مستقبل مجموعة الخمس للساحل على ضوء مشاركة ولد الغزواني في منتدى داكار- مقال

ثلاثاء, 19/11/2019 - 14:10

إن كان البعض يرى في مشاركة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في المنتدى الدولي للسلم والأمن بداكار نقطة تحول جديدة في العلاقات الموريتانية السنغالية، فإن لهذه المشاركة على المستوي الجيوستراتيجي في منطقة الساحل قراءة أخرى تتمثل في بوادر مقاربة جديدة تريد موريتانيا في ظل نظام حكمها الجديد التخلي التدريجي والتخفف من قيود الالتزامات والمسؤوليات في منطقة باتت وتيرة العنف فيها تسير بشكل خطير ومخيف.

لقد قاطع الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز منتدى داكار للسلم والأمن باعتباره إطارا أنشأته الحكومة السنغالية كمنتدى منافس لمجموعة الدول الخمس بالساحل، وذلك على خلفية إصرار الرئيس ولد عبد العزيز على إبعاد داكار من تحالف الدول الخمس للساحل رغم دعم فرنسا لمشاركة السنغال فيه.

لقد استبطن القادة المؤسسون لمجموعة الدول الخمس للساحل فكرة تحييد واستبعاد بعض الدول المحورية في الساحل وكذلك بعض الدول اللصيقة جغرافيا بالإقليم من عضوية الإطار الذي رأى النور سنة 2014، وذلك خوفا من المنافسة الإقليمية الفاعلة داخل الإطار ولتجنب طغيان تأثير هذه الدول، التي نذكر منها السنغال، التي عبرت في أكثر من مناسبة عن امتعاضها من تغييبها من المجموعة.

إن حضور ولد الشيخ الغزواني كضيف شرف لهذا المنتدى في ظل مقاطعة بقية قادة الدول الأعضاء لمجموعة الخمس بالساحل، يعطي رسالة قوية فحواها أن البلد الذي كان أطلق مبادرة الدول الخمس للساحل وكان رئيسه السابق من أكثر قادة دول الخمس للساحل تعنتا في وجه الانفتاح على المبادرات الإقليمية المتعلقة بالمنطقة، ورفضا لدخول أي فاعل جديد لهذا الإطار، بدأت بوصلة اهتماماته وأولوياته بالمجموعة تتجه نحو مسار آخر.

ثم إن كلمة الرئيس ولد الغزواني في المنتدى، التي نشرتها الوكالة الموريتانية للأنباء، خلت من أي ذكر لمجموعة الدول الخمس للساحل في جهود محاربة الإرهاب بالمنطقة، مكتفية فقط بالتركيز على المقاربة الأمنية الموريتانية في مجارية الإرهاب.

صحيح أن الحكم سابق على إطلاق موقف نهائي من مقاربة غزواني ورؤيته لمستقبل مجموعة الدول الخمس للساحل، فلا ما مضي من حكمه يسمح بتقييم موضوعي كما أن معالم توجهات سياسته الخارجية ونظرته للأمن بالمنطقة لم تتحدد بعد بما يخول إعطاء رأي مؤسس فيها، إلا أن هذا لا ينفي وجود مؤشرات فاترة لدى النظام الجديد بخصوص الفاعلية المستقبلية لموريتانية كعضو في مجموعة الدول الخمس بالساحل، نذكر منها:

- إسناد ملف الدفاع للجنرال حننه ولد سيدي: تعيين ولد حننه على رأس وزارة الدفاع كان مؤشرا غير مطمئن لباقي أعضاء التحالف الإقليمي في الساحل، فالرجل قادم لتوه من قيادة القوة العسكرية في الساحل، وقد كان أداؤه مثار جدل وانتقاد من طرف الصحافة الإقليمية وبعض السكان الماليين الذي نظموا مظاهرات احتجاجية مطالبة باستقالته أكثر من مرة، وذلك على خلفية تصاعد العنف في فترته من جهة، واعتراضا على قراره نقل مقر القيادة من منطقة سافاري إلى العاصمة باماكو من جهة أخرى، حيث رأي الماليون في هذه الخطوة فرارا من ساحة المواجهة وعدم تحمل لمسؤولية المواجهة مع الجماعات المسلحة.

فوزير الدفاع الجديد القادم من عمق العمليات العسكرية بالساحل، والذي عبر في أكثر من مناسبة أثناء إدارته لملف العمليات العسكرية بالساحل، عن وجود عجز كبير في الوسائل، قد تحمل رسالة تعيينه تحولا في المقاربة الموريتانية بخصوص الساحل والتي اتسمت بالاندفاع والفاعلية في فترة الرئيس السابق.

- غياب ولد الغزواني عن قمة السلام المنظمة قبل أيام بباريس: يعتبر عدم حضور ولد الغزواني لهذه القمة التي نظمت قبل حوالي أسبوع بالعاصمة الفرنسية باريس مؤشرا آخر على عدم تحمس الرئيس الموريتاني الجديد لقضايا الساحل، فهذه القمة تعتبر بمثابة المطبخ الذي تنضج فيه باريس القضايا المتعلقة بالساحل بحضور حلفائها الدوليين وحلفائها بمنطقة الساحل، وقد حضرها ثلاثة من رؤساء الدول الخمس بالساحل، وكان ولد عبد العزيز أحد القادة الذين حضروا نسختها للعام الماضي.

إن استحقاقات وحجم تحديات الملف الأمني والعسكري الماثلة أمام المجموعة سواء تعلق الأمر بالدعم المالي للقوة الذي يعاني من صعوبات شديدة رغم الالتزامات التي قدمها بعض المانحين لتغطية المصاريف السنوية للقوة، أو الأداء الميداني للقوة الذي يواجه انتقادات قوية من قبل المراقبين أمور تدفع قادة دول الساحل لرفع الوصاية بشكل تدريجي عن الملف الأمني بالساحل، لكن حدود رفع هذه الوصاية ستتأثر حتما بمدى نجاح أو أخفاق هذه القوة.

ثم إن من مصلحة موريتانيا النأي بنفسها عن الدور الطلائعي في هذا الملف الذي يتضح يوما بعد آخر أن فاتورته مكلفة أمنيا واستراتيجيا، وأن الإسناد الدولي له لا يزال ضعيفا.

تصفح أيضا...