كنت في البادية في الأيام الأخيرة من السنة التي ودعتنا بالأمس، و زارتني لميمه بنت مسعود مسلمة ومعايدة. وأمضت معي جل النهار إلى حدود الساعات الأولى من المساء. وأثناء الحديث عن الشأن المحلي وشجونه، أخرجت لي صرة بها أوراق نقدية قديمة، وقالت أتعرف طريقا لتبديل هذه الأوراق؟ وتضيف : لقد كنت وضعتها في تابوت حديدي قبل سنوات، وقد نسيتها؛ ولم أعثر عليها إلا خلسة قبل أيام قليلة أثناء توضيب بعض الأغراض في البيت.

 

وتواصل شارحة: لقد اتصلت بفلان في العاصمة، وأمرني بإرسال المبلغ. وأرسلته مع أحدهم إليه إلا أنه أرجعه إلي متعللا أنه لا يمكن فعل شيء، فالبنك المركزي  الموريتاني يرفض بتحجر وقساوة استبدال  أي مبلغ ورقي من الأوقية القديمة.

 

بادرت بالاتصال بأحد الأصدقاء على صلة بالنقد وشئونه، فرد عليّ أنه لا يمكن تبديل الأوراق النقدية عند البنك، وأنه قد استنفذ كل الوسائل الممكنة، ولديه مبلغ بمقدار مائتي ألف أوقية لأحد أقربائه وقد أعياه طريق لمبادلته بالأوقية الجديدة.

 

بالأمس تذكرت الموضوع وأنا أطالع في الصحافة الإسبانية أن البنك المركزي الإسباني يرفع إلى علم الجمهور أن سنة 2020 هي السنة الأخيرة المتبقية لهم لتبديل البسيتاس (Pesetas) إلى اليورو. وللتذكير فقد تخلت إسبانيا، مع دول أوربية كثيرة، عن عملتها الوطنية في بداية 2002، وأعطت لمواطنيها تلوما زمنيا كافيا ليلا تضيع أموالهم وأوراقهم وأشياءهم.

 

استغرب كثيرا أن إسبانيا هذا البلد الذي بالكاد لا أمية فيه ولا تخلف ولديه الوسائل المادية والبشرية الكافية للقيام بأي عمل مهما كانت تحدياته وصعوباته، يعطي لمواطنيه هذا الأجل الطويل حتى يقوموا لأمورهم فيصلحوها بغير تعجيل ولا تسريع ولا تبخيس ونحن على علاتنا وتخلفنا وانتشار  الجهل في قطاعات كبيرة وهشة من مواطنينا نحرمهم حقهم في تبديل أواقيهم القليلة، ونتركهم لتعسهم وبؤسهم وحرمانهم.

 

صاحب الفخامة السيد محمد ولد الشيخ الغزواني: في عهدك الميمون والذي تتطلع فيه الأنفس إلى مزيد عدل وإلى مزيد إنصاف وإلى مزيد إنسانية تحرم هذه القروية المسكينة المعفرة الوجه والبدن من تبديل أواقيها القليلة، تحرم من أواقيها التي هي في أمس الحاجة إليها، إلى شراء أو أكل أو شرب أو حاجة لتكون على قيد الحياة في هذه القرية البائسة المغبرة.

 

صاحب الفخامة، في عهدك البشرالضحوك البهيج، تتطلع هذه العجوز القابضة على صرة الأوراق البالية الباطلة أن تتحول هذه الأوراق إلى أواق جديدة فتساعدها في قساوة مرور الشتاء وفي التصدي لأيامه العبوسة الشديدة المكفهرة.

 

صاحب الفخامة، في أيامك الغر الشاهدة، وأعلام حكمك العادلة، ادخل البشر والسرور على هذه المسنة في هذه الليالي الحوالك، وبردها القارس، وافرحها في أوراقها الباطلة الفاقدة القيمة، أفرحك الله، سيدي الرئيس، وأفرح الوطن والمواطن بالعافية والسلامة والمغنم..