منطق أي قائد أرعن سواه، ولم أقل ذلك ولم أشر به لأنه خلاصة المجتمع الموريتاني وإطاره الفذ وأهم كوادره المؤهلين للحكم وإدارة الأمر، كما يتلمظ به سدنة الدعاية لكل حاكم الذين يؤلهون الحكام ويخرجونهم عن دائرة البشرية إلى دوائر التعظيم التي تصنع منهم في النهاية طغاة أو سجناء تحيط بهم أسوار التملق والتضليل الإعلامي والسياسي، بل عرضت ذلك القول من باب التفرس في طبائع البشر وما ينْسِلُ متداولًا من حسَن أخباره في المؤسسة العسكرية مما يمكن أن يقاس لاحقه على سابقه ومتوقعه على متواتره، كما أنه كذلك من باب الواقعية والخيارات المتاحة في ظل سلطة تصادر إرادة الأمة وتستخدم منافع الدولة ورهبتها لتمرير رغباتها؛ وفي أحيان كثيرة لا يوفق مقياس (رختر)السياسي المتغلب في أن يتنبأ للقوم بما يشتهون فيكون الخيار أفضل للأمة وأقوم للمجتمع.
 
وهذا تقيمي:
‏‪ ‬بصراحة شخصيا لم أجد من الرئيس الجديد-إلى الآن-  إلا ماكنت أتوقع من التميز عن سلفه في السلوك وفي إدارة الشأن العام، وإذا أنصفت الرجل فإن الأمر يحتاج إلى تأمل دقيق ومعرفة بخلفيات الأشياء وحجم العقبات الخارجية والداخلية، وإمكانيات البلد في القرارات الجريئة المستقلة مع قدر لا بأس به من الواقعية وعدم الطموح العالي في المتوقع.
فلم يدع الرجل يوما بأنه ثائر ولم توصله قوى التغيير والرفض، بل خرج من رحم البيروقراطية العصية على كل تغيير، والحادبة على العتاقة المنتفعة من التيه في ظلام التخلف، ومن دوائرها الاجتماعية والسياسية، وإداراتها الممسكة بتلابيب الدولة المروضة لكل قادم ما لم يحترس ويتترس.
 
 فعلا ...هناك تعهد:
‏‪ ‬إن أهم قرار إيجابي اتخذه الرئيس وكان البعض يراهن على عكسه: هو أن محمد ولد الغزواني أقنع الشركاء الداخليين والخارجيين بأنه الرئيس وأنه مدير الشأن وصاحب القرار،  وذلك ما يجعله يتحمل المسؤولية ويُشعره بدفع الفاتورة الأخلاقية والقانونية عن تصرفات الدولة في عهده وقد فعل ذلك سريعًا وبدون تضييع للوقت، وكان بإمكانه - في رأيي لو أراد مجرد الاستمتاع ببهرج الرئاسة-  ألا يفعله وأن يختبئ خلف التحجج بالقيود والتعهدات لمن أعلن بتلك الطريقة الفجة ترشيحه.
 
وهناك فراغ وترصد:
لقد فتح اقرار الآنف الذكر على النظام الجديد الذي يتشكل حديثًا فراغا استراتيجيا، وجعله مستهدفًا من جهات مؤثرة تمتلك الخبرة وخيوط الاستفزاز،  وعناصر القوة المتمثلة في التخلص من قيود الأخلاق والارتباط فقط بمنطق ما تبقى من الاعمار الافتراضية الضيقة للأشخاص بعيدًا عن منطق المشروعات الوطنية التي تتجاوز الأبعاد الشخصية وتخطط للحقب والأجيال القادمة.
وإن الأمر يحتم على الرئيس ومن يساعده في التنظير لمستقبل الأمة أن يملؤوا الفراغ ويجنبوا البلاد ضرر الخصومة السياسية ويشعروا الجميع وخصوصًا أهل الجد والنبه... بأنهم معنيون بمشروع وطني مخلص، ولن يكون ذلك إلا بقبول أن تكون الدولة ظلًا للجميع وخيمة لكل أبنائها والرئيس فيها يقود القاطرة بالجميع بحنكة ومحبة والركاب يشعرون خلفه بأمان.
 
التكامل مع المعارضة:
وذات الواجب والشعور منوطان بنا كقوة معارضة مصنفة في أحزاب أو متفرقة في اهتمامات مختلفة، فإن من واجبنا الإسهام في إيجاد الجو المناسب للتلاقي والبعد عما يكون تعلة لدوائر (التيه والتحكم ) التي تنتظر ما تقوي به شد الحبل إلى المربع التقليدي الذي يستنزف الطرفين ويديم ما كان على ما كان من الصراع والتناقض.
 
