كشف تلبيس الساب : للشيخ عبد الله المنصور بن الشيخ سيديا (ح1)

جمعة, 19/05/2017 - 10:00

كتاب كشف تلبيس الساب للشيخ عبد الله المنصور بالله بن الشيخ سيديا ح1 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين. وبعد.. فقد وقفت على المقال الذي نشره المدعو محمد الشيخ ولد امخيطير، ولم أقف عليه إلا بعد مدة، فلما قرأته ألفيته مشحونا بالمغالطات والأحقاد والاستهزاء، في حق سيد ولد آدم خاتم رسل الله، أبي القاسم محمد عبد الله ورسوله عليه أفضل الصلاة والسلام. فعزمت على إبانة تمويهاته، وكشف تلبيساته، رجاء ما يرضي الله جل جلاله ورسوله صلى الله عليه وسلم ووجدت شبهه مقسمة على أربع غزوات، وهي: - غزوة بدر - وغزوة أحد - وغزوة فتح مكة - وغزوة بني قريظة. وسأنقل من كلامه كل شبهة قد يخفى الجواب عنها على المغفلين أو الجاهلين، ثم أقوم إن شاء الله بنسفها بالأدلة والبراهين، أما استهزاؤه الذي لا شبهة فيه فلا أشتغل به وقد كفى الله نبيه المستهزئين، وبالله أستعين. الغزوة الأولى: غزوة بدر وقد أورد فيها شبهتين: - الشبهة الأولى- يقول هذا الساب: "تعالوا بنا لنأخذ بعض المشاهد من عصر الدين: الزمان: بعيد معركة بدر 624 ميلادية المكان: يثرب ماذا حدث؟ الأسرى من قريش في قبضة المسلمين، والحكم قد صدر بمايلي: قال المستشار الأول لرسول الله أبو بكر الصديق: "يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا ملاحظة: من هم الكفار إذا هنا في رأي أبي بكر....؟".اهـ وهذا الكلام يريد منه هذا الساب ملاحظته الأخيرة؛ ليقول: إن أبا بكر يرى كفار قريش خارجين عن اسم "الكفار"؛ لأنهم عشيرته، وإلا فما معنى طلب أبي بكر القوة على الكفار بإطلاق سراح من في أيديهم من الكفار؟ والجواب عن هذا: هو أن الكفار في رأي أبي بكر وجميع المسلمين هم سائر المشركين، سواء في ذلك الأسارى وغيرهم، وقريش وغيرها، أمرهم في ذلك متحد لا يختلف. ولكن ينبغي أن يُعلَم أن المسلمين أخرجهم كفار قريش من ديارهم وأموالهم الموجودة في مكة، فجاءوا المدينة وليس لهم مال ولا دار، وكانت غزوة بدر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بسنة ونصف تقريبا. فلو لم يأخذوا الفدية، لما حصلت لهم قوة ماليّة يدفعون بها المعتديَ عن انفسهم ويَرْجِعون بها بعضَ ما كانت قريش أخَذت منهم. فكان أخذهم لها قوة على كفار قريش قبل غيرهم؛ لأنهم المنفردون حينئذ بحمل لواء المعاداة والاعتداء، وللضَّعف المالي الذي سيحصل لهم، بسبب ما يدفعون في أُساراهم، فيضاف للضَّعف الحاصل لهم بافتقاد قادتهم ورعاة سياستهم، ولأن بناء قوة عسكريّة واقتصاديّة للمسلمين هو قوة على قريش وجميعِ الكفار بلا شك عند كل ذي قلب سليم. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان رحمة للعالمين، لم يكن سعيه في طمس الكفر ضد أشخاص بسبب أنهم فلان وفلان أو من بني فلان، بل لما اشتمل عليه كفرهم من ظلم وصدٍّ عن السبيل. ومن محاسن الشريعة إتاحة الفرصة لمن رُجِي له الاهتداء، وأُمِن منه الاعتداء. - الشبهة الثانية- يقول هذا الساب: " ثم كان بعد ذلك قرار أبي بكر هو القرار النهائي مع إضافة عملية التعليم لمن لا يملك المال. لكن مهلا.... لقد كانت هنالك حالة استثنائية فقد أرادت زينب بنت رسول الله افتداء زوجها أبي العاص بقلادة لها كانت عند خديجة، فلما رآها رسول الله رق لها رقة شديدة، وقال لأصحابه:(إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فوافقوا على ذلك)، رواه أبو داود. برأيكم ما هذا الاستثناء.....؟".