موريتانيا تودع أحد بُناتها الكبار ورجالاتها المؤسسين /امربيه ولد الديد

خميس, 16/01/2020 - 09:19

أعلن أمس في العاصمة نواكشوط عن رحيل أحد بناة موريتانيا الكبار ورجالاتها المؤسسين: أحمد ولد أعمر ولد اعلي، أول مدير عام للخزينة الوطنية الذي ارتبط  اسمه بأهم رموز السيادة في البلاد (العملة  الوطنية) حيث حملت توقيعه الجميل وتزينت به  في نسختها الأولى.
كان أحمد رمزا للنزاهة والصدق والإخلاص في العمل،  ولا غرو  فهو سليل احد أشهر البيوتات الأميرية في موريتانيا (أهل اعمر ولد اعلي: المؤسسين للفرع الأول من إمارة الترارزه).  عرف بالعدل والزهد،  وهكذا أرسى قواعد الخزينة العامة الوطنية على أسس صلبة أبقتها عصية صامدة أمام أمواج الفساد العاتية  وعواصف التلاعب بالمال العام   الهوجاء  التي ضربت عددا كبيرا من مؤسسات الدولة.
كان المرحوم رجل مواقف ثابتة لا يتلون مع الانقلابات العسكرية وتغير الأنظمة ويمقت الطريقة الحربائية  التي تحولت إلى مذهب لدى أغلب المسئولين الموريتانيين. وله في ذلك قصة مشهودة مع أول نظام عسكري يحكم البلاد  بعد الإطاحة بالرئيس المؤسس المختار ولد داداه حيث  تم إعداد نافذة يومية  تبث عبر أثير إذاعة موريتانيا  تحت عنوان: "جرائم وأخطاء النظام السابق"، كانت أول نواة  للتملق السياسي في موريتانيا. تلك النافذة، التي وضعت اللبنة الأولى لثقافة التصفيق، تستضيف كبار المسئولين ليوجهوا أبشع أنواع النقد  للنظام المخلوع ويقدموا شهادات على فساد الرئيس. لما جاء الدور على ولد أعمر ولد اعلي عبر عن استعداده التام للتسجيل مع الإذاعة،  مؤكدا  أنه لن   يتحدث  إلا عن ايجابيات النظام المخلوع لأنه لا يعرف أي سلبية له، مضيفا: "يمكن أن أشهد أن الرئيس المختار ولد داداه طلب مني، ذات يوم، أن أحضر إلى مكتبه، فوجدت معه وزيرا إيفواريا وأكياسا من العملة الصعبة، فقال لي: هذه المبالغ أهداها لي الرئيس الإيفواري هوفوت بونيي بصفة شخصية، لكنني فضلت أن تضاف إلى الخزينة العامة مقابل وصل، فوضعت المبلغ الكبير جدا في حسابات الخزينة وأعطيته وصلا". 
هذا  الموقف، غير المسبوق تلك الأيام، أثار غضب النظام العسكري الحاكم وقتها، وكان سببا في تهميش الرجل من قبل جميع الأنظمة العسكرية المتلاحقة، فأقصوه، رغم كفاءاته العلمية وتعففه عن المال العام، من أي وظيفة في الدولة. لكنه، بسباحته عكس تيار التملق الجارف حينها، سُجل بأحرف من ذهب في سجل الوفاء والصدق والنبل  في تاريخ هذا الوطن المسكين.
ولاشك، من جهة أخروية هذه المرة، أن الفقراء والمساكين سيفتقدون أيادي احمد البيضاء،  كما ستفتقده أعمال البر والإحسان.. وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر..
تغمد الله الفقيد برحمته وأسكنه فراديس جنته.. وإنا لله وإنا إليه  راجعون.

تصفح أيضا...