أدرك تمامًا أن موقفا من ذلك القبيل ليس سهلًا وتبريره ليس ميسورًا لقلة المعين والمتفهم خصوصًا من الدوائر التي تقتات على التأزيم، ولكنني مؤمن بضرورة استفراغ الجهد وبذل الممكن حتى تؤكد الوقائع عدم إمكانيته
 
حتى لا نستدعى الخصومة:
‏‪ ‬إن ما لمست شخصيًا من الأداء للنظام الجديد لا يوحي إلى حد الساعة  بتوجهه للخصومة معنا أو مع غيرنا سلوكا، بل يمكن للمتأمل أن يلحظ حديثًا عن حلحلة المظالم ضدنا أو ضد رجال الأعمال والمناضلين في الخارج والتعميم على ضرورة رفع المظالم عن الناس كافة ورفض الحيف كافة، صحيح  أن البطء في هذه الإجراءات مقلق ولكن المؤشرات لا تقول إن النظام يتبنى تلك المظالم أحرى أن يزيدها إلى حد الساعة.
 ذلك ما يدعو الإسلاميين وفي ظل تعدد الخصوم الخارجيين والداخليين أن يستنفدوا الوسع في توسيع كل بارقة أمل من عافية تظل كبيرهم وصغيرهم من أبناءً المجتمع ودوائر الرأي فيه،  وأن يقدروا الخطوات قبل وضع القدم، ففي كل نظام تيار استئصال ومواجهة لا يعنيه ما ينجم عن الظلم وظلماته، وفيه أيضا تيار رشد وعافية يدرك خطر الظلم ويتنكب طريق الأزمات ويشير بالخير وكلاهما يتقوى ويرتاح بما يصدر منا مما يمكن أن يندفع به القرار ويستمر في المشورة تصعيدا وظلما أو حوارا وإصلاحا.
 ترشيد الاندفاع:
ولذلك أرى –والله أعلم– أنه يتحتم علينا في الفترة الآنية ترشيد الاندفاع في الخطاب الحدي المعارض، وأن نبني على الأفعال الحسنة ونثمنها ونرشد وننصح فيما نراه نقصًا أو تفريطا، كل ذلك بلغة تنتمي إلى خصوصياتنا الأخلاقية والمرجعية بدون ابتذال إذا رضينا ولا سب ولا تجريح إذا غضبنا.
‏‪ ‬
 ذلك رأيي ما لم نجد من قرارات الدولة وتوجهات النظام ما نكره من فساد في التسيير أو تراجع في الحريات، أو استهداف للخصوم السياسيين.
فإن رأينا من ذلك حقائق ماثلة، وقطعنا بانتكاسة عن التعهدات التي جعلها النظام عهدا بينه وبين الشعب، عدنا إلى النضال الحدي وقد تمرسنا بالآفات كما قال المتنبي "�حتى تركتها تقول أمات الموت أم ذعر الذعر"
 ويومها لن يتهمنا مزايد بأننا فوتنا فرصة على الوطن وخلقنا جوا للمواجهة، بل سوف نسطر سفرًا جديدًا من شرف الدفاع عما نؤمن به بعد أن أعذرنا، ورأى الشعب منا حكمة في محلها ونضالا ومقاومة في محله.
‏‪ ‬
والخاتمة أن التنوع خير:
 لا أقبل في ختام هذه الكلمة من بعض الإخوة والزملاء  رفع شعار الانسجام والتوحد تعلة لقتل الأفكار وإبعاد الرأي، ولا يجوز النظر إلى ترشيد المسير الذي ينتمي إليه هذا المقال باعتباره شططا أو إرهاقا لأحد أو تعبا من من النضال ودفع ثمنه الواجب، بل هو من باب النصح وسنة التفكير خارج المربع الذي لا ينبغي أن يضيق عن أضلاع التفكير والنقاش والاختلاف والتكامل.
- [ ]  ثم إن البحث للوطن والمشروع عن أفضل السبل وأحكم المواقف هو آكد مجالات التفكير وأهم مهام استدرار التنظير وتقديم الآراء، كما أنه – وهذه خاتمة -  لا يمكن التعليل بأن يقال لي إنك تركت اللقب السياسي المحدد في الحزب وعليك الاختفاء ، فلم ألتزم لأحد بالخروج من الحياة العامة وترك النضال، فإن كتب علينا غير ذلك خضناه بشرف وتركنا الجد علامة على مرورنا من هناك.
 
والله الهادي إلى سواء السبيل.

تصفح أيضا...