اهـ ملاحظة: في نفس الحديث المذكور: أن زينب بعثت "بمال وبعثت فيه بقلادة..." [أبو داود: 2692]؛ فلم تبعث بقلادة وحدها. وأما الجواب عن هذا الاستثناء فيوضح في المسألتين التاليتين: المسألة الأولى- وهي: أن الإنسان له الحق في أن يمسك عن شخص ما لا يلزم له، ويتكرم على آخر بشيء زائد على حقه. ومثاله: أنه إن كان لك دَيْن على شخصَين فوهبت لأحدهما حقك وتركت الآخر يدفع لك حقك، فهل نصف فعلك بالجور؟ كَلّا! بل تكون عادلا في أخذ حقك من هذا، ومحسنا في هبتك لذاك. فكذلك المسلمون لهم الحق شرعا وعقلا في تخلية سبيل كل الأسارى بدون فداء، فجاز ذلك في بعضهم؛ لأن ما جاز على الجماعة فردا فردا، يجوز على بعض أفرادها عقلا إلا أن يمنع شيئا منه شرع. والتفضل على بعضٍ مع العدل في الباقين، مِن أمثلته: ما يُشكل على اليهود والنصارى من زيادة أجور أُمّة النبي صلى الله عليه وسلم أكثرَ منهم، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "مثلُكم ومثلُ أهل الكتابَينِ، كمثل رجل استأجر أُجَرَاءَ، فقال: من يعملُ لي من غدْوة إلى نصف النهار على قِيراط؟ فعَمِلَت اليهود، ثم قال: من يعملُ لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قِيراط؟ فعَمِلت النصارى، ثم قال: من يعملُ لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطَيْنِ؟ فأنتم هم. فغضبت اليهود، والنصارى، فقالوا: ما لنا أكثرَ عملا وأقلَّ عطاءً؟ قال: هل نقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء" [البخاري: 2268]. فأجابهم الله عز وجل، بأنه إنما تفضل على من شاء من غير أن ينقص عن مستحِقٍّ حقَّه. المسألة الثانية- وهي: أن أبا العاص بن الربيع، يتصف بستة أوصاف على الأقل، كل واحد منها منفرداً يجعل من حسن الوفاء والعدل إطلاقَ وَثاقه، فكيف بها مجتمعة؟ أولها: وفاؤه للإسلام ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن مسلما، فلم يُؤَثّر عليه الحصار الذي فرضته قريش على المسلمين فلم يطلق زوجَه بل ظل وفِيًّا، وقد ذكَره النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ "فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال: حدثَني فصدقني ووعدني فأَوْفَى لي" [البخاري: 3729، 3110، ومسلم: 2449 - 2450]. ثم إنه من بني عبد شمس وقد قُتِل منهم في بدر سبعة رجال، أكثرهم من سادات قريش؛ فالإحسان إلى وفِيًّ منهم في أمر جائز فِعلُه وتركه، سيكون له أثر بالغ في حفظ ما للإسلام من بهاء ووفاء، وسيساهم في الوقوف في وجه ما يروجه حينئذ أبو سفيان وهند وغيرهما من بني عبد شمس ومِن سادات قريش الذين قُتل كثير من أهلهم دَفْعة واحدة في بدر. وثانيها: كونه زوجا لامرأة مسلمة تُقِيم بين أعدائها الذين وجدت فيهم هي وقومُها من بني هاشم والمطلبِ، من معاناة الأذى وحصار السنين، حتى أُخرِجوا من بلدهم وهم سادته وبناة المجد فيه، فهم كالذين قال الله عز وجل فيهم: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [البروج: 8]! وهذه الحاجة الماديّة الكبيرة أحوجتها إلى أن تكمل فداء زوجها بقلادتها التي زَفّتها بها أمها إليه، ومن المعلوم مكانة الحلي عند النساء لا سيما العربيّات، ولكن حاجتها للإفراج عن زوجها القائم بشؤونها، جعلتها تجود بها ضمن الفداء! وثالثها: كون تلك المسلمة بنتا للسابقة في الإسلام ونُصْرتِه، بنفسها ومالها، أعني: خديجة رضي الله عنها. وهو ما يجعل من وفاء المسلمين لها -وهم أهل الوفاء وحفظِ المودة- أمرا بالغ التأكيد. ورابعها: كونه صهرا لتلك المرأة الناصرة للإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم. وخامسها: كونه ابن أخت لها أيضا. وسادسها: كون الفداء يؤخذ ليُقَوِّيَ المسلمين ويُضْعِف الكفار المحاربين، والمال الذي أرسلت به زينب هو مال لها لا لأبي العاص، بدليل أن وصفه في الحديث السابق هو "الذي لها"؛ فكيف يتقوى المسلمون بما يُضْعِفون به مسلمة مقيمة بين أعدائها؟! وكما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا في زوج ابنته فقد رأى نحوه في سبي هوازن حين جاءه أهلهم مسلمين راغبين في أن يَرُدّ سَبيهم وأموالهم إليهم، فخيرهم بين أحد القِسْمين فاختاروا سَبْيَهم، فقال صلى الله عليه وسلم "أما بعد، فإن إخوانكم جاءونا تائبين، وإني رأيت أن أرد إليهم سَبْيَهم، فمن أحب منكم أن يُطَيِّب ذلك فليفعل، ومن أحب أن يكون على حظه حتى نُعْطيَه إياه من أول ما يُفِيءُ الله علينا. فقال الناس: طَيَّبْنا لك" [البخاري: 2307، 2583]. فلو حذفنا -جدلا- زوجيّة خديجة وبنوّة زينب للرسول صلى الله عليه وسلم، وحذفنا الصفات الأخرى فلم نُبْقِ إلا وفاء أبي العاص أو إحسان خديجة ولو لم تكن هي وزينب من المسلمين- لكان كافيا! ودليل ذلك: وفَاء النبي صلى الله عليه وسلم للمطعم بن عدي رغم أنا لا نعلم له إسلاما، فعن ابنه جبير بن مطعم: أن النبي  قال في أسارى بدر: "لو كان المطعم بن عدي حيا، ثم كلمني في هؤلاء النَّتْنَى لتركتهم له" [البخاري: 3139]. فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي بعض إحسان للمطعم مع كونه كافرا فيشفعه في كل الأسارى وليس المطعم نفسُه منهم، ألَا يُشَفِّع تلك الصفات المتحليَ بها أبو العاص في نفس أبي العاص؟ وليس ذلك من أجل بُنُوة زينب منفردة؛ فقد استأذن النبيَّ رجال من الأنصار في أن يَدَعوا للعباس فِداءه؛ لكونهم أخوال عبد المطلب "فقالوا: ائذن لنا فلْنَترُكْ لابن أختنا عباسٍ فِداءه، قال: والله لا تَذَرُون منه دِرهما" [البخاري: 3048، 4017]. وقد خَلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم سبيل كثير من الأُسارى في غزوات له ولم يأخذ منهم فداء: - فمنهم: ثُمَامَةُ بن أُثَالٍ وهو من سادات بني حنيفةـ، جاء المدينة أسيرا لإحدى السرايا ومكث ثلاثة أيام يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء من المال، فلم يأخذه منه بل خَلَّى سبيله بلا فداء، فلما أطلقه أسلم. [البخاري: 4372، ومسلم: 1764]. - ومهنم: الأعرابي الذي أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو نائم تحت شجرة فأخذ سيفه فاستيقظ فإذا في يده السيف خارجَ غِمْده فقال للنبي صلى الله عليه وسرلم من يمنعك مني؟ فقال: الله، فرده لغِمده وجلس، فنادى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصحابةَ فجاءوا ولم يعاقبه. [البخاري: 4135، ومسلم: 2284]. - ومنهم ثمانون رجلا من أهل مكة، في عمرة الحديبية، جاءوا عند صلاة الفجر؛ ليصادفوا غفلة للمسلمين، فأخذهم رسول الله  بدون قتال "فعفا عنهم، ونزل القرآن: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ}" [الفتح: 24] [مسلم: 1808، وأحمد: 14090]. وبعد كل هذا فإن الله جل جلاله قال في كتابه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]؛ فخُمُس كل غنيمة للرسول صلى الله عليه وسلم وللمذكورين معه، والخُمُس من سبعين أسيرا هو أربعة عشر أسيرا؛ فللنبي صلى الله عليه وسلم الحق في رد أبي العاص من نصيبه هو من الخمس، أو من نصيب زينب منه؛ لأنها من أقرب ذي القربى للنبي صلى الله عليه وسلم يتواصل

 

 

 

 

تصفح أيضا...